إدلب – أنس الخولي
بأيدٍ خشنة متعبة، ترصّ هند عثمان عيدان القصب إلى جانب بعضها وتربطها ببعضها بشكل محكم لتشكل حصيرة قصب، تبيعها بسعر زهيد، رغم أنها تحتاج إلى يوم كامل من العمل.
هند البالغة من العمر 42 عامًا، تعمل في حُصر القصب لمساعدة زوجها، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة بإدلب.
وقالت هند التي تعود أصولها إلى منطقة قلعة المضيق، وتقيم على أطراف مدينة إدلب، إنها تعلمت الحرفة من زوجها الذي ورثها عن أهله، وشكّلت هذه الحرفة مصدر رزقهم خلال السنوات الصعبة الماضية، في ظل انعدام فرص العمل والظروف المعيشية الخانقة.
تحتاج هند، في أفضل الأحوال، إلى يوم كامل لإنتاج حصيرة ونصف أو اثنتين بطول ثلاثة أمتار للحصيرة، ويبيع زوجها المتر بدولارين تقريبًا.
في السابق، كان سكان المناطق المجاورة لمنبت القصب يمتهنون صناعة الحُصر، إلا أن عمليات النزوح هربًا من العمليات العسكرية التي نفذها النظام السوري، أجبرت كثيرًا منهم على الإقامة في أماكن أخرى، ومحاولة إيجاد فرص عمل جديدة، وبات من تبقى في منابت القصب يعلمون في جمع عيدانه وتوريدها للحرفيين النازحين.
وبحسب هند، تُصنع حُصر القصب عن طريق تجميع ورص القصب وبعض العيدان، وربطها ببعضها، وهي صناعة بسيطة لا تحتاج إلى كثير من الأدوات للإنتاج، إذ يكفي توفر قضبان حديدية وخيطان للربط وأثقال بسيطة لشد الخيطان، وغالبًا ما تكون الأثقال عبارة عن عبوات ماء تُملأ بالأسمنت.
أما أبرز الصعوبات فتتمثل في عملية نقل القصب من منبته إلى أماكن صناعة الحُصر، التي تحتاج إلى نصف يوم تقريبًا.
صناعة الحُصر.. تراث إدلبي
تعد صناعة الحُصر إحدى المهن الحرفية التي تشتهر بها مدينة إدلب، وتنتمي إلى تراث قديم في المدينة، وهي توفر اليوم لحرفييها نافذة معقولة في مواجهة الصعوبات الاقتصادية.
إسماعيل المحمد (52 عامًا)، وهو شرطي سابق انشق عن النظام وينحدر من منطقة جبل الزاوية، قال لعنب بلدي، إنه اتجه لتجارة وصناعة حُصر القصب لقلة فرص العمل من جهة، وحفاظًا على تراث المدينة من جهة ثانية.
تعلم إسماعيل هذه الصناعة في شبابه، وعاد إليها مع قلة فرص العمل، فقد ابتعد عنها فترة من الزمن جراء قلة الطلب على الحُصر، ما أدى إلى تخلي كثير من الحرفيين عنها.
موسم صناعة حُصر القصب يبدأ مطلع فصل الربيع ويستمر حتى مطلع فصل الشتاء، وتُستخدم اليوم لوضعها على أسقف الخيام لتقليل حر الصيف، أو لإنشاء مجلس صيفي على أسطح المنازل، أو لتظليل الأماكن المفتوحة كالمسابح.
ويشتري إسماعيل عيدان القصب من جامعيه من ضفاف الأنهار في مناطق دركوش أو عفرين.
كما تنمو الأعواد في سهل الروج، إلا أن جودتها أقل، بحسب إسماعيل.
وهناك نوعان من القصب، الأول العريض، ويطلق عليه الأهالي اسم “النظامي”، ويُستخدم في صناعة الحُصر للتظليل، وأفضل أنواعه تلك القادمة من منطقة جسر الشغور.
أما الثاني فهو النوع الرفيع، ويُسمى “الزرب”، ويُستخدم في الزينة.
ويبلغ سعر الحصيرة الواحدة بطول خمسة أمتار 200 ليرة تركية، إلا أن الطلب عليها منخفض لضعف القدرة الشرائية.
وتتراوح رواتب العمل بالمياومة في مدينة إدلب بين 30 و60 ليرة تركية باختلاف المهنة، كالإنشاءات والزراعة وتحميل البضائع، واختلاف عدد ساعات العمل، بوتيرة غير ثابتة لتوفر أعمال كهذه، وهي رواتب لا تسد أدنى احتياجات العائلة.
جمع القصب مهنة أخرى
صالح العبد الله (49 عامًا)، نازح من سهل الغاب يقيم في أحد مخيمات أطمة، يجمع عيدان القصب من ضفاف الأنهار في عفرين والمناطق المجاورة لها، ويبيعها في إدلب.
قال صالح، إنه وبعد نزوح الحرفيين صانعي القصب وابتعادهم عن مناطقهم، باتوا يشترون عيدان القصب في حين كانوا يجمعونها بأنفسهم.
ويبيع صالح المتر المربع الواحد من القصب بعشر ليرات تركية، بعد قصه وترتيبه وفرزه حسب الحجم، ثم تحميله ونقله إلى الورشات.
وهناك عديد من السلع التي يدخل القصب في صناعتها، كالسلال والمزهريات وبعض الأواني المنزلية، بالإضافة إلى صناعة الناي وبعض أنواع المزامير.
وبحسب صالح، فإن مهنة جمع عيدان القصب لم تكن معروفة سابقًا لكثيرين، لكنها وفرت فرص عمل جديدة لبعض الأشخاص، وهي ترتبط بالطلب على حُصر القصب، فكلما ازداد الطلب على الحُصر ازداد طلب الحرفيين على القصب، آملًا بأن يكون الطلب هذا العام أفضل من الأعوام السابقة.