القنيطرة – زين الجولاني
فيما يُعرف محليًا بموسم الربيع الذي يمتد بين نيسان وحتى نهاية حزيران، يبدأ موسم جمع نبتة تُعرف محليًا باسم “العكوب” أو “السلبين” في سوريا.
وتشكّل المناطق الجبلية والهضاب بريف دمشق والقنيطرة أرضًا جيدة لانتشار النبتة التي تعتبر مرتفعة الثمن، إذ تشكّل مصدر دخل لبعض الأشخاص، بينما يجمعها آخرون بغرض الاستخدام الشخصي.
طقوس موسمية
ينبت في الأراضي السورية عدد من الأعشاب والحشائش التي تظهر بشكل طبيعي ويُستفاد منها في الغذاء، إذ تحضّر على الموائد كوجبات رئيسة وسلطات ومقبلات لما تمتلكه من مذاق لذيذ وفوائد غذائية ومادية، بحسب ما قاله عدد من أبناء القنيطرة ممن التقتهم عنب بلدي.
ومن أبرز هذه الأعشاب نبتة “السلبين” التي تنمو بشكل طبيعي في فصل الربيع بمختلف المناطق السورية، وتتركز في الجبال، وهي نبات بشكل أسطواني أخضر اللون، وتحمل سيقانه خطوطًا حمراء وصولًا إلى كرة من الأشواك على رؤوسها.
تُعرف العجوز صالحة محمد باسم “أم معتز”، ويراها سكان بلدتها شمالي القنيطرة يوميًا حاملة مجرفتها وبعض المعدات متجهة نحو المناطق الزراعية بحثًا عن “العكوب” أو “السلبين” الذي يشكّل مصدر دخل بالنسبة لها.
تقطع صالحة النبتة حال عثورها عليها من منبتها باستخدام مجرفتها تفاديًا للمسها، كونها تحوي كمية كبيرة من الأشواك، ثم تشرع بتمرير سكينها على ساق النبتة لتنظيفها.
وعقب ما وصفته بـ”التنظيف المبدئي”، تضع النبتة في حقيبة بلاستيكية أعدتها مسبقًا لنقلها إلى المنزل، حيث تُنظف بشكل نهائي هناك.
ويترافق عديد من السكان من كلا الجنسين في رحلات قطاف “السلبين”، وقد يضطر الباحثون عن النبتة إلى المشي لمسافة طويلة تصل حتى بضعة كيلومترات، وقد يضطرون إلى صعود أجراف جبلية في بعض الأحيان.
نشاط صالحة الموسمي في عمليات القطاف تجريه مع عدد من النسوة، بحسب ما قالته لعنب بلدي، إذ تترافق نساء الحي مع معداتهن الخاصة، وقد تستمر الرحلة لأكثر من أربع ساعات دون تعب.
“نجد المتعة في رحلتنا هذه رغم صعوبتها، لكنها تستحق العناء في النهاية”، أضافت صالحة.
مصدر دخل
يعمل محمد حمود الخضر ذو الـ40 عامًا في أرضه الزراعية ببلدة حضر بريف القنيطرة الشمالي، إذ يخرج من بيته يوميًا باتجاه جبل الشيخ خلال موسم قطاف “السلبين”، قاصدًا جمع أكبر قدر ممكن من النبتة لبيعها لسكان البلدة.
وبحسب ما قاله محمد لعنب بلدي، فإن سعر الكيلوغرام الواحد من “السلبين” يبلغ 25 ألف ليرة سورية في السوق المحلية، فإذا تمكّن من بيع خمسة كيلوغرامات منها يوميًا، سيكون مرتاحًا لفترة طويلة من الناحية المادية.
ولتحقيق غايته، يخرج محمد يوميًا في الساعة الثامنة صباحًا بحثًا عن “السلبين”، وينهي جولته في الأراضي الخالية منتصف اليوم، حوالي الساعة الثالثة عصرًا، ليتجه نحو سوق البلدة ويبيع ما جناه.
وأضاف محمد لعنب بلدي، أنه لا يوجد مكان محدد لبيع “السلبين”، فهي نبتة موسمية، وغالبًا ما يعرض البائعون النبتة في “بقاليات” الأحياء التي يقيمون فيها.
بحثًا عن الفوائد
تحمل “أم حسين” (65 عامًا)، وهي من أبناء مدينة القنيطرة جنوبي سوريا، سكينها ومجرفتها إلى جانب كيس من القماش، وتتجه إلى البراري بحثًا عن “السلبين”.
وعلى خلاف ما يراه تجار النبتة، تبحث “أم حسين” عنها نظرًا إلى إيمانها بأنها “أفضل من خروف مشوي”، حسب تعبيرها.
وحالما تنتهي من عملية القطاف وبعد العودة إلى المنزل، تعمد العجوز الريفية لتنظيف الأجزاء الصالحة للطهو من جذور النبتة.
وكخطوة ثانية، تشرع “أم حسين” بطبخ “السلبين” مع زيت الزيتون محلي الصنع، واصفة طعمها بأنه شديد اللذة.
ويشير خبراء التغذية إلى أن “السلبين” مفيد جدًا لتنحيف الجسم، ولمرضى ارتفاع الكوليسترول والشحوم والقولون العصبي والإمساك المزمن، ويساعد على الهضم وطرد السموم، وفق موسوعة الأعشاب الطبية.
كما أنه غني بالأملاح المعدنية وخاصة البوتاسيوم، ويفيد في تقوية الأعصاب وتنقية الدم.
شهدت أسعار الخضار والفواكه والمواد الغذائية الأساسية في الجنوب السوري ارتفاعًا كبيرًا منذ مطلع العام الحالي.
وتعد القنيطرة أصغر المحافظات السورية لجهة المساحة، إذ تبلغ نحو 1800 كيلومتر مربع، 1200 كيلومتر مربع منها في منطقة الجولان وتقع تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وتتميز محافظة القنيطرة بزراعاتها ومياهها العذبة، حيث ينبع منها نهرا “العلال” و”الرقاق”، وهما رافدان مهمان لنهر “اليرموك”.