تعا تفرج
قصص نسوانجية جبقونة
خطيب بدلة
ما زلت، وأنا أخوكم، مقرًا ومعترفًا بصحة ما قاله صديقي الشاعر والفنان “ميم ميم”، بأن على كتّابنا المحترمين أن يتوقفوا عن تناول الماضي، ومشكلاته، وتعقيداته، ويلتفتوا إلى الحاضر، والمستقبل، فهذا أجدى.
ولكنني، كلما جئت لأطبق هذه النصيحة، أصبحُ شبيهًا ببطل قصة للأديب التركي الساخر عزيز نيسين، ترجمها صديقي الراحل عبد القادر عبدللي، بعنوان “قصة فضائحية”، وهي بالتركية “جَبْقون حكايت”. “çapkın” تعني، حرفيًا، زير النساء. بطل القصة كاتب فقير، يعمل محررًا في جريدة، يطلب منه رئيس التحرير أن يكتب قصة من الأدب المكشوف، بمناسبة قدوم الصيف، فهذا يجذب القراء. ويبدو أن الكاتب ذو نفس اشتراكي، مطلبي، فكتب عن مومس تخرج إلى الشغل في الليل، وتعود في الصباح، ومعها أدوية لزوجها المقعد، وأطعمة وحلوى لأولادها الصغار. رئيس التحرير يغضب، ويقول للكاتب ما معناه إننا نريد الترويح عن القارئ، لا أن نمقته بسيرة المرض والفقر والعيال. اكتب غيرها! فيكتب صاحبنا قصة رجل مولع بالتلصص على النساء اللواتي يغيرن ملابسهن في الأماكن المخصصة لذلك على “البلاج”، وبينما هو يتلصص على امرأة جميلة، إذ تخرج له، وترحب به، وتفهمه أنها مستعدة للذهاب معه إلى الشاليه، إذا شاء، ولكن لقاء أجر.
سُرّ رئيس التحرير وهو يقرأ هذه القصة، إذ بدا له أن الكاتب التقط الفكرة الأساسية للموضوع، ولكن ظنه خاب وهو يتابع القراءة، إذ يسأل الرجل المرأة عن السعر الذي تطلبه، وعندما تجيبه بأنها تريد ألف ليرة، مثلًا، يقول لها إن هذا السعر مرتفع، فهو يعلم أن السعر السائد لمثل هذه الحالات، كحد أقصى 700 ليرة، فتقول له إن هذا صحيح، يا روحي، قبل ارتفاع الأسعار الذي تشهده البلاد، فكيلو البندورة قفز من 16 ليرة إلى 25 ليرة، وباقة الفجل أصبحت بثماني ليرات، وهي لديها ستة أولاد، والدهم أعطاك عمره، والشغل داقر! وقصة بعد قصة، من هذا السياق، حتى يغضب رئيس التحرير، ويسحب التكليف من هذا الصحفي، ويوعز لكاتب آخر بكتابة قصص فضائحية نسوانجية للصيف.
أنا، مثل ذلك الكاتب، كنت أنوي أن أكتب عن هجرة ملايين السوريين إلى أوروبا، مقررًا أن أتجنب الحديث عن أسباب الهجرة، مع يقيني بأنهم ليسوا من هواة السياحة أصلًا، وواحدهم عاش في سوريا سنين طويلة ولم يخطر بباله أن يستخرج جواز سفر، وقلت مخاطبًا بشار الأسد، في سري: انبسط يا عكروت، لن أحملك مسؤولية تهجيرهم! ومضيت متابعًا أخبار هؤلاء البشر في أوروبا، وحاولت أن أتجنب الإشارة إلى أن الدول التي استضافتهم كانت كريمة أكثر من اللازم، حينما آوتهم، وأطعمتهم، وطببتهم، وعلمتهم وأولادهم، ولكن أشياء من الماضي أطلت برأسها من وراء سطور الكتابة، فقد عرفت أن “المجلس الإسلامي السوري” اجتمع في اسطنبول، واعتبر كل من هاجر آثمًا، وثمة شيخ آخر، نصح المهاجرين المسلمين في السويد بأن يتمردوا على حقارة “السوسيال” الذي يريد أن يأخذ أبناءنا، نحن المسلمين، ظلمًا وعدوانًا. قل لي بقى، يا صديقي “ميم ميم”، ماذا أكتب في هذا المقام؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :