عنب بلدي – اعزاز
زادت وتيرة ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا إلى شمال غربي سوريا خلال عام 2022، وكان انتقاء المرحّلين شبه عشوائي، علمًا أن كثيرًا منهم يحملون بطاقات “الحماية المؤقتة” (الكملك) وأوراقًا ثبوتية أخرى.
ويعاني السوريون من المقيمين شمالي حلب اليوم، بعد ترحيلهم من تركيا، وضعًا معيشيًا مترديًا مقارنة بظروفهم خلال فترة إقامتهم في تركيا، ويبحث معظمهم عن فرص عمل توازن بين مصاريف عائلاتهم التي بقيت في تركيا وقيمة الدخل في سوريا.
أجور زهيدة في سوريا
دخل أيمن اسقاطي البالغ من العمر 25 عامًا إلى تركيا مطلع عام 2022، ومكث فيها حوالي ثمانية أشهر قبل أن تعتقله الشرطة في مدينة اسطنبول لعدم امتلاكه بطاقة “الحماية المؤقتة”.
أيمن الذي ينحدر من محافظة إدلب، قال لعنب بلدي، إنه عاش ظروف احتجاز سيئة، وأُجبر على توقيع أوراق “العودة الطوعية” من تركيا، وأُرسل بعدها إلى الشمال السوري عبر معبر “باب السلامة”.
ومنذ وصوله إلى تركيا، اتجه أيمن للعمل بمهن حرة مقابل أجور زهيدة، يرسل قسمًا منها إلى أسرته المكوّنة من خمسة أفراد والمقيمة في إدلب.
وأضاف أن تدهور الأوضاع المعيشة وقلة فرص العمل في سوريا، دفعاه للعمل على “بسطة” لبيع الخضراوات لتأمين حاجات الأسرة اليومية بعد ترحيله من تركيا.
وعلى الرغم من أنه توقف عن العمل منذ ترحيله، فإن فارق الأجور بين البلدين يجعل من أي مهنة يمارسها الفرد في سوريا غير كافية لسد رمق عائلة من شخصين.
عائدون إلى بيئة مجهولة
مع بداية لجوئهم خارج البلاد، اعتُبرت السوق التركية أحد أفضل الملاجئ للسوريين الباحثين عن تحسين ظروفهم المعيشية المتدهورة شمال غربي سوريا، بحسب ما قاله لاجئون مرحّلون لعنب بلدي.
عز الدين الصايل (28 عامًا)، هو معيل لأسرة من ثلاثة أفراد، قال لعنب بلدي، إنه اعتُقل من منطقة كهرمان كازان في ولاية أنقرة نهاية 2022، واقتيد إلى دائرة الهجرة دون سابق إنذار، علمًا أنه استقر في تركيا لنحو عشر سنوات، دون مشكلات تُذكر.
حال عز الدين تشبه حال كثير من المرحّلين من تركيا إلى الشمال السوري، حيث لا أقارب له ولا معارف، كونه ينحدر من محافظة حماة، لكنه مجبر على العيش بالحدائق والمساجد في قرى ومدن الشمال السوري، منتظرًا نجاح إحدى محاولاته في العودة إلى تركيا، حيث بقيت عائلته وممتلكاته.
وقال عز الدين، إنه عاجز عن تأمين تكاليف معيشته ومعيشة عائلته التي لا تزال في تركيا حتى اليوم.
يتراوح متوسط المعيشة للعائلة في تركيا بين 300 و500 دولار أمريكي، حسب طبيعة حياة العائلة، ومكان الإقامة، ومعطيات أخرى، بحسب ما قاله عز الدين وأيمن لعنب بلدي.
ويجهل عز الدين مصيره خلال انتظاره “معجزة” تجمعه بعائلته في أنقرة التركية، ويجلس وحيدًا في مكان غريب، متسائلًا، “كيف سأعيش وأعيل عائلتي”.
قبل ترحيله من تركيا كانت حالته المعيشية مقبولة، بحسب تعبيره، إذ كان قادرًا على تأمين حاجيات منزله اليومية، واعتاد أن يوزع مصاريفه الشهرية على قدر الدخل.
ومنذ عودته إلى سوريا، بات عز الدين عاجزًا عن تأمين تلك المصاريف، ويبحث الشاب المرحّل عن فرصة عمل في مدينة الباب أو ما حولها، بعد أن تسبب ترحيله بخسارة عمله في أحد معامل الأحذية بولاية أنقرة.
تفاوت كبير
عمار الفرا، كان يقيم أيضًا بمدينة اسطنبول بشكل متواصل لـ11 عامًا، حيث يملك سلسلة متاجر فيها، ويقيم هناك بموجب إقامة سياحية، وقرر التدخل لحل مشكلة بين امرأة سورية وعناصر من الشرطة في مستشفى بمدينة اسطنبول، ليتفاجأ باقتياده إلى مركز الترحيل، ومن ثم إرساله إلى سوريا بعد قضائه نحو شهر متنقلًا بين السجون التركية.
يحاول عمار بناء مشروعه الجديد في الشمال السوري، بعد عجزه عن العودة إلى تركيا للقاء عائلته المقيمة فيها، إذ يملك اليوم محلًا لبيع المعاطف بمدينة اعزاز.
يحاول عمار، اليوم، الحصول على بطاقة “تاجر” تخوّله العبور إلى تركيا بين الحين والآخر بشكل قانوني للقاء عائلته، بينما يواصل عمله كتاجر ليعول عائلته المقيمة في تركيا، ونظرًا إلى فرق تكاليف المعيشة وقيمة الدخل بين سوريا وتركيا، تعتبر هذه المهمة بالغة الصعوبة حتى بالنسبة لأصحاب الدخل المرتفع من المقيمين شمالي سوريا.
بلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا، بحسب أحدث إحصائية أصدرتها رئاسة الهجرة التركية عبر موقعها الرسمي، ثلاثة ملايين و395 ألفًا و909 سوريين، ممن يحملون بطاقة “الحماية المؤقتة”.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في اعزاز ديان جنباز