الإعلام والجيل “Z”.. ماذا عن سوريا؟
علي عيد
يجد الإعلام العربي خصوصًا، والمجتمع العربي عمومًا، مشكلة في فهم أسباب الجفاء الحاصل مع الجيل الجديد، وأقصد الجيل “Z” على وجه الخصوص، وهو جيل نشأ في كنف ثورة التكنولوجيا منذ منتصف التسعينيات، وأصبحت له فئات أكثر تعقيدًا وابتعادًا، فربع سكان العالم (نحو ملياري شخص) اليوم هم من الشريحة دون سن 14 عامًا، وفق قاعدة بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان.
المشكلة أن أبناء هذا الجيل في المجتمع العربي فتحوا عيونهم على سيل هائل من تكنولوجيا رقمية أخرجتهم من بيئاتهم المحلية، على الرغم من وجودهم داخل جغرافياتها.
جيل ذكي، مناكف، ليس بحاجة إلى معارف الجيل السابق ليكتشف أسرار هذا العالم، وهو قادر على تصحيح أكاذيب المجتمع حول الجنس والعادات والتقاليد، كما أنه يصطدم في الوقت نفسه مع العقائد، ويتقن بأغلبيته لغات متعددة، أو ملمّ بلغة أخرى على الأقل غير لغته الأصلية.
تخيل أيها العربي البالغ، من أبناء ما قبل الجيل “Z”، أن 38% من الأطفال دون سن العامين استخدموا الهاتف أو “التابلت” الذكي في اللعب أو مشاهدة مقاطع الفيديو، بزيادة نحو ثلاثة أضعاف ونصف على عددهم عام 2011، وفق دراسة لمنظمة “كومن سنس ميديا” الأمريكية.
كيف يمكن لأبوين كذبا على أطفالهما في قضايا جنسية أو اجتماعية أن يقنعاهم اليوم بأنهم مصدر جيد للمعلومة، وكيف يمكن للإعلام العربي الذي يسيطر كبار السن من أبناء ما قبل الجيل “Z” على معظم مراكز صنع القرار فيه أن يبنوا برامج وخطط جذب وترفيه وتواصل مقنعة.
في سوريا مثلًا، تلحظ الدراسات انصراف الجيل الجديد عن الإعلام الرسمي والخاص بمستويات مختلفة، وتشير الإحصاءات إلى تراجع مستمر في التفاعل مع المحتوى الإعلامي.
المشكلة في إبقاء هذا الإعلام على صلة بجمهور الغد تكمن في جوانب متعددة، بينها القدرة على المواكبة والانتقال مع الجيل إلى عالمه الجديد، وهذا يتطلب كوادر مؤهلة وتنتمي إلى الجيل نفسه، وتستطيع فهم شغفه واحتياجاته.
ومن التحديات الأخرى، أن تكون هناك دراسات حقيقية، وذات صلة، وإحصائيات دقيقة، حول اهتمامات هذا الجيل ونياته، حول تطلعاته المستقبلية، نوع الأفكار التي يحملها، لماذا يفضّل الانزواء في غرفته على الخروج إلى الشارع مع الأصدقاء.
صحيح أن الظروف الاقتصادية والأمنية التي تمر بها سوريا قد تؤثر في مستوى تعرض الجيل الجديد للإعلام وقضايا الشأن العام، لأسباب قد تكون منها عمالة الأطفال، أو عدم القدرة على امتلاك وسائل وتقنيات للوصول، أو حتى ضعف البنية التحتية ومنها الكهرباء، إلا أن كل ذلك يزيد في الفجوة المعرفية، ولا يعفي من ضرورة البحث وابتكار طرق لمشاركة هذا الجيل.
ليس جديدًا انصراف الجمهور السوري عن الإعلام، بشقيه الرسمي أو المستقل، وهذا التراجع ليس مرتبطًا بواقع الإعلام السوري فقط، بل هناك عوامل أخرى، منها أن محتوى هذا الإعلام يكرر المأساة التي تعيشها البلاد منذ 13 عامًا، كما أنه يسعى لاستقطاب الجمهور على أساس سياسي لا على أساس واجب دفعه للمشاركة في صنع القرار، أو حتى المعرفة الحقيقية بالظروف المحيطة على أقل تقدير.
ويرتبط تراجع دور الإعلام بسيكولوجيا الإنسان نفسه وعاداته الجديدة من جهة، وسطوة “السوشيال ميديا” وقدرتها على الوصول، وإتاحتها خيارات واسعة من جهة ثانية.
مشكلة سوريا الأمنية انعكست بظهور جزر بشرية متعددة القناعات والثقافات وحتى المهارات، إذ إن هناك مناطق لا تصل إليها الكهرباء أكثر من نصف ساعة في اليوم، وهناك أيديولوجيات وثقافات معقدة ومتعددة، وكل ما سبق تسبب في تباين معرفي، كما يتوقع أن يرسخ هويات منفصلة متباعدة لحدّ التناقض، وهذا يعني مهمة إضافية، ولا يبدو أن هناك إعلامًا معنيًّا بهذه التعقيدات، باستثناء محاولات لبعض المؤسسات المستقلة التي لا تخضع لضغط الجغرافيا والقوى المسيطرة في الداخل.
وفي المناطق الجغرافية التي يوجد فيها السوريون خارج الحدود، هناك بدائل أكثر جاذبية، وبطبيعة الحال، ليست هناك قدرة للإعلام المحلي على المواكبة أو ربط تلك المجتمعات ببلادها وبيئتها الأصلية، فالجيل “Z” من السوريين الشباب خرج أكثر من نصفه إلى دول الجوار وأوروبا، وما يعرفه عن سوريا يشبه حكايات الجدّات لا أكثر.
هل ما سبق يعني أن هناك عجزًا في مواكبة الجيل “Z” من السوريين، والجواب هو أن هناك بالأصل عجزًا على مستوى العالم، وأن الحكومات الغربية أو الدول التي تملك اقتصادًا وبنى تحتية متفوقة، تستخدم أدوات الجيل نفسه، إنها تذهب إليه، فالرئيس الفرنسي مضطر لاستخدام تطبيق “تيك توك” أو “إنستجرام”، لتوجيه رسائل للشباب، في محاولة لكسبه أو إدماجه، لكن الرئيس الفرنسي وجميع سياسيي فرنسا لا يستطيعون منافسة المؤثرة (Influencer) الفرنسية روبي نيكارا لدى الجيل، فقد وصلت شهرتها وتأثيرها إلى درجة أنها تبيع عبوة المياه الواحدة (ليتر) من حوض استحمامها بنحو 40 يورو.
حتى نصل إلى هذا الجيل علينا فهمه، وفي سوريا على وجه الخصوص علينا فوق ذلك تمكينه، والاعتراف له بأنه على حق حتى وإن كان مخطئًا، فهو يحب ذلك، دعونا نطلب منه أن يخطط لنا أيضًا، هذا إن قبل ذلك.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :