عنب بلدي – محمد فنصة
خابت التوقعات بعد زيارة وزير النفط في حكومة النظام السوري، فراس قدور، إلى الجزائر، بشأن إمكانية عقد اتفاقية لتوريد الغاز الجزائري إلى سوريا، بعد تلميحات بدأت منذ أكثر من ستة أشهر.
ولم ينتج عن زيارة وزير النفط المعيّن حديثًا إلى الجزائر، في 26 من نيسان الماضي، التي استمرت لمدة ثلاثة أيام، ما يصب في اتجاه تصدير الغاز الجزائري لسوريا.
وبحسب بيان وزارة الطاقة والمناجم الجزائرية، الذي صدر في ختام الزيارة، شملت فرص التعاون بين البلدين، مجالات التنقيب عن المحروقات والمسح الزلزالي، وتسويق المنتجات البترولية، والصيانة الكهربائية وقطع الغيار، وتبادل الخبرات في المجال المنجمي.
تجنبًا للعقوبات
التصريحات حول إمكانية استيراد الغاز الجزائري صدرت عن حكومة النظام منذ نحو ستة أشهر، في عهد وزير النفط السابق، بسام طعمة، الذي كشف عن مفاوضات مع الجزائر، جرت في 12 من تشرين الأول 2022، في موسكو، حيث اتفق الطرفان على تسريع إجراءات إبرام عقد تعاون بين البلدين، لتزويد سوريا بالغاز المنزلي.
وأكد حينها وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، استعداد بلاده لاستقبال وفد سوري لإنهاء الإجراء سريعًا، لكن الوفد لم يذهب حتى الشهر الماضي برئاسة وزير نفط جديد، ودون أي نتائج تسفر عن عقد صفقة لنقل الغاز.
وجرى اجتماع الوزيرين حينها، طعمة وعرقاب، على هامش “أسبوع الطاقة الروسي”، مع الحديث عن صفقة لتوريد الغاز بعد عدة زيارات دبلوماسية بين الطرفين، بناء على العلاقات السياسية التي لم تنقطع بين النظام والجزائر.
المحلل الاقتصادي في شؤون الشرق الأوسط محمد الفتيح، تجنب مقاربة ملف التعاون بين سوريا والجزائر بطريقة “أبيض أو أسود”، بمعنى تصوير الأمر على أن الجزائر إما ستمتنع تمامًا عن توريد الغاز، وإما ستورده بكميات “هائلة” تسد أي نقص يعانيه قطاع الطاقة السوري، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
ورجح الفتيح أن تكون العقوبات الأمريكية والأوروبية عاملًا مهمًا في التأثير على القرار الجزائري، خصوصًا في الوقت الذي تحاول فيه الجزائر الحفاظ على مستوى جيد من العلاقات مع الولايات المتحدة لتعزيز موقعها خلال النزاعات السياسية المزمنة مع المغرب.
وتحاول الجزائر تعزيز علاقاتها مع الدول الأوروبية واحتواء الخلافات مع فرنسا، لكن الفتيح لا يستبعد احتمال أن تقدم الجزائر “كميات صغيرة” من الغاز بما ينسجم مع مقاربتها السياسية للملف السوري، دون أن يكون لهذه التوريدات تأثيرات ملحوظة على استقرار قطاع الطاقة وتوليد الكهرباء في سوريا.
وشهد الأسبوع الذي سبق اجتماع وزيري النفط على هامش “أسبوع الطاقة الروسي”، تقديم أعضاء من “الكونجرس” الأمريكي تعديلًا على قانون العقوبات المفروضة على النظام السوري “قيصر”، ليشمل التعاملات التجارية للغاز والكهرباء.
وتمنع العقوبات الأمريكية إتمام مشروعين منفصلين هدفهما مد لبنان بالكهرباء عبر سوريا (خط الغاز العربي بين مصر والأردن وسوريا ولبنان، والربط الكهربائي بين الأردن ولبنان عبر سوريا)، إذ لم يتم إنجازهما كليًا حتى الآن، بسبب عدم الحصول بشكل رسمي على موافقة أمريكية باستثناء هذه المشاريع من العقوبات المتعلقة بقانون “قيصر”.
عوائق إضافية
تعتبر الجزائر من أكبر عشر دول منتجة للغاز الطبيعي في العالم والثالثة عربيًا بعد قطر والسعودية، بحصة إنتاج بلغت 100 مليار متر مكعب عام 2021، بحسب إحصائيات شركة “bp” للبترول، وبحصة صادرات قدرها 56 مليار متر مكعب عام 2022.
ولا يزيد إنتاج الغاز الطبيعي في سوريا سنويًا، بحسب بيانات وزارة النفط والثروة المعدنية، على 4.5 مليار متر مكعب، بمعدل إنتاج يومي بلغ 12.5 مليون متر مكعب، منها 12 مليون متر مكعب يوميًا من الغاز النظيف، وهو ما تسبب بزيادة معاناة السوريين بالحصول على الغاز المنزلي، بعد اعتماد تسليمه عبر “البطاقة الذكية”.
ويرى الأكاديمي الاقتصادي محمد الفتيح، أن الجزائر تحتاج إلى تحقيق أكبر عائد مالي ممكن من قطاع الطاقة لديها، فالبلاد لم تتعافَ بالكامل من الاضطرابات التي شهدتها عام 2019، والحكومة الجزائرية أظهرت، في كانون الأول 2022، خلال إقرار الموازنة العامة للعام الحالي، حرصها على تجنب فرض أي ضرائب أو رسوم مالية جديدة للحفاظ على مستويات الدعم.
ويبلغ العجز المتوقع للعام الحالي 43 مليار دولار من إجمالي الموازنة المقدّرة بـ100 مليار، بالمقارنة مع 74 مليارًا لعام 2022، إذ استفادت الجزائر من طفرة أسعار النفط والغاز في 2022، على خلفية الصراع الروسي- الغربي، لاحتواء العجز الذي قُدّر حينها بـ31 مليارًا.
التراجع الملحوظ لأسعار الطاقة بالمقارنة مع أسعار عام 2022، سيجعل الجزائر أكثر حرصًا على تحقيق أكبر عوائد مالية ممكنة، عبر تصدير القسم الأكبر من الطاقة الجزائرية للدول الأوروبية، وفق الفتيح.
لا وجود روسي في معادلة الغاز
تربط بين الجزائر والدول الأوروبية المستوردة للغاز ثلاثة أنابيب عابرة للبحر، بينما لا توجد أي أنابيب تربط بين سوريا والجزائر، كما لا تملك سوريا أي ناقلة نفطية، ما يزيد من المصاعب اللوجستية في نقل الغاز الجزائري.
وأوضح المحلل الاقتصادي أن أزمة الطاقة بعد الحرب الروسية- الأوكرانية زادت من الطلب على سفن نقل الغاز والنفط، وهذا ما زاد من تكاليف النقل عبرها.
على الجانب الآخر، أشار الفتيح إلى عدم وجود أي عمليات نقل للغاز الروسي إلى سوريا حتى الآن، على الرغم من إيقاف روسيا تصدير الغاز لأوروبا، ولجوئها لتصدير الفائض الهائل لديها من الغاز عبر البحر للصين والهند.
وأرجع الفتيح الامتناع الروسي أيضًا إلى العقوبات الغربية، إذ إنه حتى الآن لا توجد عقوبات تحظر التعامل مع صادرات الطاقة الروسية، كما هي الحال مع إيران التي تنقل كميات من الغاز والنفط الخام إلى المواني السورية.
وسيجعل نقل روسيا للغاز إلى سوريا، الشركات المصدّرة والناقلة للغاز “عرضة” للعقوبات الغربية المفروضة على سوريا، وفق رؤية الاقتصادي في شؤون الشرق الأوسط.
تقع روسيا في المركز الثاني عالميًا بإنتاج الغاز الطبيعي، بحصة إنتاج بلغت نحو 700 مليار متر مكعب عام 2021، وكانت شركة الغاز الروسية الكبرى “غازبروم” أشارت إلى أن صادراتها من الغاز خارج الاتحاد السوفييتي السابق تراجعت عام 2022 بنسبة 45% إلى 100.9 مليار متر مكعب، وهو أدنى مستوى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.