عنب بلدي – يامن مغربي
شهدت السنوات الماضية مشاركة عديد من الممثلين السوريين في أعمال درامية مصرية، خصوصًا مع الضعف الذي أصاب الإنتاج الدرامي السوري نتيجة الظروف الاقتصادية والأمنية التي عاشتها البلاد.
وبقدر ما تعد المشاركة في الأعمال الدرامية والسينمائية المصرية عاملًا مهمًا لانتشار أي ممثل على الصعيد العربي، باعتبارها بلدًا صاحب باع طويل في الصناعة الفنية، فإن الأمر لا يبدو بهذه السهولة، إذ إن دخول السوق المصرية يفرض صعوبات وتحديات على الممثلين السوريين، أبرزها اللهجة وتنميطهم بأدوار معيّنة.
اللهجة التحدي الأبرز
تحظى اللهجة المصرية بانتشار واسع في العالم العربي لعدة أسباب، أبرزها انتشار الأعمال الفنية المصرية (أفلام، أغانٍ، مسرحيات، وغيرها)، كما أنها تعد لهجة سهلة النطق والفهم.
ما يبدو سهلًا في السمع، ليس بالضرورة أن يكون كذلك في النطق، ويعد إتقان اللهجة شرطًا للوصول إلى الجمهور المصري.
وسبق أن وُجهت انتقادات عدة للممثل السوري جمال سليمان، لعدم إتقانه لهجة المناطق الصعيدية في مصر، بعد عمله في عدة مسلسلات، كان آخرها مسلسل “عملة نادرة” (2023).
وترى الممثلة السورية ناندا محمد، المقيمة في مصر، والتي شاركت في مسلسلي “حق ميت” (2015) و”بطلوع الروح” (2022)، أن عملية الإتقان إضافة لأي ممثل غير مصري يعمل في مصر.
وقالت ناندا التي عملت في عديد من المسلسلات السورية قبل 2011، إن كلا العملين قدمها بشكل جيد للغاية للجمهور المصري.
وعُرفت ناندا في الدراما السورية عبر مسلسلات “صقر قريش” (2002) و”عصي الدمع” (2005) و”ندى الأيام” (2006)، كما شاركت في مسلسل “العرّاب- نادي الشرق” (2015).
تخرّجت ناندا محمد في المعهد العالي للفنون المسرحية بالعاصمة السورية دمشق، عام 2001.
وشهد الموسم الرمضاني الأخير (2023) ترشح الممثل السوري نور علاء حور لجائزة “أفضل ممثل صاعد” عن دوره في مسلسل “الكتيبة 101″، ضمن مسابقة “كأس إنرجي للدراما“.
حور، المنحدر من مدينة اللاذقية، وخريج المعهد العالي للفنون المسرحية 2013، شارك في عدة أعمال مصرية خلال السنوات الماضية، ضمن أدوار صغيرة، كمسلسلات “القاهرة- كابل” (2022)، و”أنصاف مجانين” بجزأيه (2021)، قبل أن يشهد 2023 انطلاقة حقيقية له.
أحد أبرز التحديات التي واجهها حور في تجربته ضمن الدراما المصرية، كان محاولة الهروب من الأدوار النمطية وحصره بالشاب السوري أو الأجنبي.
وقال حور لعنب بلدي، “لا أصنف الأمر ضمن الصعوبات، أنا فقط بانتظار الفرصة التي تناسبني، أصعب ما في الأمر هو التنميط، ومحاولة تمثيل شخصيات بعيدة عني أو عن الشارع المصري، لكن الدراما المصرية غنية، وكذلك الإنتاج المصري”.
وصفت ناندا محمد ونور علاء حور تجربتهما بـ”الإيجابية”، في أثناء حديثهما إلى عنب بلدي.
وعن غياب حور عن المشاركة في المسلسلات السورية، قال إنه مستقر في مصر منذ عام 2009، ولديه معارف وصداقات في مجالَي المسرح والدراما، لذا فإن الفرصة صعبة لتقديم نفسه في الدراما السورية خلال الوقت الحالي.
وقبل التحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية في مصر عام 2009، خاض حور عدة تجارب مسرحية في سوريا على مستوى الهواة، ورغم أنها كانت فترة مهمة وفق وصفه، فإن الأمر اختلف عقب التحاقه بالمعهد مع انتقاله لمرحلة الاحتراف، وفق تعبيره.
وبحسب حور، فإن الشغف هو نفسه في العمل المسرحي بين سوريا ومصر، وكما أعد وأخرج ومثّل في مسرحيات للكاتب سعد الله ونوس ومحمد الماغوط في مصر، فعل الأمر نفسه في سوريا عن نصوص يوسف إدريس وصلاح عبد الصبور.
شروط للنجاح
هناك شروط لنجاح أي عمل لأي شخص، بغض النظر عن نوع العمل الذي يقوم به، وهناك شروط صعبة أمام نجاح الممثل، أهمها الاحتراف والالتزام والتطور الدائم والعلاقات الجيدة في الوسط الفني.
ولكل بيئة عمل درامية خصوصية معيّنة، وليس من الضرورة أن يكون شكل الإنتاج في سوريا هو ذاته في مصر، حتى لو كان ضمن القالب العام للإنتاج الدرامي نفسه من حيث العناصر الأساسية، إلا أن طريقة التنفيذ والقوانين إن وجدت والأعراف العامة لتقاليد المهنة مختلفة.
أحد الفروقات يكمن في أن الدراما المصرية صاحبة تاريخ أطول وتقنيات أعلى، وفق ناندا محمد، التي أشارت في حديثها لعنب بلدي إلى أن الدراما المصرية “صناعة في غاية الأهمية للبلاد، كما أنها تمتلك قواعد أكثر متانة من تلك الموجودة في سوريا”.
ولخّصت محمد عوامل النجاح في الدراما المصرية للممثلين غير المصريين، بأن يكون الممثل محبوبًا ومستقرًا أغلب وقته في مصر، ومتفرغًا للعمل في الدراما والمسلسلات، والعامل الأخير هو ما منع ناندا من المشاركة في عديد من الأعمال الدرامية المصرية لارتباطها بالمسرح وجولاته الدولية.
بدأ بث التلفزيون المصري للمرة الأولى في أثناء الوحدة السورية- المصرية التي أنتجت “الجمهورية العربية المتحدة” بين عامي 1958 و1961، وكان تاريخ 21 من تموز 1960 إشارة انطلاق التلفزيون الذي كان يبث لمدة خمس ساعات فقط، وبعدها بعامين عُرض أول عمل درامي مصري حمل عنوان “هارب من الأيام”، وفق صحيفة “”اليوم السابع” المصرية، وكان من بطولة سعيد صالح.
وبحسب تقرير نشره موقع “فنك” في كانون الثاني 2022، فإن أول عمل درامي سوري كان عبارة عن سهرة تلفزيونية حملت اسم “الغريب”، من بطولة ثراء دبسي وبسام لطفي، ودارت حول الثورة الجزائرية.
الفوارق تراها ناندا محمد أيضًا من خلال النصوص الدرامية، ففي حين كانت الدراما المصرية تميل إلى البطولة المطلقة لنجم واحد، اتخذت الدراما السورية المنحى المعاكس إلى البطولة الجماعية.
وأوضحت ناندا محمد أن هذا الأمر لا يعني غياب تجارب لصناعة مسلسلات مصرية ذات بطولة جماعية، إلا أن النصوص الدرامية السورية كانت أفضل وأكثر اهتمامًا بجميع الشخصيات التي تمتلك خطًا دراميًا فعالًا.