من الملاعب إلى السياسة.. قضية العنصرية ضد فينيسيوس
عنب بلدي – محمد النجار
اقتحمت العنصرية البساط الأخضر في إسبانيا، وطالت هذه المرة مهاجم ريال مدريد اللاعب البرازيلي فينيسيوس جونيور، معكرة أجواء الحماسة والمتعة في عالم كرة القدم.
الجانب المظلم من الساحرة المستديرة ظهر مع اقتراب ختام الموسم الكروي في حادثة أثارت ردود فعل عديدة، لم تقتصر على الوسط والشارع الرياضي، إنما تجاوزتها إلى مضمار السياسة.
في 21 من أيار الحالي، تعرض فينيسيوس لهتافات عنصرية وإيماءات “القرد” من الجماهير في ملعب “ميستايا”، خلال مباراة فالنسيا وضيفه ريال مدريد الذي خسر اللقاء بنتيجة هدف دون رد، وتوقفت المباراة عشر دقائق لكن الحكم استكملها.
وزادت الأمور حدة بعد أن تعرض فينيسيوس للطرد من المباراة عقب تدافع مع لاعبي الخصم.
فينيسيوس: إسبانيا بلد العنصريين
بعد المباراة، دار سجال عبر وسائل التواصل بين فينيسيوس ورئيس رابطة الدوري الإسباني، وقال اللاعب البرازيلي عبر “تويتر“، إن العنصرية باتت أمرًا طبيعيًا في الدوري الإسباني، وإنها ليست المرة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة التي يتعرض فيها للعنصرية، لافتًا إلى أن الاتحاد الإسباني لكرة القدم يفعل ذلك ويشجعه الخصوم.
وذكر أن البطولة التي كانت ملكًا لرونالدينيو ورونالدو وكريستيانو وميسي، باتت اليوم تنتمي إلى عنصريين، مضيفًا أنها “أمة جميلة” (في إشارة إلى إسبانيا)، رحبت به ويحبها، لكنها وافقت على تصدير صورة دولة عنصرية إلى العالم، معتذرًا من الإسبان الذين لا يتفقون معه.
وتابع فينيسيوس أنه في بلاده البرازيل، تُعرف إسبانيا بأنها بلد العنصريين، لافتًا إلى أنه ليس لديه دفاع عن كل ما يحدث كل أسبوع.
وأنهى البرازيلي منشوره بأنه قوي ويذهب حتى النهاية ضد العنصريين.
رئيس “الليجا”: العنصرية نادرة
رد رئيس رابطة الدوري الإسباني، خافيير تيباس، على كلام فينيسيوس بأربع نقاط عبر “تويتر” قائلًا، “أولًا، ليست إسبانيا ولا (الليجا) عنصرية، ومن الظلم قول ذلك، وثانيًا، (الليجا) تدين كل أوجه العنصرية”.
النقطة الثالثة، حسب تيباس، أنه تم الإبلاغ عن إهانات عنصرية في هذا الموسم تسع مرات، منها ثمانٍ ضد فينيسيوس، وتحاول الرابطة معرفتهم (العنصريون) وتقديم الشكوى ضدهم وهم قليلون جدًا.
وختم تيباس بقوله، رابعًا، لا يمكن تلطيخ سمعة المنافسة، وهناك أكثر من 200 لاعب أسمر البشرة في 42 ناديًا بإسبانيا، يتلقون كل الاحترام والمودة من كل المشجعين، وحالات العنصرية نادرة، و”الليجا” ملتزمة بالقضاء عليها نهائيًا.
ورد فينيسيوس على كلام تيباس بمنشور آخر قال فيه، “بدلًا من انتقاد العنصريين، ظهر رئيس (الليجا) على وسائل التواصل الاجتماعي ليهاجمني، وبقدر ما تتحدث وتتظاهر بعدم القراءة، فإن صورة بطولتك تهتز”.
وتابع، “شاهد الردود على منشوراتك واحصل على مفاجأة (…) أنا لست صديقك للحديث عن العنصرية، أريد إجراءات وعقوبات، الهاشتاج لا يحركني”.
الملكي يستنكر
في 22 من أيار الحالي، أعلن نادي ريال مدريد في بيان له عن استنكاره ورفضه الشديد، وإدانته للأحداث التي وقعت ضد لاعبه فينيسيوس، مضيفًا أن هذه الوقائع تشكّل هجومًا مباشرًا على النموذج الاجتماعي والديمقراطي للتعايش في إسبانيا على أساس سيادة القانون.
ويعتبر ريال مدريد أن مثل تلك الهجمات أيضًا جريمة تحرض على الكراهية، لهذا السبب تقدم النادي بشكوى إلى مكتب المدعي العام في الدولة.
وذكر النادي أن المادة “124” من الدستور الإسباني تنص على أن دور مكتب المدعي العام هو السعي لتحقيق العدالة، والدفاع عن الشرعية وحقوق المواطنين والمصلحة العامة.
مدرب ريال مدريد، كارلو أنشيلوتي، رفض ترجيحات أحد الصحفيين الإسبان بأن يكون المشجعون قد رددوا كلمة “تونتو” التي تعني “سخيف” باللغة الإسبانية، بدلًا من كلمة “مونو” التي تعني “القرد”، وقال المدرب الإيطالي، “لم يسبق لي أن رأيت ملعبًا كاملًا يتصرف بعنصرية”.
إدانة وطلب اعتذار
المتحدث الرسمي باسم نادي فالنسيا، خافيير سوليس، استنكر عبر مؤتمر صحفي اتهامات أنشيلوتي بأن جميع مشجعي “ميستايا” عنصريون، لافتًا إلى أن فالنسيا لا يمكن أن يتسامح مع ذلك.
وأضاف أنه يجب على أنشيلوتي تقديم اعتذار، بنفس الطريقة التي “ندين فيها مع المدرب أي إهانة عنصرية”.
وأكد خافيير أن النادي سيطبّق لوائحه الداخلية بأكبر قدر من الصرامة، وهو طرد أي مشجع عنصري، وهم يعملون على تحديد هوياتهم لمنعهم من الدخول إلى الملعب مستقبلًا.
وفي بادرة تضامن، باع فالنسيا قمصان الفريق التي ارتداها أمام ريال مدريد، وتبرع بعائداتها لمؤسسة خيرية، وجدد “الخفافيش” التزامه بإدانة العنصرية واستئصالها.
وأصدر فالنسيا بيانًا، في 22 من أيار الحالي، أعلن فيه “حظر دخول الملعب مدى الحياة للمشجعين” المتورطين بعد فتح تحقيقات مع الشرطة، مضيفًا أن الأخيرة “تعرفت على هوية مشجع قام بإيماءات عنصرية” ضد فينيسيوس.
الاتحاد البرازيلي يقدم شكوى
تحدث رئيس الاتحاد البرازيلي لكرة القدم، إيدنالدو رودريغيز، مدافعًا عن فينيسيوس، وانتقد تصريح رئيس رابطة الدوري الإسباني بحق اللاعب البرازيلي، وقال، إنه يجب أن يكون هناك التزام أخلاقي من جميع السلطات، حتى يمكن مكافحة هذا النوع من الجرائم بعقوبات رياضية.
وذكر رودريغيز أنه رُفعت شكوى للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وأُرسلت نسخة عنها إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، والاتحاد الإسباني، واتحاد أمريكا الجنوبية (كونميبول).
واتصل “كونميبول” باللاعب فينيسيوس، وقدم له الدعم والتضامن الرسمي والشعبي في البرازيل.
البرازيل ورئيسها مع لاعبهم
الرئيس البرازيلي، لويس إيناسو لولا داسيلفا، قال في مؤتمر صحفي على هامش قمة “مجموعة السبع”، إنه يتضامن مع فينيسيوس، مضيفًا أنه “شاب فقير ونجح في حياته، وأصبح أفضل لاعب في العالم، حتى إنه الأفضل في نادي ريال مدريد الإسباني”.
وذكر أن اللاعب تعرض لهجوم عنصري في كل ملعب يلعب فيه، وأن هذه العنصرية مرفوضة عند كل شعوب العالم، لافتًا إلى أهمية اتخاذ “فيفا” والاتحادات الأوروبية قرارات حقيقية، لأنه لا يمكن السماح لـ”الفاشية والعنصرية” بالهيمنة على ملاعب كرة القدم، وفق قوله.
وأُطفئت أضواء تمثال “المسيح الأيقوني” في مدينة ريو دي جانيرو لمدة ساعة واحدة مساء 22 من أيار الحالي، لإظهار التضامن مع فينيسيوس، وتقرر إطفاء الأضواء الساعة 18:00 بالتوقيت المحلي.
واستدعت الحكومة البرازيلية السفير الإسباني لاستيضاح الحادثة، وقالت الخارجية في بيان، إنها خلصت بعد “حادثة أخرى غير مقبولة” إلى أن السلطات الإسبانية لم تتخذ إجراءات فعالة لمنع مثل هذه الأفعال العنصرية.
وأكدت وزارة الخارجية أنه طُلب من السفير، مار فرنانديز بالاسيوس، أن يزوّد الوزارة بتفاصيل الحادث.
“فيفا” واللاعبون
رئيس “فيفا“، جياني إنفانتينو، قال إنه يتضامن بشكل كامل، وإنه لا مكان للعنصرية في كرة القدم وملاعبها ومجتمعها، مضيفًا أن الاتحاد الدولي لكرة القدم يقف بجانب كل اللاعبين الذين وجدوا أنفسهم في مثل هذه المواقف.
وذكر أن مثل هذه الحوادث هي سبب وجود العملية المكوّنة من ثلاث خطوات في مسابقات “فيفا”، ويوصى بها على جميع مستويات كرة القدم، وهي:
أولًا، توقف المباراة ويُعلَن عن الإساءات.
ثانيًا، يغادر اللاعبون الملعب ويعلن المتحدث أنه إذا استمرت الإساءات فستعلّق المباراة، وتُستأنف المباراة بعد ذلك.
ثالثًا، إذا استمرت الإساءات، تتوقف المباراة وتذهب النقاط الثلاث إلى الخصم.
ولفت إنفانتينو إلى أن هذه هي القواعد التي يجب تنفيذها في جميع البلدان وبجميع الدوريات، ومن الواضح “أن قول هذا أسهل من فعله، لكننا بحاجة إلى القيام بذلك، ونحتاج إلى دعمه من خلال التعليم”، وفق إنفانتينو.
وخلّفت الحادثة تفاعلًا واسعًا في الشارع الرياضي، وأعرب عدد كبير من اللاعبين والمدربين عن تضامنهم مع فينيسيوس، منهم المدرب الإسباني، تشافي هيرنانديز، الذي دعا إلى توقف هذه التصرفات والإهانات، وكذلك النجم الفرنسي كيليان مبابي، الذي قال عبر “إنستجرام” مخاطبًا جونيور فينيسيوس، “أنت لست وحدك، نحن معك وندعمك”.
السلطات تتحرك
فتحت النيابة العامة في فالنسيا الإسبانية تحقيقًا في “جريمة كراهية” بشأن إهانات عنصرية بحق فينيسيوس، وأعلنت الشرطة المحلية في مدريد عن اعتقال أربعة أشخاص على خلفية التحقيق في شنق دمية بقميص مهاجم ريال مدريد البرازيلي فينيسيوس جونيور، على جسر بالعاصمة الإسبانية في كانون الثاني الماضي.
وزير شؤون المستهلك في إسبانيا، ألبرتو غارسون، استنكر ما حصل قائلًا في مقابلة مع إذاعة “راديو كابلي”، إن المؤسسات التي يجب أن تضمن السير السليم لكرة القدم، يجب أن تكون أكثر حزمًا مع هذا النوع من القضايا”.
وتابع، “عندما يكون لديك جزء من المشجعين يطلقون إهانات عنصرية تجاه لاعب، فمن الواضح أن ما عليك فعله هو الرد بطريقة قاطعة”.
وقال رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، عبر “تويتر”، “لا يوجد تسامح مطلقًا مع العنصرية في كرة القدم”، مضيفًا أن الرياضة تقوم على قيم التسامح والاحترام، ويجب ألا يكون للكراهية وكراهية الأجانب مكان في كرة القدم “لدينا وفي مجتمعنا”.
وتعد ملاعب كرة القدم من أبرز ساحات تفشي العنصرية التي أفسدت جمال ومتعة المباريات، ولم يكن البرازيلي فينيسيوس ضحيتها الأولى، إذ تعرض قبله لاعبون كثر لعنصرية واعتداء وشتم وضرب من قبل المشجعين، أمثال داني ألفيس، وبالوتيلي، ورونالدينيو، وإيتو، ومحمد صلاح، وجوزيف أنطوان بيل، وعلي مونتاري، وكو ليبالي، وأومتيتي، وغيرهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :