انتبهوا أيها السادة

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى دمشق تتوّج سنوات من الإرهاب والهندسة الطائفية في سوريا، وربما تكون نقطة البدء الإيراني باتجاه الأردن والسعودية.

الهتافات الطائفية أمام سيارة الرئيس الإيراني لدى وصوله إلى دمشق، في 3 من أيار الحالي، تذكرنا بهتافات شبيحة الأسد أمام سيارة لافروف عشية بدء الجيش الروسي بتدمير سوريا 2015، وتذكرنا أيضًا بسيارة حافظ الأسد التي رفعها أزلامه على أكتافهم في الثمانينيات بعد خروجه من المستشفى، في أثناء صراعه مع أخيه رفعت على السلطة.

هذه التذكارات السياسية لم تجلب إلا المزيد من الخراب على السوريين، ولعل هذه الزيارة الإيرانية ستكون آثارها على المحيط العربي أشد سوءًا، بعد التسليم السعودي بالنفوذ الإيراني في المنطقة، فتسليم اليمن للسعودية يقابله اليوم وعلنًا تسليم سوريا لإيران لتكمل هلالها الشيعي في العراق وسوريا ولبنان.

ذلك الهلال الذي فطن له مبكرًا الملك الأردني الراحل، الحسين بن طلال، ولعل سياسة “الكبتاجون” أول الإجراءات الإيرانية باتجاه هدفها السياسي البعيد وهو الوصول إلى مكة المكرمة، بعدما فشلت سابقًا في هذا الوصول عبر الأعمال الإرهابية في مواسم الحج، التي تسببت مع أحداث أخرى بقطع العلاقات السعودية- الإيرانية طوال السنوات السابقة.

الأجواء الحماسية في استقبال الرئيس الإيراني من قبل مؤيدي الأسد رفع حرارتها المتطرفون اللبنانيون والجيش اللبناني بحملة كراهية ضد السوريين في لبنان، ورمى الجيش المئات منهم بأيدي المخابرات السورية، التي تعتبر أن النصر قد اكتمل بوصول الرئيس الإيراني، ولعل قائد الجيش اللبناني، جوزيف عون، المرشح للرئاسة، كان يحاول استرضاء الرئيس الزائر للمنطقة بالتضحية بعدد من اللاجئين السوريين علّه يوقف انحياز إيران لترشيح سليمان فرنجية، حليف الأسد.

تتحدث إيران عن ديونها التي لا تقل عن 30 مليار دولار على النظام السوري، وتحاول استعادتها، كما صرح وزير إيراني من طهران قبيل الزيارة، فالروس سبقوا الإيرانيين وأخذوا الفوسفات والمرافئ في طرطوس واللاذقية، وبقي لإيران الاتفاقيات الاقتصادية المشكوك بشرعيتها.

إيران على عكس ما يعتقد رجالات نظام الأسد، غير حريصة على بشار الأسد بقدر حرصها على تجذير وجودها واسترجاع خسائرها المالية، عبر الاستفادة من التمويل الخليجي المتوقع لإعادة إعمار ما دمرته إيران وروسيا، وحتى استمرار الدولة السورية ليس من أهدافها، فسقوط الدولة كان أهم ضمانة لاستمرارها في العراق ولبنان، وسيكون الأمر كذلك في سوريا، ولن تتحمل تكاليف النفخ في جثة الأسد إلى الأبد.

قد تكون إيران وزيارة رئيسها مجرد مخلب روسي- سورياصيني ورسالة إلى الأمريكيين والإسرائيليين بأن سوريا لا تزال تحت نفوذهم، والصلح السعودي- الإيراني الذي حصل قبل شهرين في بكين قد وصلت نتائجه إلى الحدود الإسرائيلية وقرب القواعد الأمريكية في ريف دمشق وحمص.

هذه الزيارة أيضًا تجدد الخيبة الإسرائيلية من معاداتها لإرادة الشعب السوري، وتمسّكها باستمرار نظام الأسد، وتجعل الميليشيات الإيرانية وقوات “حزب الله” اللبناني تمتلك مساحات واسعة في سوريا للمناورة ولتحضيرات الهجمات ضدها، التي قد تحمي إيران من أي هجوم إسرائيلي محتمل ضد الأراضي الإيرانية.

وفي الجهة الأخرى، تشكّل هذه الزيارة خيبة أمل للأتراك المتلهفين إلى مقابلة الأسد، وخاصة من أحزاب المعارضة التي تعتبر بشار الأسد ملاكًا يجب التوجه إليه لحل مشكلة اللاجئين، متناسية أنه هو من صنع هذه المشكلة، ويصر على قبض ثمن صناعته الوحشية من المجتمع الدولي، بتنازلات سياسية وبمساعدات مالية تعيد بناء دولة الأسد.

لن نذهب بعيدًا مع الناشط مصطفى حديد، الذي يعتبر في صفحته أن هذا التقارب العربي مع الإيرانيين ما هو إلا خدعة أمريكية جديدة بالتوافق مع الإيرانيين، وهي تعيد مسرحية خداع العرب في العراق حين تم التواطؤ فيه بين الأمريكيين والإيرانيين بعد سقوط نظام صدام حسين.

الآن اكتمل الاستعراض الإيراني في دمشق، ولعل هذه الزيارة ستنتهي بتأسيس ساحة وتمثال لقاسم سليماني في دمشق لينطلق إلى غيرها من العواصم العربية في السنوات المقبلة، وهو سينطلق وعلى مهل إلى أحداث واستعراضات في دولة عربية أخرى، لعل الأردن أبرز المرشحين لها، ولن تفرّط إيران باستغلال التناقضات الأردنية والمشكلات الداخلية، فملالي إيران ينسجون خططهم السياسية على مهل وبصبر صانع السجادات الطويل.

انتبهوا أيها السادة، فدولة ولاية الفقيه تتنفس الصعداء في بلاد الشام، وهي تمسك أيضًا بـ”حزب الله” اللبناني، وبأحزاب “الحشد العراقي” التي تفاخر بعمالتها لإيران، وما علينا إلا انتظار الانفجار المقبل على طريق خط الحجاز الذي خسره الأتراك قبل مئة عام، وقد يكسبه الإيرانيون خلال عقود قليلة، إذا استمر التخاذل العربي على هذا المنوال.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة