القطاع الصحي غير مؤهل.. والنساء أكثر تقبلًا للعلاج
عقبات مادية واجتماعية تعوق علاج العقم في الشمال
عنب بلدي – سكينة المهدي
“والدي ووالدتي حاولا التخفيف عني حين علما بمرضي الذي أخّر حملي ثماني سنوات بعد زواجي، لكن أهل زوجي لم يتقبلوا الموضوع، وحمّلوني المسؤولية كاملة لأنهم يرغبون برؤية أحفادهم وإسعاد ابنهم”، هذا ما قالته ريم، واصفة ضيقها من تدخل أهل زوجها وضغطهم المستمر.
بعد زيارتها لعيادة الطبيب، اكتشفت ريم صالح الرمضان (26 عامًا) من بلدة معرة مصرين في إدلب، إصابتها بالتهابات شديدة وضعف، أدت إلى عدم قدرتها على الإنجاب بعد فترة طويلة من زواجها، وبدأت تبحث عن الحلول وتواجه عقبات تحاول تجاوزها، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
تأخر الإنجاب يسبب قلقًا للنساء والرجال، وتتضاعف الضغوط مع مرور الوقت ما يزيد خوف الزوجين ويدفعهما لزيارة الأطباء لتشخيص المشكلات العضوية التي أخّرت حدوث الحمل، ومحاولة حلها بكل الطرق الممكنة، وتخترق محاولاتهما ضغوط عديدة من المجتمع بحجة الاطمئنان على صحتهما، إلى جانب تراجع الوضع المادي وسط تكاليف العلاج الباهظة في شمال غربي سوريا.
وبحسب تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، في نيسان الماضي، فإن 17.5% من إجمالي عدد سكان العالم متأثرون بالعقم، أي أن النسبة تصل إلى شخص من بين كل ستة في العالم.
والعقم بحسب تعريف المنظمة هو “مرض يصيب الجهاز التناسلي للذكر أو الأنثى، ويُحدد بعدم القدرة على الوصول إلى نتيجة الحمل بعد 12 شهرًا أو أكثر من الجماع المنتظم من دون وسائل تمنع حدوث الحمل”.
ووفق بيان صحفي صادر عن منظمة الصحة العالمية، يمكن أن يسبب العقم “ضغوطًا نفسية ووصمة وأزمات مالية تؤثر على رفاه الناس الجسدي والنفسي.”
ضغوطات اجتماعية على المرأة
بدأت والدة زوج ريم بالتدخل بحياتها بعد تأخرها بالإنجاب، لأنها تريد رؤية حفيدها قريبًا، بحسب قول ريم، وكل يوم كان الضغط والإزعاج من قبل أهل زوجها يزدادان، وتضاعفت المضايقات الكلامية والتجريح، لترد على تلك المضايقات قائلة إن الأمر ليس بيدها وهو بيد الله وحده، وليس لديها حل.
صديقات ريم وأقاربها حاولوا مساعدتها بطرق مختلفة، فمنهم من وصف عشبة لتسريع الحمل، ومنهم من نصح بمشروب معيّن أو دواء، لكن “في كل يوم أُنصح نصيحة يتضاعف همي بدل التخفيف منه، إذ جربت كل الطرق ولم أستفد شيئًا، فقط خيبة الأمل، أضافت ريم.
من جانبه، كان الطبيب يطمئن ريم ويقول لها إن الأمل كبير، وفي حال لم تنفع العلاجات الدوائية، يمكنها اللجوء إلى زراعة الأجنة، وهذا آخر الحلول، إلا أن هذا لم يطمئنها ولم تشعر بالراحة، بل ضاعف توترها بسبب ضغط كل من حولها وتحميلها ذنبًا لم تقترفه.
وبحسب تقرير لـ”الأكاديمية الأمريكية لأطباء الأسرة”، فالعيش مع العقم صعب عاطفيًا، وقد تكون خيبة الأمل من عدم الحمل بعد المحاولات كل شهر مرهقة نفسيًا، خاصة عند رؤية الأصدقاء والغرباء ينجبون أطفالًا.
كما قد تسبب الأدوية المنشطة للهرمونات مشكلات نفسية عند المرأة، وبالتالي تؤثر على صحتها الجسدية، مع احتمال الإصابة بسرطان الثدي والمبيض.
النساء يقبلن على العلاج أكثر من الرجال
“على الرغم من التحاليل السليمة التي أجريناها، والصحة الجيدة التي نتمتع بها أنا وزوجتي، لم يحدث الحمل، وأخبرنا أهلنا بذلك فور خروجنا من عيادة الطبيب الذي فحصني، فكانوا من الداعمين لنا، ووقفوا بجانبنا حتى لا نفقد الأمل”، هكذا وصف باسل سلطان (30 عامًا) حاله بعد سنة ونصف من الزواج دون القدرة على الإنجاب.
وقال باسل، إنه تناول دواء (مقوٍّ جنسي) وصفه له الطبيب، كما تناولت زوجته علاجًا محرضًا للإباضة لمدة خمسة أشهر، ثم توقفا عن العلاج بسبب أعباء النزوح إلى بلدة حربنوش هربًا من القصف.
وكان باسل شرح للطبيب حالته الصحية، إذ خضع لعملية زرع كلية سابقًا ولديه مرضان مزمنان هما الضغط والسكري، إلا أن الطبيب أكد عدم علاقة هذين المرضين بعدم الإنجاب.
“نهال” (43 عامًا)، وهو اسم مستعار لامرأة تحفظت على ذكر اسمها لأسباب اجتماعية، من ريف حلب الجنوبي، قالت لعنب بلدي، إنها بعد خمس سنوات من زواجها دون حمل، ذهبت إلى الطبيب مع زوجها، وكانت التحاليل التي أجرتها سليمة، ولم يكن هناك ما يمنعها من الإنجاب، إلا أن زوجها كان لديه ضعف جنسي وفق تشخيص الطبيب.
“رفض زوجي كل نصائح الطبيب، ورفض العلاج منكرًا أن لديه مشكلة تمنعه من الإنجاب، فساء وضعه الصحي، حتى التدخين الذي حثه الطبيب بشدة على الإقلاع عنه لم يتجاوب معه، وكان وضعه الصحي واحتمال قدرته على الإنجاب يتراجعان مع مرور الزمن”.
قالت “نهال”، إنها “احتملت” زوجها حوالي 20 عامًا، وصبرت على ذلك الوضع علّه يتجاوب مع الطبيب ويرضخ للعلاج يومًا، إلا أن خلافاتهما ازدادت مع إصراره على رأيه، فوصلا إلى الطلاق في نهاية المطاف، و”أنا الآن في عمر لا يسمح لي بالإنجاب ولو حاولت”.
محمود البواب، اختصاصي جراحة نسائية يعمل في مستشفى “سامز لرعاية الأمومة والطفولة”، المدعوم من “الجمعية الطبية السورية الأمريكية” في الدانا بريف إدلب، قال لعنب بلدي، إن النساء يقبلن على العلاج أكثر من الرجال وفق مشاهدته بالعيادة التي يعمل فيها، وهناك رجال يرفضون إجراء التحاليل، خاصة أولئك الذين لديهم أطفال من زوجة ثانية، أو سبق لهم الإنجاب من زوجة سابقة.
أعباء مادية
بعد خمسة أشهر من تناول العلاج، توقف باسل سلطان وزوجته بسبب الأعباء المادية، فالدواء باهظ الثمن، ولم يكن يعمل في تلك الفترة، وعندها كان باسل بين خيارين وضعهما الطبيب أمامه، “إما إجراء عملية تخصيب للبويضة في مستشفى خاص بإدلب، وإما الاستمرار بالعلاج الدوائي، ولم يكن الخيار الأول متاحًا مثل الثاني، بل كانت تكلفته المادية أكبر”، بحسب قوله.
أما ريم صالح الرمضان فتتحدث عن تكلفة العلاج قائلة، إنها عندما كانت في قريتها مع زوجها كان تأمين تكلفة العلاج سهلًا، فزوجها كان يعمل هناك، لكنه الآن مريض بلا عمل، إضافة إلى أن سعر الدواء مرتفع ولا قدرة على تأمينه، وكان الحل الأخير بعد علاج طويل هو عملية تخصيب البويضة (طفل الأنبوب)، كما قال الطبيب المشرف على علاجها.
الطبيب محمود البواب، أوضح أن دواء علاج العقم هو دواء تحريض للبويضة، ويصل سعر بروتوكول العلاج الواحد إلى أكثر من 100 دولار، وبحسب رؤيته للوضع الراهن في الشمال السوري فإن “معظم المرضى لا يستطيعون دفع تكلفة العلاج”.
المرضى الذين يصلون إلى مرحلة العقم المتقدم نرسلهم إلى مركز طفل الأنبوب لعدم فائدة العلاج الروتيني بالدواء، بحسب الطبيب، الذي أضاف أن تكلفة عملية طفل الأنبوب تصل إلى ثلاثة آلاف دولار، وهو مبلغ “خيالي” بالنسبة للمرضى في شمال غربي سوريا.
الجاهزية الطبية
قال الطبيب محمود البواب، إن المراكز الطبية الخاصة بعلاج العقم وتأخر الإنجاب قليلة وغير كافية في المنطقة، ولا توجد مراكز علاج مجاني.
يراجع مرضى العقم المستشفيات التي تدعمها المنظمات، لعدم وجود مستشفيات خاصة بأمراض العقم تقدم العلاج بالمجان، لكن المستشفيات التي تدعمها المنظمات هنا “إسعافية”، بحسب الطبيب محمود البواب، مهمتها بالدرجة الأولى استقبال الحالات الإسعافية الحرجة، ومرض العقم مصنف ضمن الأمراض الباردة.
كما أن ازدحام المستشفيات العامة يؤدي إلى عدم متابعة مرضى العقم بشكل جيد وكافٍ، فالأولوية في المستشفى للمرضى الذين لديهم كسور وحالات نزف، وللحالات الإسعافية الأخرى.
وأوضح الطبيب أن الكشف عن العقم بحاجة إلى عمليات تنظيرية بشكل رئيس، وهي عمليات تنظير للبطن وباطن الرحم، مشيرًا إلى أن الأول متوفر، لكن الثاني غير متوفر في كل المنطقة، مع أن جهاز عملية التنظير بسيط جدًا.
ويواجه الطبيب مشكلات، أبرزها عدم تهيئة المستشفيات في المنطقة لاستقبال مرضى العقم، وعدم توفر أجهزة “إيكو” مخصصة لعلاج وتشخيص العقم، بالإضافة إلى ارتفاع سعر التحاليل المطلوبة وخاصة تحاليل الهرمونات، والصور الظليلة للرحم، وعدم إمكانية تنفيذ عمليات طفل الأنبوب في المستشفيات العامة بسبب غياب الدعم المالي لها.
ويضطر الطبيب اليوم إلى تأجيل بعض المواعيد وإعطاء مواعيد تزيد مدتها على الشهر بسبب وجود جهاز واحد للتنظير في المستشفى، مضيفًا أن المرضى الذين يزورون بقية المستشفيات، يجري تحويلهم إلى هذا المستشفى لعدم وجود أجهزة تنظير.
ومن الضروري تخصيص مراكز لتشخيص العقم وعلاجه في شمال غربي سوريا، بحسب الطبيب، وهذه الخطوة بحاجة إلى دعم لتساعد في حل المشكلة، لكنه يعبر عن خيبة أمله، فـ”معظم المنظمات، لا تفضّل دعم المراكز من أجل مساعدة مرضى العقم، ولا ترى ضرورة لأخذ تدابير لعلاج هذا المرض”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :