د. أكرم خولاني
لا بد أن معظمنا يعرف أشخاصًا مصابين بمرض التصلب المتعدد أو سمع بهذا المرض، وهو مرض عصبي قد يؤدي إلى حدوث إعاقة كاملة للمصاب به، إلا أنه غير خطير على الحياة، ونادرًا ما يتطور لدرجة أن يصبح فيها مميتًا.
ما مرض التصلب المتعدد
التصلب المتعدد (Multiple Sclerosis or MS)، الذي يُعرف أيضًا بالتصلب اللويحي، هو مرض عصبي مزمن يصيب الجهاز العصبي المركزي، وهو أحد الاضطرابات المناعية المزمنة التي تسبب تلفًا في الغشاء المحيط بالخلايا العصبية (الميالين)، ما يسبب حدوث خلل بالدماغ والحبل الشوكي، ويقود إلى حدوث خلل في عديد من وظائف الجسم الأساسية، مثل النظر والإحساس والتوازن والتحكم بالعضلات وغيرها.
ويشير مصطلح التصلب المتعدد إلى كثير من مناطق التصلب الناجمة عن تخرب الغمد المياليني الذي يغلف الأعصاب، وتسمى هذه المناطق باللويحات، لذا يسمى المرض بالتصلب اللويحي.
تبدأ أعراض المرض بشكل مفاجئ، وتتكرر على شكل هجمات، وتختلف من هجمة لأخرى، وتتراوح أعراض الهجمة من البسيطة إلى الشديدة التي يمكن أن تتسبب في حدوث إعاقة كاملة للمريض، وتسمى الفترات التي تشتد فيها أعراض المرض بالنكسة، أما الفترات التي تهدأ أو تختفي فيها الأعراض فتسمى بفترة هدوء المرض، ويمكن أن تصل إلى عدة أشهر أو سنة في بعض الأحيان.
وعادة ما تبدأ هجمات التصلب اللويحي في الظهور بين سن 15 و60 عامًا، وأكثر ما تبدأ في سن الشباب بين 20 و40 عامًا، إلا أنها يمكن أن تظهر في مختلف المراحل العمرية من الطفولة وحتى الشيخوخة، ولكنها غير شائعة عند الأطفال، وتعد النساء أكثر عرضة للإصابة بمرض التصلب المتعدد من الرجال.
ما أعراض التصلب المتعدد
يمكن أن تظهر لدى الشخص المصاب بالتصلب المتعدد أي علامة من العلامات أو الأعراض العصبية، وأكثرها شيوعًا مشكلات الجهاز العصبي الذاتي والمشكلات البصرية والحركية والحسية، أما الأعراض النوعية فتظهر بحسب مكان الضرر ضمن الجهاز العصبي، وقد تشمل:
· الشعور بخدَر أو تنميل أو وخز أو ضعف في واحد أو أكثر من أطراف الجسم، عادة ما يظهر على أحد جانبي الجسم في المرة الواحدة.
· أحاسيس مشابهة للصدمة الكهربائية تصاحب حركات معينة للرقبة، وخصوصًا انحناء الرقبة للأمام (علامة ليرميت).
· خلل التوازن.
· المشية المترنحة أو عدم القدرة على المشي.
· فقدانًا جزئيًا أو كليًا للإبصار، عادة في عين واحدة بالمرة الواحدة، وغالبًا يصاحبه شعور بالألم في أثناء حركة العين.
· رؤية مزدوجة لمدة طويلة.
· ضبابية الرؤية.
· صعوبة بتمييز الألوان.
· الدوار.
· مشكلات في الوظائف الجنسية ووظائف الأمعاء والمثانة.
· الإرهاق والإجهاد السريع.
· صعوبة وتلعثم في الكلام.
· تأثر الذاكرة.
· مشكلات إدراكية.
· اضطرابات مزاجية.
ما أسباب التصلب المتعدد
يحدث مرض التصلب المتعدد عند مهاجمة جهاز المناعة لمادة الميالين المغلفة للأعصاب بالخطأ، ليتعامل معها كأنها جسم غريب في أماكن عديدة بالجسم، ما يسبب التهابها، وبعد الالتهاب تتكون الندوب، التي تُعرف باسم اللويحات أو التصلبات، وتتسبب الندوب على طول المحور العصبي في مادة الميالين بحدوث بطء أو تشوه في الرسائل العصبية المرسَلة بين الدماغ وبقية أعضاء الجسم، وفي بعض الأحيان قد تتوقف الإشارات العصبية كليًا، إذ قد يؤدي الالتهاب في بعض المناطق على طول العصب إلى زوال مادة الميالين بشكل كلي، ما يؤدي إلى تلف المحور العصبي نفسه أيضًا.
ولا يزال السبب الرئيس للإصابة بالتصلب المتعدد غير معروف، إلا أنه يُعتقد أن مجموعة من العوامل الجينية والبيئية يمكن أن تلعب دورًا في زيادة خطر الإصابة بالمرض، وتشمل هذه العوامل ما يلي:
· العمر: يعد الشباب أكثر عرضة للإصابة بالتصلب المتعدد من بقية الفئات العمرية.
· الجنس: ترتفع نسبة إصابة النساء بالتصلب المتعدد بمقدار مرتين إلى ثلاث مرات مقارنة بالرجال، ويعتقد العلماء أن السبب يعود في ذلك إلى الهرمونات مثل البروجستيرون، والإستروجين.
· العرق: يعد أصحاب البشرة البيضاء وسكان الدول الاسكندنافية، وشمال الولايات المتحدة، أكثر عرضة للإصابة بالتصلب المتعدد.
· التاريخ العائلي: إذا كان أحد الوالدين أو الإخوة مصابًا بمرض التصلب المتعدد، تزداد احتمالات الإصابة بهذا المرض.
· بعض أنواع العدوى: قد تتسبب بعض أنواع العدوى في زيادة خطر الإصابة بالتصلب العصبي المتعدد، مثل عدوى فيروس إبشتاين بار.
· المناخ: يكون مرض التصلب المتعدد أكثر شيوعًا في البلدان ذات المناخ المعتدل، بما في ذلك كندا وشمال الولايات المتحدة ونيوزيلندا وجنوب شرق أستراليا وأوروبا.
· فيتامين “D”: يرتبط وجود مستويات منخفضة من الفيتامين، وعدم التعرض لأشعة الشمس بما يكفي، ارتباطًا وثيقًا بارتفاع خطر الإصابة بمرض التصلب المتعدد.
· الجينات: تبين وجود علاقة بين جين في الكروموسوم “6p21” والتصلب المتعدد.
· السمنة: تبين وجود علاقة بين السمنة والتصلب المتعدد لدى الإناث.
· بعض أمراض المناعة الذاتية: يزداد خطر الإصابة بمرض التصلب المتعدد بعض الشيء إذا كانت هناك إصابة باضطرابات مناعية ذاتية أخرى، كمرض الغدة الدرقية أو فقر الدم الخبيث أو داء السكري من النوع الأول أو مرض الأمعاء الالتهابي.
· التدخين: المدخنون الذين لديهم عرض أولي قد يشير إلى مرض التصلب المتعدد أكثر عرضة على الأرجح لأن يكون لديهم حدث ثانٍ يؤكد إصابتهم بمرض التصلب المتعدد مقارنة بغير المدخنين.
كيف يمكن أن يتم التشخيص
لا تتوفر اختبارات محددة تكشف الإصابة بالتصلب المتعدد، ولكن يعتمد التشخيص في الغالب على استبعاد الحالات الأخرى التي قد تتسم بنفس العلامات والأعراض، ويشتبه الأطباء بالتصلب المتعدد عند اليافعين الذين يصابون فجأة بتغيّم الرؤية، أو الرؤية المزدوجة أو بمشكلات في الحركة، وتكون لديهم أحاسيس غير طبيعية في أجزاء مختلفة وغير مرتبطة من الجسم، وتدعم الأعراض المتقلبة ونمط الانتكاسات وفترات الهدوء التشخيص، وعند الاشتباه يقوم الطبيب بما يلي:
- تقييم شامل للجهاز العصبي للمريض، ومراجعة تاريخه المرضي.
-
تحليل الدم.
-
فحص مستوى الخلايا المناعية في الجسم.
-
سحب عيّنة من السائل الشوكي وتحليلها للكشف عن أي تغيرات غير طبيعية، وهو ما يُعرف بالبزل القطني.
-
التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ (MRI)، ويعد أفضل فحص تصويري للتحري عن التصلب المتعدد، فهو يكتشف مناطق زوال الميالين في الدماغ والحبل الشوكي عادة.
ما مضاعفات التصلب المتعدد
تصلب وتشنج العضلات.
شلل في عضلات القدمين.
مشكلات في المثانة والأمعاء.
النسيان وفقدان القدرة على التركيز.
اكتئاب.
صرع.
كيف يمكن علاج التصلب المتعدد
لا يوجد علاج ناجع لمرض التصلب المتعدد، لكن يركّز العلاج في العادة على تسريع التعافي من نوباته، وتقليل نوبات الانتكاس، وإيقاف تطور المرض وإبطاء مضاعفاته.
علاج النوبات
توصف الكورتيكوستيرويدات مثل بريدنيزون الذي يُتناول عن طريق الفم، وميثيل بريدنيزولون الذي يُعطى وريديًا لتقليل التهاب الأعصاب.
تبادل البلازما (فصادة البلازما) ويتم بإزالة الجزء السائل من جزء من الدم (البلازما) ويُفصَل عن خلايا الدم، وبعد ذلك تُخلَط خلايا الدم بمحلول بروتين (الألبومين) وتُعاد إلى جسم المريض، ويمكن استخدام تبادل البلازما إذا كانت الأعراض الظاهرة ولم تستجب للستيرويدات.
العلاجات التي تحد من تفاقم المرض
تحدث أغلب الاستجابات المناعية المرتبطة بالتصلب المتعدد في المراحل المبكرة من المرض، ويمكن أن يؤدي العلاج المكثف بهذه الأدوية في أقرب وقت ممكن إلى خفض معدل الانتكاس، وإبطاء تكوين آفات جديدة، وربما التقليل من خطر ضمور الدماغ وتراكم الإعاقة، وتشمل الأدوية المستخدمة:
– أدوية إنترفيرون بيتا: وهي من أكثر الأدوية الموصوفة لعلاج التصلب المتعدد، إذ تعمل على مقاومة الأمراض التي تهاجم الجسم وتقليل الالتهاب وزيادة معدل نمو الأعصاب، وتُحقن هذه الأدوية تحت الجلد أو عن طريق الحقن العضلي.
– أسيتات الغلاتيرامر: يمكن أن يساعد هذا الدواء في حجب هجوم الجهاز المناعي على الميالين، ويجب أن يُحقَن تحت الجلد.
– الأجسام المضادة أحادية النسيلة: يستهدف دواء أوفاتوموماب الخلايا التي تسبب تلف الجهاز العصبي، وتُعرف هذه الخلايا بالخلايا البائية، ويُعطى دواء أوفاتوموماب بالحقن تحت الجلد.
تتضمن العلاجات الفموية ما يلي:
تيريفلونوميد: يمكن أن يقلل هذا الدواء الذي يتم تناوله عن طريق الفم مرة واحدة يوميًا من معدل الانتكاسة.
ثنائي ميثيل الفومارات: بإمكان هذا الدواء الذي يتم تناوله عن طريق الفم تقليل معدل الانتكاسات.
ديروكسيميل فومارات: تشبه هذه الكبسولة التي يتم تناولها مرتين يوميًا ثنائي ميثيل الفومارات، ولكنها عادة ما تسبب آثارًا جانبية أقل.
أحادي ميثيل الفومارات: اعتمدته إدارة الغذاء والدواء الأمريكية باعتباره دواء يتأخر تحرر مكوناته في الجسم، وله مفعول بطيء وثابت.
فينغوليمود: يقلل هذا الدواء، الذي يُعطى عن طريق الفم مرة واحدة يوميًا، من معدل حدوث الانتكاسات.
سيبونيمود: يمكن لهذا الدواء، الذي يُعطى عن طريق الفم مرة واحدة يوميًا، التقليل من معدل الانتكاسات والمساعدة في الحد من تفاقم مرض التصلب المتعدد.
أوزانيمود: يقلل هذا الدواء، الذي يُعطى عن طريق الفم مرة واحدة يوميًا، من معدل حدوث انتكاسات التصلب المتعدد.
بونسيمود: يُؤخذ هذا الدواء عن طريق الفم مرة واحدة يوميًا بجرعات تتزايد تدريجيًا، ويؤدي هذا الدواء إلى تقليل معدل الانتكاسات.
كلادريبين: يوصف هذا الدواء عمومًا كخط علاج ثانٍ للمصابين بالتصلب المتعدد، ويُعطى في دورتين علاجيتين موزعتين على فترة أسبوعين، وعلى مدار عامين.
تتضمن علاجات التسريب الوريدي ما يلي:
ناتاليزوماب: هو جسم مضاد أحادي النسيلة ثبت أنه يقلل من معدلات الانتكاس ويبطئ من احتمالات حدوث العجز الناتج عن التصلب المتعدد، ويمكن اعتباره خيار العلاج الأول لبعض الأشخاص ذوي التصلب المتعدد الحاد أو كخيار علاج ثانٍ في حالات أخرى.
أوكريليزوماب: يقلل هذا العلاج من معدل الانتكاس ومن خطورة تدهور درجة العجز لدى المصابين بالتصلب المتعدد، ويعمل على إبطاء تقدم النمط المتفاقم الأولي من التصلب المتعدد.
يُعطى عقار أوكريليزوماب عن طريق التسريب الوريدي بواسطة المهنيين الطبيين.
عقار ألمتوزوماب: هذا العلاج هو جسم مضاد أحادي النسيلة يقلل من معدلات الانتكاس السنوية وتظهر فوائده في التصوير بالرنين المغناطيسي.
كيف يمكن التعايش مع مرض التصلب المتعدد
تختلف تأثيرات التصلب المتعدد ومدى سرعة تفاقمه بشكل كبير وغير متوقع، ويمكن أن تستمر فترات الهدوء لمدة تصل إلى عشر سنوات أو أكثر، ولكن قد يصبح بعض المرضى عاجزين بسرعة، إلا أن نحو 75% من مرضى التصلب المتعدد لا يحتاجون نهائيًا إلى استخدام الكرسي المتحرك، ولا تتعطل نشاطات حوالي 40% منهم، وبشكل عام يُنصح المرضى بما يلي:
-
الراحة.
-
ممارسة التمارين الرياضية.
-
تجنب التعرض للحرارة، مثل حرارة الشمس أو عند الاستحمام بالماء الساخن أو التعرض للهواء الساخن.
-
تناول أغذية متوازنة صحية تساعد في الحفاظ على وزن صحي وتقوي المناعة وتحافظ على عظام صحية.
-
تجنب الضغوطات.