موسم “الفريكة”.. مزارعون يجازفون أملًا بهامش ربح شمالي سوريا

  • 2023/05/15
  • 3:20 م
عمال يحرقون محصول القمح قبل نضجه لتحضير مادة "الفريكة" في ريف إدلب الشرقي- 14 من أيار 2023 (عنب بلدي)

عمال يحرقون محصول القمح قبل نضجه لتحضير مادة "الفريكة" في ريف إدلب الشرقي- 14 من أيار 2023 (عنب بلدي)

بدأ موسم إنتاج “الفريكة”، وهو عملية حرق محصول القمح قبل نضجه، شمال غربي سوريا، في مهنة اعتادها الأهالي كونها مصدر رزق وثقافة موروثة من الأجداد.

الموسم المنتظر من الأهالي والعائلات، يواجه فيه أصحاب الأرض أو المستأجرون (الضمّان) صعوبات عديدة تثقل كاهلهم، وتجعل من العمل بـ”الفريكة” مجازفة تحمل الخسائر.

وينشط العمل لإنتاج “الفريكة” مع الأسبوع الأول من شهر أيار في كل عام، ويستمر لأيام لا تتجاوز الشهر، حين تكون سنبلة القمح رطبة قليلًا، في معظم مناطق الشمال السوري، مع تمايز بعض المناطق عن غيرها.

حرق “الفريكة” مصدر دخل

تبدأ العملية من خلال قص سنابل القمح بـ”الحصّادة”، وقلما يتم الاعتماد على القص اليدوي، كحالات يتعذر فيها دخول “الحصّادة” إلى الأرض، لوجود القمح بين الأشجار.

وتُعرض سنابل القمح لساعات في أشعة الشمس كي تجف ثم تُحرق وبعدها تُعبّأ بأكياس كبيرة، وتُنقل إلى “الدرّاسة” لفرز حبة “الفريكة” عن بقايا ومخلّفات الحرق من قش وأتربة، لتصبح جاهزة للبيع.

حسن هلال، مزارع مهجّر يقيم في ريف إدلب، أوضح لعنب بلدي أن آلية حرق المحصول تختلف بحسب المنطقة والعُرف، منها أن يجمع العمال سنابل القمح لحرقها في كومة واحدة فوق سرير حديدي، ومنها أن تُنشر لمئات الأمتار على الطرقات وتُحرق.

وأضاف المزارع الذي ينتظر العمل بـ”الفريكة” كل عام، أن العمال يعتمدون في كلتا الحالتين على الحرق عبر أنبوب موصول بأسطوانة غاز تبعد مترين إلى ثلاثة عن نقطة اندلاع النار.

سنابل قمح محروقة لإنتاج “الفريكة” في ريف إدلب الشرقي- 14 من أيار 2023 (عنب بلدي)

تنتظر أغلبية سكان شمال غربي سوريا موسم العمل بحرق القمح لإنتاج “الفريكة” باعتباره مصدر دخل يؤمّن مؤونة وعائدًا ماليًا يسند العائلات وسط وضع اقتصادي ومعيشي متردٍ.

وتعمل فئة كبيرة من الأهالي خلال موسم “الفريكة”، ولا يقتصر العمل على الشباب أو الرجال، إذ تعمل النساء والأطفال خلال هذه الأيام القليلة لإعالة أهلهم وذويهم.

وتبلغ أجرة العامل اليومية 200 ليرة تركية، إذا عمل بمهمة “حرّاق”، وتحصل النسوة على أجرة يومية بساعات أقل 100 ليرة تركية، عدا اللواتي يعملن “حرّاقات” فأجرهن مماثل للرجال.

ويستغل المهجرون والنازحون إلى مدن وبلدات الشمال السوري هذا الموسم سواء عبر العمل أو استئجار الأراضي أو شراء كميات “فريكة” ونشرها وغربلة المحصول من الأتربة والقش، ثم مرحلة الطحن (الدرش)، وتُعبّأ بأكياس مختلفة الأوزان حسب الرغبة من أجل البيع أو التصدير.

عاملان يجهزان محصول القمح قبل نضجه لتحضير مادة “الفريكة” في ريف إدلب الشرقي- 14 من أيار 2023 (عنب بلدي)

تكاليف مرتفعة

تضاف إلى عملية إنتاج “الفريكة” تكاليف تشغيلية أخرى تصل إلى 1000 دولار أمريكي، يدفعها صاحب الأرض أو المستأجر أو التاجر، الأمر الذي يضعه في حالة تردد من الإقبال على الموسم الحالي، كما تشهد أسعار “الفريكة” انخفاضًا عن العام الماضي.

أوضح المزارع حسن هلال (يزرع أراضي بالقمح ويستأجر أراضي مزروعة) لعنب بلدي أن سعر طن “الفريكة” انخفض عن الموسم الماضي حوالي 300 دولار أمريكي، ويتراوح حاليًا بين 600 و650 دولارًا.

وذكر حسن أن استئجار (ضمان) الهكتار الواحد من القمح، انخفض عن السنة الماضية حوالي 1000 دولار، ويتراوح استئجار الهكتار حاليًا بين 1800 و2500 دولار، ويختلف حسب الإنتاج وحجم سنبلة القمح ومدى حملها، وذلك يعود لمدى دعمها من المزارع بالسماد والري.

وتتراوح أجرة سيارات نقل القمح حين “نشره” وحين إنتاج “الفريكة” بين 90 و100 دولار أمريكي، وتختلف باختلاف حجم الآلية واستطاعتها.

وتبلغ أجرة “حصّادة” القمح 100 دولار للهكتار الواحد (عشرة دونمات)، في حين تبلغ أجرة عمل “الدرّاسة” التي تعزل حبة “الفريكة” عن القش 100 دولار للهكتار الواحد.

ويحتاج الهكتار الواحد إلى 20 عاملًا وسبعة “حرّاقين”، تصل أجورهم إلى 175 دولارًا، ويحتاج إلى 100 دولار مقابل الغاز، إذ يبلغ سعر الأسطوانة 12.60 دولار.

وتبلغ تكلفة زراعة هكتار القمح حوالي 800 دولار، وهي تكلفة زراعة مع أسمدة وري، وفي حال استئجار أرض لزراعتها يدفع الشخص لهكتار أرض حمراء غير مزروعة من 1000 إلى 1200 دولار أمريكي، وفي حال كانت الأرض قرب خطوط التماس، يدفع من 400 إلى 600 دولار للهكتار الواحد (غير مزروع).

عمال يحرقون محصول القمح قبل نضجه لتحضير مادة “الفريكة” في ريف إدلب الشرقي- 14 من أيار 2023 (عنب بلدي)

وتتراوح الإنتاجية لكل هكتار واحد بين أربعة وخمسة أطنان “فريكة”، بحسب خصوبة الأرض، وتُستأجر بعض الأراضي مع كمية القش أو العشب المتبقي بعد قص القمح، التي تُستخدم للثروة الحيوانية.

وذكر المزارع أنه في حال أراد تأجير هكتار القش المتبقي بعد قص سنابل القمح، تتراوح أجرة الهكتار بين 100 و150 دولارًا، بعدما كانت العام الماضي تقدّر بـ500 دولار.

وفي حال انتظار القش حتى يجف لبيعه كأعلاف (تبن) للحيوانات، فمن المتوقع هذا العام أن يبلغ سعر خزان التبن (حوالي 350 كيلوغرامًا) عشرة دولارات بعد أن كان العام الماضي بـ50 دولارًا. (الخزان هو صندوق ملحق بالحصادة، يُجمع فيه التبن وتتراوح سعته بين 300 و400 كيلوغرام).

ويدفع المزارع حين يبيع محصول “الفريكة” نسبة 4% إلى مقاول البيع (الدلّال).

مبالغ على “حجز” الطرقات

ظهرت حالة “حجز” الطرقات من قبل مزارعين وتجار لأجل حرق “الفريكة” بعد التواصل مع المجالس المحلية في كل منطقة، وهي حالة لم تكن معتادة سابقًا، وظهرت مع انحسار الرقعة الجغرافية ومحدوديتها، وخسارة أراضٍ زراعية واسعة، عقب سيطرة قوات النظام على مدن ومناطق مجاورة في آخر تقدّم لها عام 2020.

أوضح مزارعون تحدثت إليهم عنب بلدي أن “حجز” طرقات الأسفلت لا يعني إغلاقها كليًا أو حتى جزئيًا إنما أخذ مساحة طولية منها بشكل يسمح بمرور الآليات والسيارات، كما أن سعر “الحجز” يختلف بين منطقة وأخرى، ويتم عبر طرح الطريق من قبل المجلس المحلي في مزاد علني يقدم عليه تجار ومزارعون.

ويختلف المبلغ المدفوع بحسب المسافة التي يأخذها المزارع من الطريق، ويدفع المزارع أو التاجر عن طريق يتسع لفرش سنابل القمح المزروعة في أرض مساحتها من 20 إلى 30 دونمًا مبلغًا يتراوح بين 1000 و1500 دولار أمريكي.

تواصلت عنب بلدي مع وزارة الإدارة المحلية بحكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، لكنها رفضت التعليق على الموضوع أو توضيح ما إذا كانت هناك آلية لفرض مبالغ على كل طريق، أو ما إذا كان الموضوع يتم تحت إشرافها ومتابعتها.

مصدر في حكومة “الإنقاذ” (غير مخوّل بالتصريح)، أوضح لعنب بلدي أن قرار فرض مبالغ على حجز الطرقات لم يصدر بشكل رسمي عن الوزارة، وإنما صدر عن المجالس المحلية التي لها هامش إصدار بعض القرارات في مناطقها حسب المعطيات المتوفرة لديها.

وذكر أن المبالغ على حجز الطرقات تُفرض حسب الأضرار الناجمة عن حرق “الفريكة”، إذ يتم إشغال وإغلاق بعض الطرق، وحجز مساحات واسعة وترك مخلفات نتيجة الحرق، وهذا أمر يخلّف بعض الأضرار ويترتب عليه فرض مبالغ مالية.

سنابل قمح محروقة لإنتاج “الفريكة” في ريف إدلب الشرقي- 14 من أيار 2023 (عنب بلدي)

لا تأثير على القمح

مدير المديرية العامة للزراعة في حكومة “الإنقاذ” بإدلب، تمام الحمود، قال لعنب بلدي، إن إنتاج مادة “الفريكة” لا يؤثر على كمية إنتاج القمح، مضيفًا أن تقديرات الإنتاج الأولية لهذا العام من القمح مقدرة بـ99 ألف طن.

وأوضح الحمود أن كميات “الفريكة” التي تنتج كل عام من 4000 إلى 5000 طن، أي بنسبة 4% من الإنتاج، ويُستهلك قسم منها محليًا ويصدّر الباقي، ما يسهم بإدخال القطع الأجنبي للمنطقة.

اقرأ أيضًا: مهنة الأجداد من “القصل” إلى “الدرش”.. “الفريكة” تقاوم الصعوبات في الشمال

محصول القمح قبل نضجه لتحضير مادة “الفريكة” في ريف إدلب الشرقي- 14 من أيار 2023 (عنب بلدي)

سنابل قمح محروقة لإنتاج “الفريكة” في ريف إدلب الشرقي- 14 من أيار 2023 (عنب بلدي)

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية