إبراهيم العلوش
أمام الانتخابات التركية التي اتسمت بالتنافس والحيوية، تبدو الجامعة العربية مقبرة للشعوب العربية، ويشغلها حراس للمقابر لا يؤمنون إلا باستمرارهم، وهم يهنئون بالاستقرار الذي توّجوه بإعادة بشار الأسد إلى صفوفهم.
مهما كانت آراؤنا في المتنافسين الأتراك على الرئاسة أو في الكتل البرلمانية من أطراف قومية، إلى أطراف دينية، إلى يسار يتدحرج بين الأطراف المتنافسة، فإننا كسوريين وكعرب ننظر إلى تلك الانتخابات نظرة أهل الكهف الذين لا يزالون يعيشون قبل قرن أو أكثر، ونقوم بتحليل الأحداث على نظريات عفا عليها الزمن من تهويل لعودة الدولة العثمانية وسلاطينها، إلى العداء المكرور للاستعمار والإمبريالية، إلى التعلق ببقايا الستالينية، ولو كان بوتين هو ممثل آثارها الديناصورية!
في 18 من أيار الحالي، وصل بشار الأسد إلى مدينة جدة السعودية، وفي اليوم التالي ألقى خطابه على الحكام العرب. عاد الدكتاتور بشار الأسد إلى مجموعته في الجامعة العربية، تلك المجموعة من الحكام الذين يمتلكون الدولة والمجتمع بقوة “البوليس” وبشعارات مسمومة لا نفع فيها إلا تأبيد وجود الحكام بكل أشكالهم، وألوانهم، سواء كانوا يدّعون حماية التقاليد والتاريخ والدين، أو يدّعون حماية التطور والتقدم ولو كان هذا التقدم متجهًا إلى الهاوية.
عودة بشار الأسد إلى الجامعة العربية طعن بحقوق الشعب السوري، وتطويب لاستمرار الظلم والوحشية على أيدي أجهزة المخابرات والجيش التي أنتجت هذا الدكتاتور تحت شعار “قائدنا إلى الأبد”.
في الوقت الذي يفوز فيه بشار الأسد دائمًا في الانتخابات بنسب خيالية وهو يقصف شعبه، يتنافس المرشحان التركيان على الرئاسة للفوز بأصوات 51% من الناخبين، وتتحرك الماكينات الانتخابية وتتنافس الكتل الاقتصادية والقومية والطبقات الاجتماعية من أجل نيل مقعد الرئاسة أو مقاعد البرلمان، وفق تحالفات معقدة تعيد توحيد المجتمع والدولة مهما كانت التناقضات بينهما. بينما يستثمر بشار الأسد “جبهة وطنية تقدمية” أنشأها حافظ الأسد لتحويل سوريا إلى مملكة للعبودية، تمتلكها عائلة تنتهك حرية التعبير والحقوق الأساسية، عبر التلاعب بتوفير لقمة الخبز والكهرباء والغاز.
تبرز حملات الإعلام السوري الرسمي بشكل حماسي وهي تؤيد حملة كمال كليجدار أوغلو، ليس حبًا بالديمقراطية، بل لتأمين هامش لعائلة الأسد من أجل الاستمرار في الانتهاكات، وحمل المجتمع الدولي على تناسي ما حل بالسوريين بعدما أعاد العرب بشار الأسد إلى الجامعة العربية، وتقاطرت إليه الوفود الدبلوماسية السعودية والمصرية والإماراتية والجزائرية مهنئة بانتصاره على الشعب السوري “الإرهابي والمتطرف” والذي “لا يستحق الحرية”، حسب زعمها.
ما يهمنا من الانتخابات التركية هو سلامة اللاجئين السوريين، وعدم تحويلهم إلى سلعة سياسية تنتهك إنسانيتهم بعد كل ما عانوه من تدمير وتعذيب وتهجير، فالشعب التركي يقطع شوطًا بعيدًا في اختياراته وفي التنافس السلمي على السلطة، ولا يلتفت إلى وحشية الحكام في المستنقع العربي ولا بصراعاتهم، التي لن يكون آخرها القصف المتبادل بين جنرالي السودان البرهان و”حميدتي”.
الاتحاد الأوروبي يقف بكل قوته مع مرشح المعارضة التركية، وتبشّر وسائل الإعلام فيه بفوز كليجدار أوغلو المؤكد حسب زعمها، متناسية الطرق التي يتهجم بها مناصرو المعارضة على اللاجئين السوريين، بل وصل التهجم حتى على النازحين الأتراك بعد زلزال 6 من شباط الماضي المدمّر.
يسعى حكام الجامعة العربية لوأد أحلام السوريين، ويتخيلون سلالاتهم وهي مستمرة في الحكم خارج منطق التاريخ، ويشعرون بالارتياح لتدمير نتائج الربيع العربي، الذي سبّب لهم حساسية أدمعت عيونهم رغم ارتدائهم النظارات الشمسية الفاخرة.
تتحجج الدول الخليجية بأن تيار “الإخوان المسلمين” كان هو المسيطر على الربيع العربي، وبالتالي فهم يقنعون الغرب في حملات إعلامية مدفوعة لمحاربة هذه الشعوب، التي لا تستطيع أن تدير نفسها بنفسها دون نير التعذيب والنهب والتهجير، هذه هي الوسائل اللائقة بهذه الشعوب التي تجرأت على هيبة الحاكم ذي التاج الملكي أو ذي الأوسمة العسكرية “الجمهوكية”!
تدخل الأحزاب الكردية، وأبرزها حزب أوجلان، الحملة الانتخابية التركية إلى جانب الأحزاب القومية لاستهداف التيار الديني الذي يمثله الرئيس رجب طيب أردوغان، ويتسامحان بين بعضهما من أجل تمرير اللعبة السياسية بسلاسة وتحقيق أهداف محددة وتنازلات متبادلة لنيل النتائج التي يريدونها، بينما يقوم نفس الحزب، الذي يقوده أوجلان، بأعمال عسكرية وسياسية معادية لأهداف الشعب السوري، وتكرار اتهامه بالإرهاب في عداء سافر للثورة السورية، وفي تحالف علني مع الأمريكيين والروس أو في تحالف سري مع إيران والنظام.
لكن ما يقوم به السوريون من رفض شرعنة نظام الأسد عبر الجامعة العربية أو غيرها، ومن رفض العودة إلى حضن الوطن الذي يتربع عليه الدكتاتور، سيحقق أهدافهم بالحرية بعدما بدأت تتحرر كثير من شعوب العالم من الطغم العسكرية ومن الاستعمار الداخلي، وذلك بعد مرور زمن على التخلص من الاستعمار الخارجي، وسيحقق السوريون في يوم قريب انتخابات ديمقراطية مثل الانتخابات التركية أو أفضل منها، فدماء الشهداء ومعاناة السوريين لن تذهب هدرًا كما يعتقد حكام الجامعة العربية وهم يستقبلون بشار الأسد ويستمعون إلى خطابه.