عنب بلدي – جنى العيسى
سجلت قيمة الليرة السورية في أقل من شهر انخفاضًا كبيرًا، وسط تذبذبها هبوطًا وصعودًا، خلال الأسبوع الأخير، بعد أن كسرت حاجز تسعة آلاف ليرة للدولار الواحد للمرة الأولى بتاريخها في 10 من أيار الحالي.
وخلال مدة تصل إلى نحو شهر، سجل الدولار أعلى أرقامه أمام الليرة، ووصل إلى 9150 ليرة سورية للدولار الواحد، بعد مسيرة هبوط بدأتها الليرة في 28 من نيسان الماضي، وكانت قيمتها حينها نحو 7925 ليرة للدولار الواحد.
وبعد أن بقي الدولار فوق رقم تسعة آلاف ليرة لعدة أيام، عادت الليرة للتحسن الطفيف عند قيمة 8400 ليرة للدولار الواحد، تزامنًا مع القمة العربية التي حضرها الأسد بالسعودية في 19 في أيار الحالي، وهي المشاركة الأولى منذ تعليق عضوية سوريا بالجامعة في تشرين الثاني 2011.
وبعد انتهاء القمة وأصدائها، وما رافقها من تحسن بقيمة الليرة، عادت من جديد لتسجيل سلسلة انخفاضات جديدة، إذ وصل سعر مبيع الدولار الأمريكي، في 24 من أيار الحالي، إلى 8800 ليرة، وسعر شرائه إلى 8700 ليرة.
انخفاض الحوالات سبب
تكمن أسباب انخفاض قيمة الليرة السورية منذ عام 2011، بمخزون العملات الأجنبية المتوفرة لدى مصرف سوريا المركزي، أو المتوفرة في الأسواق، بحسب ما قاله الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” مناف قومان، مضيفًا أنه لا شك هناك أسباب ثابتة إضافية لذلك.
وتتمثل الأسباب الإضافية لتدهور قيمة الليرة، وفق حديث قومان لعنب بلدي، بنفاد الاحتياطي ومولدات الدخل، كالنفط والغاز والسياحة والتجارة الخارجية، مشيرًا إلى تأثر قيمة الليرة أيضًا بنقص المساعدات من إيران وروسيا، ونقص المساعدات الدولية التي يستغلها النظام، وانخفاض قيمة الحوالات من الخارج.
وخلال شهر رمضان وفترة عيد الفطر الماضي، تضاعفت قيم حوالات السوريين إلى ذويهم داخل مناطق سيطرة النظام، دون أرقام دقيقة رسمية حول قيم الحوالات.
الخبير الاقتصادي عامر شهدا، قال في حديث لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، في 30 من نيسان الماضي، عندما كسر الدولار حاجز ثمانية آلاف ليرة للمرة الأولى حينها، إن أسباب انخفاض قيمة الليرة تعود لغياب السياسة النقدية القادرة على امتصاص الكتلة النقدية التي طُرحت خلال نيسان الماضي (فترة رمضان والعيد).
وقدّر شهدا قيمة الحوالات التي وردت إلى مناطق سيطرة النظام في تلك الفترة بـ100 مليون دولار أمريكي، مشيرًا إلى أن العرض القليل من المواد مقابل الهجمة الاستهلاكية الناتجة عن توفر الليرة جراء الحوالات، أدى إلى انخفاض الليرة بالإضافة إلى زيادة الطلب على الدولار.
مؤقت.. ودعاية سياسية
خلال الأسبوع الأخير، طرأ تحسن طفيف على قيمة الليرة السورية في السوق السوداء، تزامنًا مع حضور رئيس النظام السوري، بشار الأسد، القمة العربية، في 19 من أيار الحالي، ولقائه الزعماء العرب لأول مرة منذ 2011.
ورغم تعهد المصرف المركزي بشكل غير رسمي عبر وسائل إعلام محلية، خلال الشهر الحالي، بالتدخل في الأسواق لضبط قيمة الليرة، لم تُسجل تحسنًا يُذكر، بل على العكس، سجلت انخفاضًا أكبر.
الباحث السوري إياد الجعفري، اعتبر في مقال رأي له نُشر في موقع صحيفة “المدن” اللبنانية، في 21 من أيار الحالي، أنه على الرغم من أن يوم انعقاد القمة العربية صادف يوم الجمعة، وهو يوم عطلة للصرافين، ولا يشهد صفقات بيع أو شراء، فإن مؤشرات واضحة بدت لضخ الدولار في السوق، مضيفًا أن عدة مصادر تعمل في السوق أشارت إلى عروض للدولار أُتيحت على نطاق ملحوظ في ذلك اليوم.
وقال الجعفري، إن التدخل الأخير للمركزي في السوق، جاء بعد تدخلات أقل فاعلية، بذلها في مطلع الأسبوع الثالث من أيار الحالي، لكنها لم تؤتِ ثمارها إلا بصورة محدودة ومؤقتة، ما دفع المركزي للقيام بتدخل أكبر، أثمر تحسنًا “كبيرًا” جعل سعر الليرة في السوق بفارق 300 ليرة فقط عن سعر المبيع الرسمي لـ”دولار الحوالات”، وهي سابقة غير معتادة.
ويرى الجعفري أن هذا التدخل في يوم لقاء الأسد بالزعماء في جدة، جاء لتأكيد “البروباغندا” التي تروّج لها وسائل إعلام النظام بأن انفتاح العرب على الأسد يعتبر نصرًا سياسيًا، وبداية انفراج للضائقة المعيشية والاقتصادية التي يعيشها السوريون منذ سنوات.
واعتبر الجعفري أن التدخل كان مؤقتًا ولأسباب سياسية ودعائية لا أكثر، خدمة لأن يظهر الأسد “المنتصر” في مظهر أفضل، وبأن حكومته قادرة على مسك زمام سعر صرف العملة، مشيرًا إلى أن مصدر هذا التدخل هو الدولارات من حوالات السوريين “المغتصبة”.
لا مؤشرات على تحسن دائم
يرتبط سعر الصرف في ظل المعطيات الحالية في سوريا بعدة عوامل اقتصادية مجتمعة تؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة، منها ضعف الإنتاج، ونمو الناتج المحلي سلبًا، والاعتماد على الأسواق الخارجية، بالإضافة إلى العجز الكبير في الميزان التجاري، وميزان المدفوعات، والموازنة العامة للدولة، فضلًا عن هروب الاستثمارات الأجنبية، ووجود “سوق سوداء” واسعة لتصريف العملة عبرها.
وحول مدى استمرار التحسن الطفيف في قيمة الليرة، الذي شهدته تزامنًا مع القمة العربية، يرى الباحث السوري إياد الجعفري أن تأثير تدخل المركزي قد يدوم لأيام فقط، قبل أن يسترد السوق المبادرة، إذ إن إبقاء الليرة السورية في مستويات أعلى مما يقيّمها السوق، يتطلب تدخلًا مستدامًا، ما يعني نزفًا لا تتحمله خزينة المصرف المركزي.
الباحث الاقتصادي مناف قومان اعتبر أن تخلي مصرف سوريا المركزي عن سياسة سعر الصرف الثابت والذهاب إلى سياسة سعر صرف مرن، وتقييم الليرة كما ترى السوق السوداء، سبب إضافي يؤثر في تراجع قيمة الليرة، لافتًا إلى أن السوق نفسها لا يوجد بها ما يطمئن بالنسبة لقيمة الليرة مستقبلًا، إذ تخضع دومًا لآليات العرض والطلب والجشع والطمع.
ويعتقد قومان أن الاحتكام للسوق في ظل ظروف سياسية واقتصادية مستقرة، في خضم سياسات نقدية ضعيفة، كفيل برؤية مستويات سعرية جديدة لليرة السورية.
خلال السنوات الماضية، لجأ النظام السوري إلى خلق عدة أرقام لسعر صرف الدولار في سوريا، لجملة أسباب، أبرزها الاستفادة من الفروق بين الأسعار التي يفرضها والأرقام الواقعية لقيمة الليرة السورية أمام الدولار في السوق “الموازية”.
ومنذ مطلع العام الحالي، اتخذ مصرف سوريا المركزي عددًا من القرارات تحت مبرر مشترك يتمثل بأنه “خطوة باتجاه تقليص عدد نشرات أسعار الصرف الصادرة عنه، ضمن سعيه لتوحيدها”.
اقرأ أيضًا: توحيد أسعار الصرف.. سياسة “دولار أكثر” لملء خزينة النظام
وبحسب تقرير صادر عن مركز “جسور للدراسات” مطلع 2021، تفتقد الليرة السورية حدود المقاومة اللازمة للدفاع عن استقرارها، ومن الصعب أن تصمد أمام أي هزة مهما كانت صغيرة، ما يؤكد أنها عُرضة للانخفاض السريع.
وأضاف التقرير أنه غالبًا ما يكون أثر التحولات السياسية والاقتصادية في سعر صرف الليرة على شكل موجات ارتفاع واضحة، أي بانخفاض قيمة الليرة، الأمر الذي يجعل من الصعب تحديد المستويات التي يُمكن أن تحققها.