توّج تقارب النظام السوري مع الدول العربية، بعودته “غير المشروطة” إلى جامعة الدول العربية، وفق وسائل الإعلام السورية الرسمية، لكن القصف الذي لا يزال مجهولًا جنوبي سوريا، يعتقد حتى الآن أن طيرانًا أردنيًا نفذه ضد مصانع للمخدرات في المنطقة، أعاد الحديث عن تنازلات أمنية قدمها النظام لصالح الأردن ودول الخليج في ملف مكافحة المخدرات في المنطقة.
وفي 8 من أيار الحالي، أغارت طائرات حربية لا تزال مجهولة الهوية على أهداف في منطقة اللجاة بين محافظتي درعا والسويداء جنوبي سوريا، ما خلّف ثمانية قتلى بينهم أحد أشهر المخدرات المقربين من النظام مرعي الرمثا، إلى جانب أفراد عائلة الكامل من ضمنهم ستة أطفال.
ومع أن الأردن لم يتبن بشكل واضح الاستهداف المزدوج، نقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن مصادر أمنية أردنية، أن الطيران الأردني هو من نفذ القصف على مواقع لإنتاج المخدرات، مرتبطة بإيران، في الجنوب السوري.
وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، اكتفى بالتعليق عقب الاستهداف بالقول، “عندما نتخذ أي خطوة لحماية أمننا القومي أو مواجهة أي تهديد سنعلن ذلك في الوقت المناسب”.
وأشار بحسب ما نقلت وكالة “عمون” الأردنية إلى أن اتفاقًا أردنيًا سوريًا، لتشكيل فريق أمني سياسي مشترك عقد لمواجهة خطر المخدرات والانتهاء منه بشكل كامل.
هل انخرط النظام بمكافحة التجارة
تقارير دولية ومن منظمات مستقلة وثقت ضلوع شخصيات على صلة مباشرة برئيس النظام السوري، بشار الأسد، بتجارة المخدرات وتصديرها نحو الأردن، خلال فترات زمنية متفاوتة.
وأوضحت دراسة صادرة عن مركز “COAR” للتحليل والأبحاث، في نيسان 2021، أن سوريا صارت مركزًا عالميًا لإنتاج “الكبتاجون” المخدر، وأنها أصبحت أكثر تصنيعًا وتطورًا تقنيًا في هذه الصناعة من أي وقت مضى.
الخبير الاسترتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” في واشنطن، عمار السبايلة، قال لعنب بلدي إن اتفاق الأردن مع سوريا حول النقاط العريضة لمكافحة المخدرات، يجنب الأردن فكرة الخلاف مع النظام السوري.
وفي حال نفذ الأردن أي عملية عسكرية أو أمنية في الجنوب السوري، فإن اتفاقه مع النظام السوري يؤكد موقفه أنه يستهدف ما يهدد أمنه القومي، ولا مشكلة له مع حكومة النظام في دمشق، بحسب الخبير.
ويعتبر الجنوب السوري من أبرز مناطق النفوذ الإيراني في البلاد بحسب دراسة لمركز “جسور للدراسات“، ويرى الباحث المختص في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، أن الاتفاق الضمني المحتمل بين النظام والأردن يسمح بانتقال عمان من مرحله الدفاع إلى الهجوم في حال تعرضها لمحاولات تسلل من قبل مهربين وما العمليه العسكرية الجوية التي حصلت إلا نتاج لهذا التوافق، ولو كان على حساب النفوذ الإيراني.
وأضاف أن أولوية التحركات الأردنية في سوريا اليوم قد تتركز على جماح الميليشيات المرتبطة بإيران، وتقدم دعمًا لوجستيًا لعصابات التهريب وتوفر لها الأمن والغطاء والأساليب والوسائل المبتكرة والحديثة والإمكانيات اللازمة للقيام بعمليات اختراق الحدود والتسلل نحو الأردن.
على حساب إيران؟
ولم يستبعد الباحث المختص بالشأن الإيراني خيار النظام السوري الذي قد يكون جائرًا على النفوذ الإيراني في الجنوب، لأن ميليشيات طهران باتت تشكل عوامل ضاغطة على النظام وبدأت بمشروع الهيمنة المطلق على المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية، وبالتالي فالمخرج الوحيد لبقائه في السلطة يتمثل بإضعاف مشروع إيران.
الخبير الاستراتيجي الأردني عامر عمار السبايلة ،قال لعنب بلدي إن أي اتفاق أردني- سوري، لا بد أن يتوافق تمامًا مع المشروع الأمريكي لمكافحة المخدرات في المنطقة، وهو مشروع يتجاوز تطلعات ومصالح الأردن.
واعتبر أن أمريكا هي المعني الأول بهذا القانون وتطبيقه، كما هو الحال بالنسبة لدول الخليج.
السبايلة يرى أن المكتسبات التي حققها النظام من خلال الاعتراف العربي المتسارع به مؤخرًا توجبت أن يقدم ولو شيئًا واحدًا ملموسًا في مرحلة “بناء الثقة”، ومع تقييم النظام لهذه المكتسبات المتسارعة، سيضطر إلى السماح بنوع من العمليات الأمنية داخل أراضيه الجنوبية بالمقابل.
وفي 6 من آذار الماضي، طلب الملك الأردني، عبد الله الثاني، من وزير الدفاع الأمريكي، المساعدة لحماية الحدود البرية الأردنية- السورية من تهريب المخدرات المستمر، الذي حمّل مسؤوليته للميليشيات المدعومة من إيران، وفق ما نقلته وكالة “رويترز“.
وبحسب الوكالة، ناقش الملك عبد الله مع الوزير الأمريكي تصاعد ترسيخ الميليشيات المدعومة من إيران جنوبي سوريا، كما أوضحت وزارة الدفاع الأمريكية قبل الزيارة، أنها ستركّز على التهديد الإيراني للاستقرار الإقليمي، وتعزيز التعاون الأمني المتعدد الأطراف.
وقدّمت واشنطن على مدار أكثر من عقد حوالي مليار دولار لإنشاء مراكز حدودية على الحدود الأردنية- السورية، التي تمتد على طول 375 كيلومترًا.
قانون أمريكي قادم
المشروع الأمريكي لمكافحة المخدرات التي يديرها النظام السوري صُدّق عليه رسميًا مطلع العام الحالي، بعد مرور عامين على أول طرح له في أروقة الإدارة الأمريكية، إذ صدّق مجلس النواب الأمريكي (الكونجرس) عليه، ثم أعيد حذفه خلال مفاوضات لجنة المؤتمر لاحقًا عام 2021.
وأقرّه مجلس النواب مرة ثانية في أيلول 2022، ثم صدّق عليه المجلس، في 8 من كانون الأول 2022، بتصويت نال أغلبية ساحقة، وانتقل مشروع القانون بعدها إلى مجلس الشيوخ ثم إلى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي وقّع على ميزانية الدفاع الأمريكية عن السنة المالية لعام 2023، متضمنة القانون، في 23 من كانون الأول 2022.
يهدف القانون بحسب بنوده إلى تعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات المرتبطة برئيس النظام السوري، بشار الأسد، الذي حوّل سوريا إلى مكان مجهز بالكامل لصناعة المخدرات، وتوضيبها وتجهيزها للتصدير، ثم إيصالها إلى شبكات التهريب وبيعها خارج البلاد.
القانون المنتظر تطبيقه في حزيران المقبل شكل دافعًا بالنسبة للنظام السوري، للانخراط في أي عمليات من شأنها أن تكون سدًا بينه وبين حزمة العقوبات الأمريكية القادمة، والتي يتخللها تحركات أمريكية على الصعيد الأمني قد تشهدها الخارطة السورية، بحسب ما يراه الباحث الأردني عمار السبايلة.
الباحث اعتبر أن سماح النظام للطيران الأردني بالتحرك بحرية جنوبي سوريا، يعتبر مؤشرًا واضحًا على خطوة استباقية لمخاوف النظام التي يحملها قانون مكافحة “الكبتاجون” القادم من الغرب.
ولا بد للنظام السوري اليوم من تقديم القرابين للولايات المتحدة، لتجنيبه هذا القانون، والسماح بعودته إلى وسطه السابق كما كان قبل عام 2011، بحسب السبايلة.