عروة قنواتي
ليلة من ليالي الصخب والفرح وهتاف الأفئدة قبل الحناجر، الجنوب الإيطالي يعود مشتاقًا تواقًا بهمة أبناء نابولي إلى منصة التتويج الكبرى في إيطاليا بعد 33 عامًا غاب فيها أصحاب وأصدقاء الراحل دييجو أرماندو مارادونا عن لقب “الكالتشيو”، وتحديدا في موسم عام 1990.
إذًا، نادي نابولي، وفي الجولة الـ33 وقبل نهاية الموسم بخمس جولات، يسجل “سكوديتو” للذكرى على حساب أقوى وأبرز الأندية الإيطالية، وبفارق 16 نقطة عن أقرب منافسيه نادي لاتسيو، ليرفع نجمته الثالثة على القميص بعد موسم 1987 و1990. نابولي استطاع أن يكون أول من يحسم مسابقة من ضمن المسابقات الخمس الكبرى في أوروبا، ولربما يلحق به نادي برشلونة على مستوى الليجا الإسبانية خلال أسبوع، فيما يشتد الصراع حتى آخر جولة في “البوندسليغا” و”البريميرليج” و”أوبر إيتس”.
أبناء الجنوب الذين احتشدوا في استاد “دييجو أرماندو مارادونا” يشاهدون اللقاء أمام أودينيزي عبر شاشة عملاقة، وبعد صافرة الحكم التي أعلنت نهاية المواجهة بالتعادل الإيجابي، وبهدف المتألق أوسيمين، سارعوا إلى الساحات والشوارع الرئيسة في مدينة نابولي بصيحات وهتافات جنونية وأفراح، لم يفسدها إلا وفاة وإصابة عدد من المشجعين نتيجة إطلاق النار والتدافع في الاحتفال الطويل، وذكرت السلطات الصحية في نابولي أن 203 أشخاص أصيبوا خلال الاحتفالات، من بينهم 22 حالة خطرة.
نابولي لم ينتزع اللقب بشكل روتيني، أي أن هناك بطلًا يجب أن يصعد إلى المنصة، لا أبدًا، هذا اللقب سيكون تاريخيًا لأنه يكسر احتكار فارس إيطاليا نادي اليوفي، وسيطرة أندية الميلان على اللقب لمدة 22 عامًا. ما فعله السيد سباليتي، المدير الفني لنادي نابولي، مع لاعبيه هذا الموسم لم يكن عاديًا أبدًا، ولولا الجهد وضياع التركيز في الأسبوعين الأخيرين لكان نابولي هو خصم إنتر ميلان في نصف نهائي أبطال أوروبا، ولكن كرة القدم لا تعترف إلا بالتفاصيل البسيطة التي نقلت نادي ميلان على حساب نابولي إلى دور الأربعة حيث ديربي الغضب سيشعل أوروبا مجددًا في “الشامبيونزليج”.
وفي بادرة وفاء مميزة من أبناء نابولي، فقد تم إهداء لقب الدوري إلى روح مارادونا لاعب الفريق في ثمانينيات القرن الماضي وصانع نهضة كرة القدم بالجنوب الإيطالي، في زمان كسر نادي نابولي برفقة أسطورة كرة القدم الأرجنتينية كل قوالب كرة القدم بإيطاليا وأوروبا، في حالة اكتساح وسحق للخصوم وإتخام الشباك بالأهداف، قبل أن يترنح النادي والفريق بعواصف مالية واقتصادية أبعدته عن المنافسة وعن القوة التي عُرف بها لسنوات طويلة.
ووسط البهجة العارمة التي أضفت ألوانًا براقة في سماء “الكالتشيو”، تبدو مخاوف عشاق النادي ظاهرة من جراء الأحاديث والأخبار والتسريبات الصحفية التي تتناول رحيل بعض اللاعبين المهمين في الفريق الأول باتجاه “البريميرليج”، وعلى رأسهم أوسيمين وكفاراتسخيليا ودي لورينزو ولويزانو وبوليتانو. المخاوف تحاكي الرحيل الذي قد يجعل من إنجاز نابولي “طفرة ” مع منافسة لموسمين آخرين ومن ثم إلى وسط الترتيب. طبعًا المخاوف محقة في حال لم يتم البحث عن لاعبين “سوبر ستار” يحتاج إليهم الفريق بشدة وبقوة للمواسم المقبلة ولمشروع نابولي، حتى لا تكون الطفرة واقعًا محزنًا بعد لقب بجهود جبارة ومتمكنة.
قد يكون الحديث مبكرًا عن رحيل اللاعبين أو عن صفقات جديدة تلوح في الأفق، وخصوصًا أن هناك خمس جولات على نهاية الدوري رسميًا، ولكن ما هو واضح أن الأندية العريقة استشعرت خطر نابولي بالأداء والتهديف والدفاع المستميت، أي أن شكل اليوفي والإنتر وإي سي ميلان وروما ولاتسيو لن يكون بنفس حال هذا الموسم في العام المقبل، ليس فقط على مستوى الدوري بل في بطولة الكأس وبالمنافسات الأوروبية بطوابقها الثلاثة (دوري الأبطال، الدوري الأوروبي، دوري المؤتمر).
نادي نابولي يستحق التحية والإشادة بهذا البناء والتكتيك في الفريق الأول، بل وفعلًا لم يكن هناك فريق في إيطاليا يستحق انتزاع اللقب أفضل من نابولي، وأكثر من ذلك كان الفريق يستحق الوصول إلى المباراة النهائية لدوري الأبطال، وهذا كان واضحًا في ترشيحات النقاد ومتابعي كرة القدم في العالم وفي أوروبا وإيطاليا بشكل خاص.
السيد سباليتي خطط وتعب ليقدم منظومة تاريخية مع فريقه الأول، ليس فقط داخل منافسات إيطاليا بل على مستوى أوروبا، وسيحسب حساب فريق الجنوب الإيطالي كثيرًا في منافسات المواسم المقبلة. لقد أمتعنا نابولي هذا الموسم، ولم يعد بحاجة للعب دور خالط الأوراق في كل مسابقة. نابولي تحول ليكون الرقم الصعب في أي منافسة محلية وأوروبية، والمواسم المقبلة كفيلة بإظهار ما تبقى من صورة مارد الجنوب الإيطالي.
مبارك من القلب لكل عشاق نادي نابولي في العالم على الفوز بـ”السكوديتو”، وعلى الأسلوب الكروي المتطور والمرعب، وعلى الكرة الجميلة، فلتفرح روح مارادونا.