ارتباك وفقدان للذاكرة ثم خرف.. ما داء ألزهايمر
د. أكرم خولاني
معظمنا سمعنا بداء ألزهايمر، وربما قد التقينا بأشخاص مصابين به، ولكن قلة من الناس من يعرفون حقيقة هذا المرض.
ما أسباب داء ألزهايمر، وما أهم أسبابه والعوامل التي تزيد من احتمال الإصابة به. ما أعراض هذا المرض وكيف تتقدم مراحله.
ما داء ألزهايمر
داء ألزهايمر (Alzheimer’s Disease) هو اضطراب في الدماغ، عادة ما يصيب كبار السن، يتفاقم تدريجيًا، ويتسم بتنكس في أنسجة الدماغ ما يؤدي إلى تقلص فيه وموت خلاياه في النهاية، ويحدث فيه تدهور تدريجي في الذاكرة والقدرة على التفكير والمهارات السلوكية والاجتماعية، ويمكن أن تؤثر هذه التغيرات في قدرة الشخص على أداء وظائفه.
لم يُعرَف داء ألزهايمر حتى عام 1902، عندما حدد الطبيب النفسي الألماني ألويس ألزهايمر أول حالة لدى امرأة تبلغ من العمر 55 عامًا، حيث تتبّع حالتها حتى توفيت عام 1906، وحين ذلك أُبلغ عنها علنًا لأول مرة، لذلك سُمي المرض باسمه.
وقد ظل التشخيص بداء ألزهايمر لفترة طويلة محصورًا في الأفراد الذين تقع أعمارهم بين 45 و65 عامًا وظهرت لديهم أعراض الخرف، بينما كان يستخدم مصطلح خرف الشيخوخة لوصف حالة الأفراد الذين تفوق أعمارهم 65 عامًا، ولكن أخيرًا تم تبني مصطلح داء ألزهايمر بشكل مستقل عن العمر، وأصبح هذا الداء يعتبر السبب الأكثر شيوعًا للإصابة بالخرف.
والخرف (Dementia) هو مصطلح عام للتعبير عن الحالات الصحية التي يعاني فيها المصابون فقدان الذاكرة والارتباك وتدهورًا في القدرات الإدراكية والعقلية، ويتسبب داء ألزهايمر بـ60- 80% من حالات الخرف، بينما ينطوي مصطلح الخرف على عديد من الأمراض الأخرى، مثل مرض باركنسون (Parkinson’s Disease)، وإصابات الدماغ الرضحية ( Traumatic Brain Injury) وغيرها من الأمراض، أي أن ألزهايمر هو أحد أنواع أو أسباب الخرف.
من النادر أن يحدث داء ألزهايمر عند من هم في عمر أصغر من 65 عامًا، ومع ذلك لا يعتبر هذا المرض مرحلة طبيعية من مراحل الشيخوخة، لكنه يصبح أكثر شيوعًا مع التقدم في العمر، إذ تقدّر نسب الإصابة حسب الفئة العمرية كما يلي:
في أعمار 65 إلى 74 عامًا: 3- 5 حالات بين كل ألف شخص.
في أعمار 75 إلى 84 عامًا: 17- 32 حالة بين كل ألف شخص.
في أعمار 85 عامًا وما فوق: 50- 76 حالة بين كل ألف شخص.
أخيرًا نشير إلى أن داء ألزهايمر يصيب النساء أكثر من الرجال، ويعود هذا جزئيًا إلى أن النساء يعشن لفترات أطول، ومن المتوقع أن يزداد عدد المرضى بشكل كبير مع ازدياد شريحة كبار السن.
ما التغيرات الدماغية التي تحدث في داء ألزهايمر
يؤدي داء ألزهايمر إلى حدوث الشذوذات التالية في نسيج الدماغ:
رواسب النشواني بيتا: يحدث تراكم النشواني بيتا (بروتين غير طبيعي وغير قابل للذوبان)، لأن الخلايا لا تستطيع معالجته والتخلص منه.
اللويحات الشيخوخية أو المتعلقة بالالتهاب العصبي: تجمعات من الخلايا العصبية الميتة حول لب من النشواني بيتا.
الحبائك العصبية اللييفية: جدائل ملتوية من بروتينات غير قابلة للذوبان في الخلية العصبية.
مستويات متزايدة من البروتين تاو: بروتين غير طبيعي، وهو أحد مكونات الحبائك العصبية الليفية والنشواني بيتا.
تحدث مثل هذه الشذوذات إلى حد ما عند جميع الأشخاص مع تقدمهم في العمر، ولكنها تكون كثيرة جدا عند مرضى ألزهايمر، ولا يعلم الأطباء بشكل دقيق ما إذا كانت الشذوذات في نسيج الدماغ تسبب داء ألزهايمر أو أنها تنجم عن مشكلة أخرى تسبب الخرف والشذوذات في نسيج الدماغ معًا.
بالنتيجة تتخرب الخلايا العصبية وتقل استجابة المتبقية منها لعديد من النواقل العصبية التي تنقل الإشارات بين الخلايا العصبية في الدماغ، ويكون مستوى الأسيتيل كولين منخفضًا، وهو ناقل عصبي يساعد على الذاكرة والتعلم والتركيز.
ما أسباب الإصابة بداء ألزهايمر
لا تزال الأسباب الدقيقة وراء الإصابة بداء ألزهايمر غير مفهومة بالكامل، ولكن يُعتقد أن معظم الأشخاص يصابون بداء ألزهايمر بسبب مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية والمتعلقة بنمط الحياة التي تؤثر في الدماغ بمرور الوقت.
وفي 1- 5% من الحالات، يحدث داء ألزهايمر بسبب تغيرات مورثية معيّنة تجعل الإصابة به أمرًا لا مفر منه في الأغلب، إذ تتراوح نسبة الانتقال الوراثي الجيني ما بين 49 و79%، وفي هذه الحالات يبدأ المرض عادة في مرحلة منتصف العمر.
هناك بعض العوامل التي تزيد من خطر الإصابة به، وتشمل ما يلي:
العمر: التقدم بالسن هو أكبر عوامل الخطورة المعروفة، إذ إن أغلب المصابين بهذا المرض تزيد أعمارهم على 65 سنة.
التاريخ العائلي: تزيد خطورة الإصابة بداء ألزهايمر في حال كان إصابة أحد أفراد العائلة بهذا المرض، وخاصة أقارب الدرجة الأولى.
الجينات: حيث تم ربط بعض الجينات بالتسبب بالإصابة بمرض ألزهايمر، لكن هذه التغيرات مسؤولة عن أقل من 1% من حالات الإصابة بألزهايمر.
الجنس: فعدد النساء اللواتي يصبن بالمرض أكثر من عدد الرجال المصابين.
عوامل أخرى: مثل إصابات رضحية في الرأس، والتعرض المتكرر للهواء الملوث من عوادم السيارات وحرق الأخشاب، والإفراط بتناول الكحول، ورداءة النوم، وصحة القلب والأمراض المرتبطة به، حيث تزيد خطورة الإصابة بمرض ألزهايمر عند الأشخاص الذين يعانون حالات صحية تسبب الضرر للقلب أو الأوعية الدموية، مثل السكتات، أو ارتفاع ضغط الدم، أو مرض السكري، وغيرها.
ما أعراض الإصابة بداء ألزهايمر
يبدأ تطور المرض قبل عدة سنوات من ظهور الأعراض الأولى، ويبدأ التلف غالبًا في المنطقة التي تتحكم بالذاكرة في الدماغ، ثم ينتشر فقدان الخلايا العصبية في مناطق أخرى من الدماغ بنمط متوقع إلى حد ما، وعند الوصول إلى المراحل المتأخرة من المرض ينكمش الدماغ انكماشًا كبيرًا.
وينقسم مسار المرض إلى أربع مراحل تدريجية:
1- مرحلة ما قبل الخرف
تبدأ الأعراض الأولية للمرض قبل سنوات من ظهور الأعراض السريرية المعيارية لتشخيص مرض ألزهايمر، وغالبًا ما تنسب بشكل خاطئ إلى الشيخوخة أو الضغط النفسي، حيث تحدث صعوبات إدراكية طفيفة، ويعتبر فقدان الذاكرة قصيرة الأمد أبرز عجز يحدثه ألزهايمر، ويظهر كصعوبة في تذكر المعلومات والحقائق التي تعلمها الفرد مؤخرًا، مع عدم القدرة على اكتساب معلومات جديدة، وقد تظهر أعراض أولية أُخرى تتمثل بمشكلات دقيقة في الوظائف التنفيذية للانتباه والتخطيط والمرونة والتفكير التجريدي أو بضعف في الذاكرة الدلالية (ذاكرة المعاني والعلاقات بين المفاهيم)، ويمكن ملاحظة حدوث لا مبالاة لدى الفرد في هذه المرحلة من مسار المرض، وتعتبر اللا مبالاة أكثر الأعراض العصبية النفسية استمرارًا طوال مسار مرض ألزهايمر، ويشيع أيضًا حدوث أعراض اكتئابية بالإضافة إلى تهيج وانخفاض الوعي بصعوبات الذاكرة الدقيقة.
2- المرحلة المبكرة
يؤدي الضعف المتزايد في التعلم والذاكرة لدى الأشخاص المصابين بألزهايمر للوصول إلى تشخيص نهائي لحالتهم، وفي نسبة صغيرة من الحالات تكون الصعوبات في التعلم والوظائف الإدراكية والإدراك الحسي أو الصعوبات في تنفيذ الحركات أكثر وضوحًا من مشكلات الذاكرة، ولا يؤثر ألزهايمر بالتساوي على جميع قدرات الذاكرة، إذ تتأثر الذكريات القديمة لحياة الشخص والمعلومات التي تعلمها الشخص والذاكرة الضمنية (ذاكرة الجسم حول كيفية القيام بالأشياء، مثل استخدام الشوكة للأكل أو كيفية الشرب من الكوب) بدرجة أقل من الذكريات والحقائق والمعلومات الحديثة.
وتتميز المشكلات اللغوية بتقلص في المفردات وانخفاض في طلاقة الكلمات، ما يؤدي إلى فقر عام في اللغة المكتوبة والمنطوقة.
3- المرحلة المتوسطة
يؤدي التدهور التدريجي المستمر في المرض إلى عرقلة استقلالية الأفراد، حيث يصبح الأفراد غير قادرين على أداء أنشطة الحياة اليومية الشائعة، كما تصبح صعوبات النطق أكثر وضوحًا في هذه المرحلة، بسبب عدم القدرة على تذكر المفردات، ما يؤدي إلى استبدال خاطئ متكرر للكلمات (خطل التسمية)، وتُفقد أيضًا مهارات القراءة والكتابة تدريجيًا.
وتزداد مشكلات الذاكرة سوءًا، وقد يفشل الشخص في التعرف على الأقارب، أما الذاكرة الطويلة الأمد والتي كانت سليمة سابقًا، فإنها تصبح ضعيفة.
وتسود التغيرات السلوكية والنفسية العصبية في هذه المرحلة، ومن المظاهر الشائعة التجول والتهيج والتقلقل، ما يؤدي إلى بكاء الشخص، وإظهار عدوانية غير متعمدة أو مقاومة تقديم الرعاية، وقد تحدث أيضًا متلازمة الغروب (اختلاط عقلي عند المغرب)، كما قد يحدث تبول لا إرادي، وتسبب هذه الأعراض ضغطًا نفسيًا على الأقارب ومقدمي الرعاية.
4- المرحلة المتقدمة
ينخفض النطق في هذه المرحلة إلى عبارات بسيطة أو كلمات مفردة فقط، ما يؤدي في النهاية إلى فقدان كامل للنطق، ولكن على الرغم من فقدان القدرات اللغوية اللفظية، فإنه عادة يمكن للمرضى فهم الإشارات العاطفية والتفاعل معها.
وأيضًا على الرغم من استمرار عدوانية الشخص، فإن اللا مبالاة والإرهاق الشديد يعتبران من الأعراض الشائعة.
وفي هذه المرحلة يصبح الأشخاص المصابون بألزهايمر غير قادرين على أداء أبسط المهام بشكل مستقل، حيث تتدهور الكتلة العضلية وقدرتهم على التنقل إلى حد يجعلهم ملازمي الفراش وغير قادرين على إطعام أنفسهم، ويعتمد المريض تمامًا على مقدمي الرعاية في المراحل النهائية للمرض.
وعادة ما تحدث الوفاة في هذه المرحلة، وغالبًا ما يكون سبب الوفاة عاملًا خارجيًا، كالإصابة بقرحة الفراش أو التهاب رئوي، وليس مرض ألزهايمر نفسه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :