عنب بلدي – خالد الجرعتلي
عاد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى مقعده السابق في جامعة الدول العربية، على الرغم من عدم زوال مبررات إبعاد النظام عن الجامعة منذ 12 عامًا، بل وظهور موانع جديدة، منها العلاقة مع إيران وأذرعها في المنطقة، وتجارة المخدرات وتصديرها إلى الأردن ودول الخليج.
سياسيون وخبراء تحدثوا قبل القمة عن العمل وفق مبدأ “خطوة بخطوة” الذي عاد الأسد بموجبه إلى “الحضن العربي”، إذ تنازل العرب عن مبدأ عزل النظام السوري، بانتظار تنازلات من جانبه، مع مخاوف من عدم التزامه بها.
الهوّة كبيرة
رحب زعماء بعض الدول العربية بالأسد في القمة يوم 19 من أيار الحالي، بعد أن كان منبوذًا على مدار سنوات، في خطوة لإعادة دمج النظام إقليميًا، على الرغم من اعتراضات حلفائهم في الغرب، ما يشير إلى فجوة كبيرة بين الولايات المتحدة وبعض أقرب شركائها في الشرق الأوسط، بحسب تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
الفجوة التي تحدثت عنها الصحيفة، اعتبرها الباحث الزميل في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” نادر الخليل، كبيرة جدًا بين جميع الأطراف الحاضرة، واعتبر أن الأسد حاول خلال خطابه في الجامعة الضغط على الجهات العربية لتخفيض مطالبها، مع أنها تنتظر تنازلًا منه مقابل إعادته إلى محيطه العربي.
وأضاف أن القمة شهدت تكرارًا معتادًا في مضمونها، باستثناء بعض الأصوات التي نادت من بعيد بتطبيق القرار الأممي رقم “2254”، الذي ينص على حل سياسي في سوريا.
ورجح الخليل أن تشهد الفترة المقبلة مسارات سياسية ثنائية منفردة فيما يتعلق بالملف السوري، إذ لم يتبنَّ العرب، حتى اللحظة، مسارًا واحدًا واضحًا، وبالمقابل لا يمكن للنظام أن يقدم تنازلات قد تؤدي إلى نهاية وجوده.
ويرى الباحث أن دولًا عربية تبحث اليوم من خلال علاقتها مع النظام السوري عن مصالحها المنفردة، كالأردن والسعودية مثلًا في ملف تهريب المخدرات، والجزائر في قضية “البوليساريو”.
وكجزء من الجهود الدبلوماسية التي تقودها المملكة العربية السعودية ، تخطط الدول العربية لتنفيذ مبادرة “تشجيع اللاجئين على العودة، وإقناع القوى الغربية بتخفيف العقوبات عن النظام المنبوذ”، بحسب ما يراه تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية عقب القمة.
وبحسب التقرير، فإن الخطة نوقشت على “أعلى المستويات” في الأمم المتحدة، وفقًا لما ذكره مصدران مطلعان لم تسمِّهما، لكنهما قالا أيضًا، إن “انقسامات داخلية” بدت واضحة بشأن الخطة، بسبب اعتمادها على ضمانات أمنية من دمشق، وإمكانية تشجيع الإعادة القسرية لبعض اللاجئين.
“هناك وجهة نظر مفادها أن الحكومة في سوريا ليست صادقة وليست جادة، لكن الطريقة الوحيدة لاختبار هذه الجدّية هي من خلال هذه العملية الهادفة، وإلا كيف ستتمكن من اختبارها؟”.
“فاينانشال تايمز” نقلًا عن دبلوماسي عربي |
الباحث السياسي والاستراتيجي بمركز “الأهرام للدراسات” كرم سعيد، قال لعنب بلدي، إن النظام السوري يسعى إلى استغلال الانفتاح العربي الحديث بأكبر قدر ممكن، محاولًا معالجة ضعف مناعته الإقليمية.
وقد يتجاوب النظام مستقبلًا مع ما تطرحه الدبلوماسيات العربية التي تسعى لإيجاد حلول في الشأن السوري، لكن في نهاية المطاف، يبقى هذا التجاوب مرهونًا بفاعلية الدول ذات النفوذ العسكري في سوريا، مثل إيران وروسيا.
النظام يؤمن بـ”حل صفري”
تبقى قضية تقديم التنازلات من جانب النظام السوري هي ما يمكن انتظاره بعد تبلور أسلوب تعاطي الزعماء العرب مع دمشق خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ استقبلوه بحفاوة خلال الدقائق الخمس التي مُنحت لكل منهم خلال كلماتهم في الجلسة الافتتاحية.
الباحث نادر الخليل يرى أن إمكانية إحداث تغيير جذري على الخارطة السياسية فيما يتعلق بسوريا أمر بعيد المنال بالنظر إلى المعطيات الحالية، خصوصًا أن الأسد بدأ حديثه من مقعده المعاد له حديثًا في الجامعة، مهاجمًا دولًا أخرى.
وأكد الباحث أن النظام لن يقدم تنازلات قد تؤدي إلى زواله، لأنه يؤمن بمفهوم “الحل الصفري”، وهو غير مستعد لتقديم أي تنازل، بالنظر إلى أنه لم يقدم تنازلات عام 2015، عندما كان في أضعف حالاته من حيث السيطرة العسكرية على الأرض، فلماذا سيقدمها الآن، بحسب الخليل.
وأضاف أن استراتيجية النظام تعتمد على مبدأ “المماطلة واللعب على الوقت والتضليل”، ورغم أن بشار الأسد تحدث خلال كلمته التي ألقاها في الجامعة عن مبدأ “العمل الجماعي”، فهو أبعد ما يكون عن هذا المفهوم، وبالتالي فإن الخطوات المقبلة تعتمد على مبادرات قد تقدم عليها دول عربية منفردة.
وتابع الخليل أن المراوحة ستستمر، ولن تظهر نتائج عملية إلى أن يحصل توافق إقليمي على حل كلي للمسألة السورية، ولا يزال هذا التوافق في طور بطيء جدًا، وغير واضح المعالم.
يستند الباحث في رأيه إلى ما قالته “فاينانشال تايمز” في تقريرها، إذ نقلت عن دبلوماسيين عرب (لم تسمِّهم)، أنهم يناقشون خططهم مع القوى الغربية، لكنهم لن يضغطوا لتخفيف العقوبات حتى يروا تقدمًا في الملف.
الغرب غير واضح
بدلًا من الاحتجاج على بوادر التحركات العربية تجاه النظام السوري المعاقَب أمريكيًا، قالت مساعدة وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، في مقابلة، منتصف نيسان الماضي، “ننصح أصدقاءنا وشركاءنا في المنطقة بضرورة الحصول على شيء مقابل المشاركة مع الأسد”.
التغير من مفهوم الاعتراض على التعاطي مع النظام السوري إلى اشتراط مقابل، لم يقتصر على الأمريكيين فقط، بل جاء على لسان وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، قبيل زيارتها إلى السعودية وقطر، عندما قالت، إن التطبيع مع النظام يجب ربطه بشروط واضحة”، بعدما كانت ترفضه ألمانيا، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية (DPA).
وتزامنًا مع غض طرفها عن التطبيع مع النظام السوري، والاكتفاء بتكرار التصريح نفسه “لن نطبع العلاقات مع الأسد، ولا ندعم التطبيع معه”، تنتظر واشنطن إطلاق قانون عقوبات جديد يضيّق على النظام مجددًا، ويطال المطبعين معه.
الباحث في مؤسسة “القرن الدولية للبحوث والسياسات الدولية” المتخصص بالشأن السوري سام هيلر، قال لعنب بلدي، إن العقوبات الأمريكية المطروحة مؤخرًا على الطاولة ليس من الضرورة أن تصبح واقعًا أو تنفذ فعليًا، وربما تخضع لبعض التعديلات لاحقًا.
وأضاف هيلر أنه ليس من الواضح فعليًا كيف سيكون شكل العقوبات إذا طُرحت كقانون، أو ماذا يمكن أن تغير على أرض الواقع.
ويرى الباحث البريطاني أن واشنطن لا يمكن أن تفاضل بين الأمور المتعلقة بالملف السوري ومصالحها مع حلفائها من الدول العربية.
حضور خجول لـ”2254″
احتفى عدد من ممثلي الدول العربية ضمن اجتماع القمة العربية، بحضور رئيس النظام السوري، بشار الأسد، للقمة للمرة الأولى منذ بدء الثورة السورية، فيما اقتصرت تعليقات بعض الممثلين على الترحيب بعودة سوريا، دون ذكر الأسد، على وجه التحديد.
وباستثناء مصر والكويت، لم يتطرق زعماء وممثلو الدول العربية الحاضرون في القمة للقرار الأممي “2254”، الذي يرسم خارطة طريق لعملية الانتقال السياسي في سوريا.
الباحث المصري كرم سعيد، يرى في سياق حديث القاهرة عن القرار “2254”، أن مصر جاءت إلى القمة مرتكزة على ضرورة إعلاء “الخطاب الوطني”، وترسيخ مبدأ التسويات السياسية في الإقليم العربي.
وأضاف أن مصر مهتمة بإمكانية إشراك الأمم المتحدة والجهات الدولية الفاعلة في أي تسوية سياسية قد تطرأ على الملف السوري، ولا ينفصل ذكر القرار الأممي على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن هذه السياقات.
وفي ظل التجاذبات الإقليمية التي تشهدها المنطقة بين الصين وأمريكا ومصالح دولية أخرى، من الضروري بالنسبة لمصر التركيز على الأبعاد التي قد تحافظ على وحدة أراضي الدول العربية ومنها سوريا، وفق ما قاله سعيد.
وفي 12 من تشرين الثاني 2011، علّقت الجامعة العربية مشاركة وفود النظام السوري في اجتماعاتها وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، وذلك بعد ثمانية أشهر على انطلاق الثورة السورية، ومطالبات المعارضين بتجميد عضوية النظام.
بعد عشر سنوات
في القمة العربية بالدوحة عام 2013، دعا أمير قطر حينها، حمد بن خليفة آل ثاني، خلال افتتاحه القمة، كلًا من الرئيس الأسبق لـ”الائتلاف السوري”، أحمد معاذ الخطيب، ورئيس “الحكومة المؤقتة” حينها، غسان هيتو، وبقية أعضاء الوفد المعارض، إلى شغل مقعد سوريا، ورفع علم الاستقلال الذي تعتمده المعارضة السورية.
المقعد نفسه لم تشغله المعارضة طويلًا، وغاب حضورها تدريجيًا لأسباب ليست واضحة، وبقي المقعد فارغًا لسنوات لاحقة.
اليوم وبعد عشر سنوات، عاد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ليشغل المقعد نفسه بعد أن خسرته المعارضة، متحدثًا عن ضرورة الوحدة العربية لمواجهات التحديات الغربية.