عنب بلدي – خالد الجرعتلي
بعد أكثر من 13 عامًا على لجوء السوريين إلى تركيا، حصل بعضهم على الجنسية التركية، والتحق شبان بالخدمة العسكرية الإلزامية في البلاد.
وبينما اعتبر بعضهم الخدمة العسكرية “فندقًا” مقارنة بنظيرتها في سوريا، واجه آخرون بعض الصعوبات بسبب جهلهم بلغة البلاد.
ومع تصاعد الخطاب العنصري في البلاد، يتخوف السوريون الحاصلون على الجنسية التركية، والمقبلون على أداء الخدمة العسكرية، من جهلهم النسبي بلغة البلاد.
لا عنصرية في قطعات الجيش
تعتبر الأمور الإدارية المتعلقة بالالتحاق بخدمة العلم متشابهة بين تركيا وسوريا، باستثناء أن الأتراك يعتبرونها لحظة سعيدة على عكس ما يراها الشبان داخل سوريا.
“عبد المجيد”، اسم مستعار لشاب سوري حصل على الجنسية التركية قبل عدة سنوات، ومع اقتراب موعد الالتحاق بالخدمة العسكرية، نظم احتفالًا على الطريقة التركية، وجاب مع أصدقائه شوارع اسطنبول فيما يشبه “العراضة”، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
لم يكن يعرف ما ينتظره، لكن المعلومات التي تمكن من الحصول عليها خلال الأشهر السابقة لالتحاقه بالخدمة جعلته متفائلًا.
“عبد المجيد” الذي طلب إخفاء اسمه الحقيقي لخصوصية قطاع الجيش، يروي لحظات الالتحاق بقطعته العسكرية، وكان مركز التجمع يشبه “فندقًا”، كما وصفه، مضيفًا أنه “يعاكس جميع القصص الرديئة التي تروى عن الخدمة العسكرية في الجيش السوري”.
ومع أن لغته التركية لم تكن جيدة خلال الفترة التي التحق فيها بالخدمة، لم يواجه “عبد المجيد” أي نوع من التمييز، بل كان يُنظر إليه على أنه جاء لخدمة البلاد، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
أحد زملائه في الجيش ناداه بـ”السوري” فعاقبه الضابط إثر ذلك، مع أنه كان يمازحه غير قاصد تمييزًا أو عنصرية، بحسب الشاب.
ولا يعني حصول الأجنبي على جنسية بلد ما حصوله على حقوق المواطنة فيه فقط، فالجنسية تلزمه بقوانين وواجبات البلد، بما في ذلك الخدمة العسكرية الإلزامية، وهو ما حصل مع سوريين حصلوا على الجنسية التركية وهم دون سن الخدمة.
ويطبّق على السوري الحاصل على الجنسية التركية القانون رقم “12/6586″، الذي عُدّل بتاريخ 15 من كانون الثاني 2014، وينص على أن “كل شخص تركي مسجل في النفوس، سيتم طلبه لأداء الخدمة العسكرية عند إتمامه سن الـ21، وحتى عمر الـ40″، كما خفّض بموجبه مدة التجنيد إلى 12 شهرًا، بعد أن كانت قبل ذلك 15 شهرًا.
ويشير القانون إلى أنه يمكن تمديد فترة الخدمة إلى خمس سنوات، وفقًا لما تقتضيه الحاجة وتحدده وزارة الدفاع، ومن الممكن أيضًا، في حالات النفير العام، أن يُستدعى للخدمة المؤجل لها، رغم عدم انتهاء مدة تأجيله.
كما لا يُعفى الوحيد لعائلته (دون إخوة ذكور) وعليه أداء الخدمة، أما من لديه تقارير صحية تمنعه من الخدمة فيستثنى وفقًا للقانون.
نوع الجنسية يؤثر
رغم تجاوز عادل السن القانونية لأداء الخدمة العسكرية، بحسب ما ينص عليه القانوني التركي، عندما حصل على جنسية البلاد، كان مجبرًا على الالتحاق بالخدمة، نظرًا إلى كونه من أصول تركية.
عادل قال لعنب بلدي، إن كبر سنه مقارنة برفقاء الخدمة دفعهم لاحترامه، إذ لم يواجه أي تمييز كونه قادمًا من سوريا.
وأضاف أن أصوله التركية كانت معروفة بالنسبة للجميع، إلى جانب أنه يتحدث التركية بشكل جيد، ما حال دون تعرضه لأي تمييز في قطعته العسكرية.
وأشار عادل إلى أنه كان الوحيد في القطعة العسكرية الذي يؤدي خدمة العلم بعد حصوله على الجنسية التركية، وهو ما قاله “عبد المجيد” أيضًا.
وتختلف أنواع الجنسية التي يحصل عليها الأجانب في تركيا، إذ تعتبر الجنسية “الاستثنائية” الأكثر انتشارًا، ويحصل عليها السوري بموجب اختيار القانون له، ولا يمكنه التقدم للحصول عليها.
وتعتبر الجنسية بموجب الأصول نادرة في تركيا، إذ تتطلب إثبات أن أصول اللاجئ السوري تركية، وقد تتطلب إحضار أوراق ثبوتية لأحد الأجداد، صادرة عن دوائر الدولة خلال فترة الحكم العثماني.
جنسية “الأصول” هي التي حصل عليها عادل، والتحق بالخدمة العسكرية الإجبارية وقد قارب الـ40 عامًا.
مقارنة بين جيشين
مع الخدمات الذي وصفها “عبد المجيد” لعنب بلدي بـ”الجيدة” في القطع العسكرية، أجرى مقارنة بين خدمة العلم في سوريا ونظيرتها في تركيا، معتبرًا أن القصص التي لطالما سمعها عن الخدمة في سوريا، تمنى ألا يراها في تركيا، وهو ما حصل فعلًا.
وأضاف أن “الأسطورة” التي لطالما سمعها من أقاربه ممن خدموا في “الجيش السوري” عن صعوبة الحصول على إجازة، لم يسبق أن واجهها هنا، إذ دائمًا ما تكون يسيرة، حتى إن الضابط المسؤول عنه عرض عليه المال في إحدى المرات عند ذهابه في إجازة لزيارة منزله.
عادل أيضًا كانت له نظرته في هذا الصدد، إذ وصف خدمته في تركيا بـ”الجيدة”، تتوفر فيها خدمات ممتازة، وعلاقة ودية بين الجميع.
ورغم عدم توفر أي أمور مشتركة بين الجنود في القطعات العسكرية قد تحولهم إلى أصدقاء خارجها، طغى الود على العلاقة بين الناس، بحسب ما قاله عادل.
الجهل باللغة
جميع مراحل الخدمة العسكرية التي تحدث عنها عادل و”عبد المجيد” لعنب بلدي، مر بها نورس أيضًا، وهو شاب سوري حصل على “الجنسية الاستثنائية” قبل نحو خمس سنوات، لكن الفترة التي سبقت التحاقه بالقطعة العسكرية كانت “مرعبة” كون معرفته باللغة التركية ضئيلة جدًا.
وبعد انخراطه في التدريبات العسكرية، لم يواجه تمييزًا أو صعوبة في التأقلم، بل حاول معظم الناس مساعدته لتعلم بعض الكلمات التركية، حتى إن الضابط المسؤول عنه كان دائمًا ما يبحث عن شخص يتحدث بعض العربية ليشرح لنورس بعض الأمور.
وأضاف لعنب بلدي أن رفاق الخدمة كانوا يحاولون عدم ذكر كلمة سوري أمامه، إذ يخبرونه بأن “ابن مدينتك جاء”، للإشارة إلى دخول سوري جديد إلى القطعة العسكرية التي يخدم بها، إذ يعتبر التمييز غير مسموح به.
تبلغ أعداد السوريين المجنسين في تركيا 223.881 سوريًا، وفق أحدث تصريحات وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في 18 من كانون الأول 2022.
ويعيش في البلاد أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري بموجب قانون “الحماية المؤقتة”.
قانون الإعفاء
في 25 من حزيران 2019، أقر البرلمان التركي تعديلات جديدة على قانون خدمة العلم التركي القديم الصادر عام 1927.
التعديل الجديد نص على تخفيض فترة الخدمة الإلزامية من 12 شهرًا إلى ستة أشهر إلزامية، تتبعها ستة أشهر طوعية ومأجورة للأفراد الراغبين بذلك.
وأتاح لمن أتم 20 عامًا أن يدفع بدلًا قدره 31 ألف ليرة تركية، مقابل إعفاء جزئي من الخدمة.
أما فيما يتعلق بالأجانب الحاصلين على الجنسية التركية، فحافظ التعديل على المادة نفسها وأقر بتكليف الأجنبي بخدمة العلم في تركيا.
المادة “43” في القانون، تنص على تكليف كل أجنبي حصل على الجنسية التركية وهو في عمر أقل من 22 عامًا بخدمة العلم.
وجاء في المادة أيضًا، “القانون سينظر إلى عمر ووضع الشاب التعليمي، إذا حصل الشاب على الجنسية التركية وهو في عمر أقل من 22 سنة فهو مكلف بخدمة العلم، ويعفى منها من خدم العلم في بلده، أو تم إعفاؤه هناك، أو من حصل على الجنسية وهو في عمر 22 سنة”.
دخل قانون خدمة العلم الجديد حيز التنفيذ بعد الموافقة عليه في البرلمان التركي، ونُشر بالجريدة الرسمية في 26 من حزيران 2019.