عنب بلدي – يامن المغربي
وجدت المعارضة السورية نفسها في مأزق عقب مبادرات التطبيع العربي مع النظام السوري، التي بدأت بشكل متسارع منذ زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في شباط الماضي، إلى العاصمة السورية دمشق، وما تلا ذلك من تحركات سعودية أفضت إلى صدور قرار الجامعة العربية منح مقعد سوريا للنظام السوري، ثم حضور رئيس النظام، بشار الأسد، اجتماعات القمة بمدينة جدة السعودية، في 19 من أيار الحالي.
في المقابل، حاول “الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية”، أكبر تشكيلات المعارضة التقليدية، التحرك عبر الإعلان عن رفض الخطوة العربية والتحذير منها، وعقد لقاءات مع مسؤولين أوروبيين وأمريكيين، وتحذير الدول العربية من خطوتها.
ويبدو أن أمام المعارضة السورية ثلاثة خيارات حاليًا، فإما المضي بالشكل نفسه من التحركات، وإما إعادة التمركز وبناء تحالفات جديدة بما يتطلبه ذلك من تقديم تنازلات، أما الخيار الثالث فهو الذهاب باتجاه حلّ التشكيلات الحالية وظهور تشكيلات سياسية تقودها وجوه جديدة لقيادة المرحلة المقبلة.
الاستمرار بالوضع الحالي خيار مدمر
حظي الأسد لدى حضوره اجتماعات القمة العربية بـ”استقبال حار” من عدد من قادة الدول العربية، على رأسهم ولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، والرؤساء التونسي والمصري والفلسطيني، عدا عمن رحب بعودة “سوريا” إلى الجامعة العربية دون ذكر صريح لاسم الأسد.
هذا الاستقبال وتركيز وسائل الإعلام العربية والعالمية على حضور الأسد، وظهور تغير في شكل خطاب الدول الغربية تجاه عملية التطبيع، يضع قوى المعارضة السياسية في مأزق حول كيفية التحرك خلال المرحلة المقبلة، خاصة أن رئيس “الائتلاف”، سالم المسلط، قال في مؤتمر صحفي عقده باسطنبول، في 9 من أيار الحالي، إن “خطوة إعادة النظام إلى الجامعة العربية كانت مفاجئة لـ(الائتلاف)”.
الخيار الأول ضمن خيارات المعارضة، وهو الاستمرار بالوضع الحالي والاكتفاء بالبيانات والشجب والتنديد وعقد لقاءات مع مسؤولين غربيين، يبدو خيارًا “مدمرًا وقاتلًا للثورة السورية”، بحسب رأي عضو حزب “اليسار الديمقراطي” زكي دروبي.
دروبي قال لعنب بلدي، إن استمرار “الائتلاف” وقوى المعارضة بالتعاطي مع الظروف الحالية بالطريقة نفسها التي اتبعتها عبر السنوات الماضية، هو زيادة إطالة لمعاناة الناس ومنح المكاسب للأسد.
وكان المسلط أوضح، بلقاء سابق مع عنب بلدي في 9 من أيار الحالي، شكل التحركات التي سينفذها “الائتلاف” في الفترة الحالية، وتشمل عقد لقاءات دولية في فرنسا وبلجيكا ومع مسؤولين أمريكيين، والتشاور مع “الشعب السوري عبر عقد لقاءات شعبية موسعة”.
وأصدر “الائتلاف” بيانًا، في 19 من أيار الحالي، قال فيه إن استقبال الأسد في الجامعة العربية هو مكافأة له على ما اقترفه من جرائم بحق السوريين، وتجاوز لتضحياتهم لأكثر من 12 عامًا، فيما اعتبر عضو “الائتلاف” أيمن العاسمي أن الحل الأمثل في سوريا يبقى عبر مسار “جنيف”، بحسب ما نقله الموقع الرسمي لـ”الائتلاف” في 17 من الشهر نفسه.
هل هناك قدرة على إعادة التمركز؟
خلال 12 عامًا، قدمت عديد من الدول العربية دعمًا صريحًا للمعارضة السورية، وكانت أبرز هذه الدول هي السعودية وقطر، إلى جانب دعم من دول أخرى على رأسها تركيا.
وخلال الأشهر الماضية، بدأت عديد من الدول بتغيير مواقفها تبعًا لمصالحها في المنطقة، سواء في الملف السوري أو ملفات أخرى، وبدا هذا الأمر جليًا مع الاتفاق السعودي- الإيراني، في آذار الماضي، الذي شمل إعادة العلاقات والافتتاح المتبادل للسفارات.
وتفرض هذه التغييرات في اللعبة السياسية إعادة قراءة المشهد السياسي السوري، وبناء تحالفات جديدة وفق المتغيرات الإقليمية والدولية، وهنا يكمن الخيار الثاني لدى المعارضة السورية، إلا أن السؤال البارز: هل تملك المعارضة السورية القدرة على إعادة بناء تحالفاتها في ظل الزخم الذي اكتسبه الأسد خلال الأشهر الماضية؟ خاصة أن الأمر يحتاج إلى جهود دبلوماسية كبيرة لخلق توازن ما بين الأسد وخصومه من المعارضة.
ويرى دروبي، خلال إجابته عن أسئلة عنب بلدي، أن هناك ضرورة لإعادة التمركز وبناء التحالفات بطريقة مختلفة، وبعيدة عن الحالة السابقة التي اعتمدت التبعية للدول الصديقة للثورة والتماهي مع سياساتها، بما يضمن استقلالية القرار وهوامش أفضل للعمل، ويمنح نفوذًا أكبر للثورة.
وأشار دروبي إلى أن العقوبات الصادرة عن الإدارة الأمريكية، والحراك العربي في نسخته الأخيرة وتحديدًا بيان “عمّان”، تعطي هوامش عمل أكبر، خاصة مع إمكانية الحوار حول تنفيذ القرار “2254” لتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات.
وحمل اللقاء التشاوري الذي جمع وزراء خارجية العراق والأردن والسعودية ومصر والنظام السوري، في 1 من أيار الحالي، بالعاصمة الأردنية عمّان، اتفاقًا لإجراء محادثات تستهدف الوصول إلى “حل للأزمة السورية”، انسجامًا مع القرار الأممي “2254”.
واعتبر دروبي أن النظام السوري يحاول إيهام الناس بأن الثورة السورية انتهت وانتصر على إرادة الشعب.
وشهدت عدة مدن وبلدات شمال غربي سوريا، في 19 من أيار الحالي، مظاهرات شعبية حملت عنوان “سوريا لا يمثلها الأسد المجرم”، وذلك على خلفية مشاركة الأسد في اجتماعات القمة العربية.
وبقدر ما يشير دروبي إلى وجود هوامش للعمل لدى المعارضة في حال نجحت بتغيير سياساتها، يتساءل الدبلوماسي السوري السابق داني البعاج حول من الذي سينفذ هذه السياسات والتحركات الجديدة.
وقال البعاج، في حديث إلى عنب بلدي، إنه في حال كان الأشخاص نفسهم من المعارضة من سينفذون هذا الخيار فهناك مشكلة كبرى بالانتظار.
وأوضح البعاج أن شخصيات المعارضة السورية كانت السبب بخسارة الثورة السورية لحلفائها بالأصل عبر تحركاتها وقراراتها الخاطئة، وبالتالي هل يمكن استكمال الطريق مع المعارضة الحالية بنفس الطريقة وضمان نتائج مختلفة؟
خيار ثالث.. جسد سياسي بديل
منذ وضوح التحركات العربية الأخيرة لإعادة الأسد إلى “الحضن العربي”، بدأ عديد من المعارضين السوريين الحديث عن خيار حلّ “الائتلاف” وتشكيل جسم سياسي جديد بوجوه معارضة جديدة، يكون لها القدرة على قيادة المرحلة المقبلة.
المسلط قال لعنب بلدي، في 9 من أيار الحالي، إنه “ليس من العدل المطالبة بحل (الائتلاف)”، خاصة أن المعارضة السورية مطالَبة بوحدة الصف واستكمال ما لم يكتمل وتصحيح الأخطاء ومراجعتها، رغم أنه، أي المسلط، لن يكون ضد حلّ “الائتلاف” إن كان ذلك “بإرادة الشعب السوري ويخدم مطالبه”.
ولم يُعلن حتى لحظة كتابة هذا التقرير عن تشكيل أي جسم سياسي سوري معارض جديد ضد الأسد، إلا أن التغييرات الإقليمية الحالية وانفتاح دول عربية على الأسد، قد تفتح الباب أمام معارضين سوريين للذهاب باتجاه هذا الخيار، الذي يراه الدبلوماسي السوري السابق داني البعاج ضروريًا.
وقال البعاج لعنب بلدي، إن هذا الخيار هو الأنسب في المرحلة المقبلة، على اعتبار أن إحدى المشكلات الأساسية التي واجهها السوريون في ثورتهم، أن من تصدّر المشهد المعارض لم يكونوا مؤهلين لتمثيله وتمثيل الثورة بشكل صحيح، لا على صعيد القيم والمبادئ التي نادت بها الثورة، ولا على صعيد الحرفية السياسية، بحسب رأيه.
وأضاف أن المعارضة السورية في السابق شعرت بأن النظام السوري على وشك السقوط، لذا كان هناك نوع من الاستعجال، فسادت الخلافات على القيادة والمناصب، والمشكلة الكبرى أنه مع عدم سقوط النظام لم يكن هناك أي خطوات جدّية لإصلاح “الائتلاف” ومنظومته، ولا يزال الفشل يتكرر بنفس الوجوه، والأخطاء نفسها تتكرر لنصل إلى نفس النتائج.
ومن غير المعروف إن كان هناك ما يمكن إنقاذه، ولكن إن كان هناك من خطوة يجب أن تتم حاليًا، فهي إعادة تشكيل المعارضة السياسية والتفاوض مع الدول، وفق البعاج.
لكن دروبي يرى أن الثورة السورية “ليست في حالة عدمية تريد إنهاء الآخر والحلول مكانه”، وبالتالي بدلًا من الذهاب باتجاه حلّ “الائتلاف” باعتباره خيارًا ليس متاحًا ولا واقعيًا، بسبب هيمنة الدول على عمله، فالأجدى أن يكون هناك حوار داخلي بين فرقاء الثورة، والبناء على العوامل المشتركة بينهم والتركيز على نقاط القوة.
وأوضح دروبي أن “الائتلاف” والثورة بحاجة إلى ذهنية عمل جديدة تعمل للمستقبل البعيد من خلال تراكم النقاط التي تحدث الفارق، لا من خلال عقلية الربح السريع، بحسب تعبيره.