على مدى سنوات، كرر المسؤولون الإيرانيون ذكر مشروع الربط السككي بين إيران والعراق وسوريا، لتأمين خط نقل يصل إلى البحر المتوسط، أحدثها كان خلال زيارة وفد إيراني برئاسة وزير الطرق والبناء الإيراني، مهرداد بازارباش، العاصمة دمشق، ولقائه بعدد من المسؤولين السوريين منهم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، حيث تحدث عن ضرورة تفعيل خطوات هذا المشروع.
وجاء في تصريح بازارباش، في 25 من نيسان الماضي، وجود سياسات إيرانية لتوسيع الممرات السككية من إيران عبر العراق إلى سوريا، تهدف لنقل المسافرين والسلع بين البلدين، كما توجد رغبة إيرانية “لإعادة إعمار” خطوط السكك الحديدية السورية المدمرة “بفعل الإرهاب”، حسب وصف الوزير الإيراني، لتسهيل وجود خط سككي مباشر من إيران إلى سوريا.
بدوره أشار وزير النقل في حكومة النظام، زهير خزيّم، إلى التعاون في مجال الربط السككي الثلاثي بين سوريا والعراق وإيران، عبر سكة حديد من مدينة شلمجة في إيران إلى البصرة في العراق باتجاه سوريا.
وتعد شبكة الخطوط الحديدية السورية متهالكة، بعد 13 عامًا من الصراع، إذ يعتبر نحو 73% منها خارج الخدمة، وتعرضت لخسائر وصلت لأكثر من مليار دولار، بحسب تصريحات مسؤولي حكومة النظام السوري.
وقال مدير “الخطوط الحديدية السورية”، مضر الأعرج، في آذار الماضي، إن خسائر القطاع في سوريا، تخطت مليار دولار، نتيجة “الحرب والاستهدافات الإرهابية”، مما أدى لخروج معظم محاور الشبكة عن الخدمة، وانخفاض حجم النقل في مجالي نقل الركاب والبضائع.
وأكد الأعرج عدم تمكن المؤسسة تأمين القطع التبديلية والمواد والمعدات والآليات اللازمة لإعادة ترميم وتأهيل البنى التحتية، الأمر الذي يفرض إيجاد الحلول الممكنة وفق الامكانيات المتاحة “لإعادة إحياء القطاع تدريجيًا وفق الأولويات المطلوبة”.
وزير النقل السوري السابق، علي حمود، صرح لوكالة “سبوتنيك” الروسية، عام 2018، أن شبكة السكك الحديدية، الذي يبلغ طولها 2450 كيلومتر في سوريا، تضرر 1800 كيلومتر منها.
وفي تموز 2022، قال مدير مؤسسة “الخطوط الحديدية” حينها، نجيب الفارس، لصحيفة “الأخبار” اللبنانية، إن الأضرار لحقت بـ80% من المحطات، و100% من منظومة شبكة الإشارات والاتصالات، وكذلك بالرؤوس القاطِرة، وشبكات الخطوط وعربات الركّاب وآليات الصيانة.
وتسعى حكومة النظام للحصول على التمويل اللازم لإعادة إعمار محاور السكك الحديدية القائمة والمدمرة، بالإضافة إلى تطوير ما هو موجود حاليًا من خطوط، ورفع الطاقة النقلية والتمريرية لها، وإنشاء محاور جديدة، وفق الفارس.
روسيا تصلح مايلزمها.. إيران بالانتظار
بعد هدوء نسبي في الأوضاع العسكرية في سوريا، تنافست كل من روسيا وإيران، حليفا النظام، على عقود بقطاعات الطاقة والفوسفات والزراعة والعقارات في سوريا، وتزايدت حدة التنافس بسبب عدم وجود آلية شاملة لتنسيق الاستثمار بينهما، بحسب تقرير لمركز “الدراسات الاستراتيجية والدولية”.
وحصلت روسيا على عقود في قطاعات الفوسفات والنفط والغاز على حساب المصالح التجارية الإيرانية، إذ في نيسان 2018، صدق بشار الأسد على العقد الموقع بين “المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية” السورية، و”ستروي ترانس غاز” الروسية، لاستخراج الفوسفات من مناجم “الشرقية” في تدمر وسط سوريا، لمدة 50 عامًا.
وبعد الهيمنة على فوسفات تدمر، وقّعت الشركة الروسية نفسها (ستروي ترانس غاز)، في تشرين الثاني 2018، مع “الشركة العامة للأسمدة” في حمص، عقدًا لاستثمار الشركة ومعاملها الثلاثة لـ40 عامًا قابلة للتمديد.
وفي ذات اللقاء مع وكالة “سبوتنيك“، قال وزير النقل السوري السابق، علي حمود، “بدأنا مع الأصدقاء الروس بالطرق السككية الأهم، والآن نحن قمنا بإيصال الخط الحديدي من طرطوس حتى مناجم الفوسفات، لنقل هذه المادة بواسطة القطار وتصديرها أو الاستفادة منها في المنشآت السورية بمختلف المحافظات”، مشيرًا إلى دراسات لتطوير هذا الخط.
أما إيران، فلم يكن تصريح وزير الطرق والبناء الإيراني، مهرداد بازارباش، في زيارته الأحدث الأول من نوعه، بل كثيرًا ما حاول سلفه الذي توفي قبل أشهر، رستم قاسمي، التأكيد على ضرورة تنفيذ المشروع السككي الذي يربط طهران بالبحر المتوسط، سواء في زياراته إلى العراق أو سوريا، حيث كان يلتقي بشار الأسد.
ومنذ عام 2018، أوعز الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، بمد سكة حديد من منفذ شلمجه الحدودي إلى مدينة البصرة في العراق، يبلغ طولها 32 كيلومترًا، بحسب مساعد مدير شركة سكك الحديد الإيرانية، مازیار یزداني.
وسعت إيران إلى فتح ممر بري يصل إلى البحر المتوسط في سوريا عبر العراق، ما سيحقق مكاسب عديدة ستجنيها طهران من الطريق على جميع الأصعدة، وكانت تخطط لفتح الطريق البري، الاستراتيجي لها، عبر منطقة التنف الحدودية جنوبي سوريا، لكن دخول قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا أوقف المشروع.
ويعتبر الممر البري من إيران إلى سوريا “الجائزة الأكبر” لطهران من الحرب السورية، كما وصفته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، إذ يضمن لإيران طريق إمداد لنقل الأسلحة الإيرانية إلى حليفها في لبنان (حزب الله)، كما سيسهل حركة الميليشيات التي تدعمها، إضافة إلى كونه طريقًا تجاريًا بديلًا عن مياه الخليج.
سلامة عامة مفقودة
يقتصر عمل مؤسسة “الخطوط الحديدية” حاليًا، على تحميل ونقل الحمولات الواردة بحرًا إلى مرفأي “طرطوس” و”اللاذقية” باتجاه الصوامع والمطاحن ومراكز الانتاج، إضافة إلى نقل عكسي وتفريغ الفوسفات وغيرها من المواد في مرفأ “طرطوس”.
أما فيما يخص نقل السكان، يعمل حاليًا خطا نقل فقط في سوريا، للركاب أحدهما على محور طرطوس- اللاذقية، بواقع ست رحلات يوميًا والآخر على محور حلب- جبرين، بواقع أربع رحلات يوميًا.
ومنتصف العام الماضي، قررت “المؤسسة العامة للسكك الحديدية”، رفع أجور نقل الركاب لتصبح سعر التذكرة لمحور “اللاذقية- طرطوس- اللاذقية”، ألف ليرة سورية، ومحور “حلب- جبرين- حلب”، 300 ليرة، مع أسعار مخفضة لبعض الأشخاص للمحورين.
ويطالب السكان بإصلاح أضرار وإعادة بقية محاور الشبكة، وأهمها محور دمشق- حلب، لتخفيض أجور النقل على الأهالي، إذ تعد أجور الخطوط الحديدية أقل بين 40 و50% من التعرفة الرسمية المعلن عنها لأجور النقل العام.
وتركز الحكومة على مشاريع السكك المتعلقة بالفعاليات الاقتصادية، مثل مشاريع الربط السككي بين المرافئ الجافّة والبحرية بالمدن والمناطق الصناعية، سواءً في عدرا غربي دمشق، أو حسياء في حمص، وكذلك جبرين والمسلمية في حلب، وخطوط نقل المواد مثل الفوسفات، بينما خطوط النقل السكاني بين المحافظات تبقى مؤجلة.
ومنذ عام 2019، صرح مدير “المؤسسة العامة للخطوط الحديدية” حينها، نجيب الفارس، أنه جرى صيانة نحو 122 كيلومتر من محور حمص- دمشق، على أن يتم البدء باستثماره وإعادة تأهيله خلال ذات العام.
وبسبب عدم تطوير أساليب السلامة العامة على خطوط السكك الحديدية، مثل وضع حاجز شبكي على طول الخط الحديدي، ووضع معابر نظامية تمنع انتشار المعابر المخالفة على طول السكة، تتواتر حوادث صدم القطارات للسيارات أو الدراجات النارية خلال عبورها السكة بشكل مخالف، لم تقتصر نتائجها على الأضرار المادية، بل وصل بعضها لحصد الأرواح.
وأحدث هذه الحوادث، في 25 من نيسان الماضي، حين صدم قطار سيارة، بين محطتي شربيت وجبلة خلال عبورها من ممر غير نظامي، بينما توفي سائق سيارة بعد تصادم مركبته مع قطار للركاب من ممر سطحي غير نظامي.