نشر الصحفي والكاتب السوري الراحل رياض نجيب الريس كتابه “زمن السكوت”، في عام 2011، عبر دار النشر التي يملكها وسماها باسم والده نجيب، الذي كان بدوره أحد أبرز الصحفيين السوريين في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الـ20.
يمكن اعتبار الكتاب وثيقة غضب داخلي فرّغها على صفحات بيضاء وأرسلها للسوريين كلهم، دون استثناء، وتجاه كل شيء، المجتمع والسلطة والسياسة والثقافة والمثقفين، وقبل ذلك كله تجاه نفسه.
هذه الرسالة الطويلة، والتي جاءت عبر 257 صفحة من القطع الكبير، مؤلفة من مجموعة من المقالات والمحاضرات الغاضبة والناقدة، وكُتبت بين عامي 1986 و2010.
ولا بد للغضب أن يكون أمرًا طبيعيًا، وكيف لا يكون في ظل الخيبات المتتالية التي مُنيت بها الدول العربية لسنين طوال، وهو أمر يشير إليه الريس منذ الصفحات الأولى، غضب يجب ألا يبقى مكتومًا، وأن ينتقل إلى الأجيال التالية علّها تغير من واقعها أولًا ومستقبلها ثانيًا، وتثور على المفاهيم الاجتماعية والسياسية والدينية، وتتحرر من الشعارات الوطنية التي هي حق أُريد به باطل.
يتضمن الكتاب ما يمكن تسميته “فلسفة الثورة”، وشكل الأخيرة في البلاد العربية خلال السنوات التي سبقت “الربيع العربي”، وتأتي هذه الفلسفة من خلال ربط الثورة نفسها بالكاتب ودوره التقدمي، وإمكانية تفجيره للأوضاع طالما أنه يمتلك القدرة والرغبة بذلك.
“أكتب إليكم بغضب”، عنوان أولى مقالات الكتاب، وهذا الغضب واختيار الحديث عنه، هو دلالة على ما سيأتي في الصفحات التالية التي لن تقل قسوة ونقدًا لكل شيء.
لا يصلح هذا الكتاب لأصحاب الأفكار الجامدة، ولمن لا يريد الاستماع والتحرر ومراجعة كل أفكاره المتوارثة في المجتمع والسياسة والدين، لأن النقمة التي يحملها تتجاوز كل ذلك بالفعل.
لا يعني ذلك أن الريس كان موتورًا ولا متعصبًا، لكن الرسالة مفادها ببساطة أن ما تعيشه سوريا ولبنان وبقية الدول العربية لا يمكن الحديث عنه بروية وبلغة منمقة، على الأقل ليس دور الكاتب أن يفعل ذلك.
يوجه الكتاب نقدًا إلى المجتمع نفسه، يحمله مسؤولية ما وصل إليه أيضًا، وهو في هذه النقطة يشبه ما ذهب إليه المفكر السوري الراحل صادق جلال العظم في كتابه “النقد الذاتي بعد الهزيمة”، الذي أصدره غداة هزيمة عام 1967.
الريس المولود عام 1937، أسس دار نشر “نجيب الريس”، وأصدر حتى وفاته، عام 2020، أكثر من 30 كتابًا عن الصحافة وعن لبنان والخليج العربي والقوميات في الشرق الأوسط، منها كتاب “رياح الشمال”، و”صحفي ومدينتان”، و”المسيحيون والعروبة”، و”المفكرة الأندلسية”، بالإضافة إلى آخر كتبه “صحفي المسافات الطويلة” عام 2017.