استقلالية قطاع الأعمال السوري في أدنى مستوياتها

  • 2023/05/21
  • 11:16 ص

رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى جانب رجل الأعمال بديع الدروبي خلال افتتاح محطة الطاقة الشمسية في مدينة “عدرا الصناعية” بريف دمشق في أيلول 2022 (رئاسة الجمهورية)

عنب بلدي – جنى العيسى

تهيمن السلطات في سوريا على قطاع الأعمال، وتتدخل بشكل كامل بصناعة ثروته وإدارة أعماله، في علاقة لم تتغير كثيرًا منذ أكثر من 30 عامًا.

وبعد عام 2011، ازدادت الهيمنة على القطاع، فاختفى معظم رجال الأعمال الفاعلين، إما عبر تخفيض حجم أعمالهم للحد الأدنى، وإما بإعادة بناء رأس المال خارج سوريا.

يرتبط دور قطاع الأعمال في المجتمع ومساءلته بدور الدولة، إذ تمنح الدول قطاع الأعمال حقوقه وامتيازاته، من خلال اعتماد مختلف السياسات والقرارات القانونية، وتضع الأطر التشريعية، بشكل يؤثر بحجم أعماله ومدى استقلاليته عنها.

ضمن “المؤتمر الثالث للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية”، في 29 و30 من نيسان الماضي، الذي حضرته عنب بلدي، ناقش الباحث السوري المرشح لنيل الدكتوراه في العلوم السياسية بجامعة “تورونتو” في كندا، والمختص بالسياسة المقارنة جمال منصور، دراسة بحثية أعدها من 35 صفحة بعنوان “العلاقة بين قطاع الأعمال والسلطة في سوريا- بين الاستقلالية والتبعية”.

يهدف البحث إلى الإجابة عن سؤال شخصي لدى الباحث حول الموقف “الملتبس” الذي اتخذته مجموعة ممن ينتمون لطبقة قطاع الأعمال في سوريا عند بدء الثورة السورية.

ثلاث فئات.. عدة استراتيجيات للاستقلالية

قسّم الباحث قطاع الأعمال ضمن الورقة البحثية إلى ثلاث فئات، من حيث المكان أولًا، وبين قطاع الصناعة من جهة والتجارة من جهة ثانية، وأخيرًا من حيث حجم التجارة أو الصناعة أي بين رؤوس الأموال الكبيرة والمتوسطة.

يسعى البحث للمقارنة بين هذه الفئات عبر مستويين، الأول جغرافي يضم طبقة رجال الأعمال في دمشق وحلب، على اعتبارهما المدينتين الأكبر اقتصاديًا في سوريا، وشمل فقط قطاعات الأعمال ممن مصدر أموالها مستقل عن السلطة، أي أن المصدر ليس تبعية رجل الأعمال السياسية.

بينما يتمثل الثاني بالمستوى الزمني الذي يضم حقبتين في بلد واحد بين نظامي الأسد الأب والابن، ويغطي الفترة الزمنية بعد عام 1990، عند صدور قانون الاستثمار باعتباره البداية الشكلية وليست الفعلية لانسحاب الدولة من القيام بوظائفها الاقتصادية وفسح المجال أمام القطاع الخاص رويدًا رويدًا ليملأ فراغات الدولة بشكل مسيطر عليه من قبل الدولة نفسها، ثم الحقبة الثانية منذ عام 2000 حتى عام 2011، وهي فترة تسلّم الأسد الابن للحكم، قبل بدء الثورة السورية.

عرّف الباحث استقلالية رجال الأعمال عن السلطة بأنها “استقلالية لكي” و”استقلالية عن”، وتعبر الأولى عن قدرة هذه القطاعات على القيام بأعمالها على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو العمل الخيري وغير ذلك، بينما تتمثل الثانية بدفع رجال الأعمال عن أنفسهم الاستيلاء على أموالهم وقطاعاتهم.

وعبر 50 مقابلة بغرض البحث، قال منصور، كان قطاع الأعمال في الفترة التي غطاها البحث يتبع كثيرًا من الاستراتيجيات للحفاظ على استقلالية رجاله، واحدة منها مثلًا اختيار كثير من رجال الأعمال تشتيت أعمالهم، وذلك عبر عدة شركات قد لا تُسجل بالضرورة باسمهم، حتى لا يلفتوا انتباه الدولة لحجم تجارتهم الحقيقي، وبالتالي تطمع بهم.

الكفة ترجح للسلطة

ترجع أهمية استقلال قطاع الأعمال عن السلطة عمومًا ليس في سوريا فقط، إلى أن علاقة المجتمع بالدولة يجب أن تكون متوازنة، إذ يعتقد الباحث جمال منصور، أن واحدة من مشكلات العلاقة بين السلطة والمجتمع في سوريا، غياب التوازن والانحياز التام لميزان القوة لمصلحة السلطة المتدخلة في كل أعمال المجتمع ومساحاته، وهو ما لا يترك له أي إمكانية للعمل الحر الذي قد يطالب بحقوق لدفع تسلط السلطة عليه.

وأوضح منصور، في لقاء أجرته عنب بلدي معه على هامش مؤتمر “حرمون”، أن قطاع الأعمال في سوريا واحد من القطاعات الذي فقد جزءًا كبيرًا من قدراته خلال فترة حكم حزب “البعث” عمومًا وفترة حكم الأسد الأب والابن تحديدًا.

وقال منصور، إن دراسته تهدف إلى الاطلاع على انعكاس هيمنة السلطة على قطاع الأعمال، واضطرار رجال الأعمال إلى البحث عن مساحات صغيرة للاستقلالية، مضيفًا أن الهدف من الأجندة البحثية ما بعد ذلك هو محاولة التفكير في فكرة “كيف نستطيع كمجتمعات وكقطاعات اجتماعية من ضمنها قطاع الأعمال تكبير هذه المساحات، واتباع الاستراتيجيات الناجعة لذلك، أو نشر الاستراتيجيات الناجعة إلى قطاعات أخرى”، بحيث تزيد مساحات الاستقلالية في المجتمع.

الاستقلالية بأدنى مستوياتها

تضمنت الدراسة البحثية الفترة بين عامي 1990 و2011 فقط، وحول مستوى الاستقلالية بين قطاع الأعمال والسلطة بعد اندلاع الثورة السورية، قال جمال منصور، إنه لا يوجد قطاع أعمال بعيد عن هيمنة السلطة اليوم في سوريا، إذ اختفى اليوم معظم رجال الأعمال الذين كانوا فاعلين حتى عام 2011، إما عبر تخفيض حجم أعمالهم للحد الأدنى، وإما بإعادة جزء منهم ليس بالكبير بناء رأس المال خارج سوريا.

وبعد عام 2011، لا يمكن اعتبار قطاع الأعمال مستقلًا عن إرادة السلطة وتدخلها الكامل بصناعة ثروته وإدارة أعماله والهيمنة عليه، وفق منصور.

ويتمثل أثر غياب الاستقلالية في القطاع حاليًا بالأداء المترهل للاقتصاد السوري، وعدم قدرة القطاع الخاص على العمل، وغياب الإنتاج المرتبط أيضًا بدوره بغياب البنى التحتية، وغياب القطاع البشري لأن جزءًا كبيرًا من العمالة حاليًا نصف ماهرة، بينما اختفت العمالة الماهرة في الخارج، بالإضافة إلى ضعف السوق بسبب غياب إمكانيات وجود سوق استهلاكية نتيجة ضعف القوة الشرائية.

ويرى منصور أن جزءًا من غياب الاستقلالية اليوم بين قطاع الأعمال والسلطة في سوريا، هو انعكاس للواقع الحالي من جهة، وانعكاس لغياب قطاع الأعمال تمامًا قياسًا بما قبل 2011.

متى يعود القطاع؟

في ظل المعطيات الحالية، يعتبر وجود قطاع أعمال مستقل عن السلطة أمرًا أشبه بالمستحيل، لكن رغبة البعض ممن هاجروا بعد 2011 بالعودة إلى سوريا لأسباب عدة، قد يكون لها دور بعودة نشوء قطاع مستقل لكن بشروط.

الباحث جمال منصور قال إنه من خلال لقاءاته في أثناء إعداد الدراسة مع أشخاص مرتبطين بقطاع الأعمال في سوريا قبل عام 2011 والبالغ عددهم نحو 50 شخصًا، كان لدى معظمهم شعور يتمثل بأن سوق عملهم ووجودهم الأساسي في سوريا، منهم كان لديه ارتباط عاطفي بالبلد، أو ارتباط مصلحي اقتصادي، وجزء منهم لديهم إرث عائلي ويشعر بمسؤولية استكمال هذا الإرث الاقتصادي.

يعتبر هذا الشعور على اختلاف أسبابه مبررًا كافيًا للعودة، إلا إنها عودة مشروطة ببوادر لتسوية معقولة في سوريا، وعودة قد لا تكون كاملة وكفيلة بأن يترك رجل الأعمال أعماله التي أسسها خلال الـ12 عامًا الماضية بشكل كامل، لكن على الأقل قد تكون استعادة جزء من استثماراته أمرًا قد يعتبر عامل جذب لمستثمرين آخرين.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية