بينما تتجه أنظار العالم مؤخرًا نحو تركيا، التي تدور فيها تجري انتخابات رئاسية توصف بأنها قد “تغير وجه المنطقة”، ويطغى على بيئتها التوتر والاستقطاب السياسي الشديد، عاد السوريون ليكونو الوجبة الدسمة فيها للحملات الانتخابية بعد فشل الأطراف بحسمها من الجولة الأولى، وإعلان تأجيل الحسم إلى نهاية أيار الحالي.
وفي 15 من أيار الحالي، تزامنًا مع الإعلان عن جولة انتخابات ثانية، خرج ممثل المعارضة التركية والمرشح الرئاسي كمال كليجدار أوغلو، عبر تسجيل مصوّر متعهدًا بترحيل جميع السوريين “قسرًا” من بلاده حال وصوله إلى السلطة.
وأضاف، “سيبدأ النهب، وستكون المدن تحت سيطرة اللاجئين، والمافيا، والعصابات، ولن تتمكن الفتيات الصغيرات من السير في الشوارع بمفردهن في حال بقي هؤلاء في السلطة” في إشارة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
الخطاب العنصري تجاه السوريين عاد مؤخرًا بعد غيابه عن سياسة المعارضة التركية منذ بدء الحملات الانتخابية، إذ ذكر كليجدار أوغلو السوريين سابقًا خلال حملاته الانتخابية، واصفًا إياهم بـ”الأخوة”، متحدثًا عن عودتهم إلى بلدهم “طوعًا” خلال عامين بعد تهيئة الظروف المناسبة لهم.
وكرر حينها أنه سينفذ وعده فيما يتعلق باللاجئين “دون أن يمارس أي عنصرية، ومن خلال تلبية جميع احتياجات السوريين وضمان سلامة أرواحهم وممتلكاتهم، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي ومساهمة المقاولين الأتراك”.
الخطاب يتصاعد
لطالما كان الخطاب السياسي العنصري تجاه فئات من المقيمين في تركيا أبرزهم العرب والكرد، حاضرًا خلال السنوات والانتخابات السابقة، ودائمًا ما انعكس حضوره على نظرة الشارع التركي للاجئين والأجانب بشكل عام.
وتجلى انعكاس هذا الخطاب بحالات اعتداء تكررت بحق لاجئين سوريين في المدن التركية، منها ما وصل إلى جرائم قتل، لم تجد طريقها نحو محاكم محايدة، رغم مرور سنوات على وقوعها.
يميل السوريون في تركيا إلى تأجيل مشاريعهم، وأي خطط مستقبلية، وحتى بعض مواعيدهم لما بعد الانتخابات، نظرًا لحالة عدم الاستقرار التي يشعرون بها نتيجة استخدامهم كورقة انتخابية في البلاد بحسب استطلاع رأي أجرته عنب بلدي شمل سوريون مقيمون في مدينة اسطنبول التركية. |
أحدث انعكاسات الخطاب العنصري على الشارع التركي ظهرت أمس، الخميس 18 من أيار، خلال مقابلة شارع أجراها يوتيوبر تركي، إذ تحدث أحد ضيوف البرنامج حول وجود قوميات أخرى غير التركية في البلاد واصفًا إياهم بعبارات عنصرية.
ومع حالة الغضب التي أثارتها المقابلة، توجه ناشطون عرب ومحامون أتراك إلى المحاكم التركية لرفع دعوى قضائية ضد مالك قناة “اليوتيوب”، والشاب الذي ظهر في التسجيل المصور، ما دفع القناة لتقديم بيان تعتذر من خلاله عن التسجيل المصور.
“علمنا بأسف أن شخصًا، أدلى بتصريحات قبيحة غير مقبولة تجاه العرب، بعد أن انتشر التسجيل عبر الإنترنت، فحصناه بسرعة ولاحظنا التعبيرات التمييزية فيه، نود أن نوضح أننا أزلنا التسجيل الخاص بنا، وأن كلمات الشخص المعني لا تعكس وجهات نظرنا”.
جزء من بيان قناة “BAŞKENT POSTASI”
الناشط في مجال حقوق اللاجئين في تركيا طه الغازي، نشر عبر حسابه في “فيس بوك” التسجيل المصور نفسه مشيرًا إلى أن مجموعة من الناشطين والمنظمات تقدمت بدعوى للقضاء التركي، ضد القناة، وضيفها العنصري.
وأضاف، “بالتنسيق مع عدد من الكوادر الحقوقية التركية سنتقدم بشكوى رسمية ضد الشاب العنصري وضد القناة، و ستتم إجراءات المساءلة بتهمة تحقير إحدى الأعراق و التحريض على مشاعر الكراهية و التمييز العنصري”.
اقرأ أيضًا: خوف وترقب.. سوريون مجنسون حائرون قبل الانتخابات في تركيا
المسار القانوني مستمر
رغم الاعتذار الرسمي الذي تقدمت به القناة، فضل الناشط ذو الأصول السورية، طه الغازي، الاستمرار بالمسار القضائي باعتباره الطريقة الوحيدة لإيقاف الخطاب العنصري الموجه ضد السوريين، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
وأضاف أن المحامية التركية جولدان سونماز، بدأت بالمسار القانوني لمحاكمة الأطراف المسيئة، بدعم من ناشطين آخرين، ومنظمات أخرى منية بحقوق اللاجئين.
وأرجع الغازي ارتفاع وتيرة الخطاب العنصري، واحتمالية ارتفاع مؤشراتها بشكل أكبر مستقبلًا، إلى خسارة الجهة المعادية للاجئين المتمثلة بحزب “النصر”، الذي يقوده العنصري أوميت أوزداغ، لمقعده في البرلمان، ما أظهر رد فعل سلبي تجاه اللاجئين، من قِبله.
وإلى جانب ما سبق، اعتبر الغازي أن ظهور سنان أوغان المرشح الرئاسي السابق عن تحالف “الأجداد” (يميني متطرف) كورقة مؤثرة في الانتخابات، زاد من الخطاب العنصري ضد اللاجئين.
واعتبر الغازي أن ما تفتقر إليه تركيا على مدار السنوات الماضية هو وجود قانون يجرم الخطاب العنصري، وهو ما تبحث عنه الجهات الحقوقية اليوم، خصوصًا أن هذا الخطاب غير محصور بالسوريين، إنما طال فئات أخرى من المجتمع التركي نفسه.
وبلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا، بحسب أحدث إحصائية أصدرتها رئاسة الهجرة التركية عبر موقعها الرسمي، ثلاثة ملايين و395 ألفًا و909 سوريين، ممن يحملون بطاقة “الحماية المؤقتة”.