بين السليمانية وأربيل.. مصالح “PKK” تنازع تحالفات “قسد”
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
على مدى الأسابيع الماضية، دخلت السليمانية، الواقعة في إقليم كردستان العراق، على خط التصعيد بين تركيا و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وهو ما عكسته سلسلة من التطورات، تجلّت بحادثة سقوط طائرتين مروحيتين في المنطقة خلال نقلهما قياديين وعناصر من “قسد” في 15 من آذار الماضي، بمنطقة جمانكي بمحافظة دهوك شمالي العراق.
التطور الذي تبع سقوط مروحيتي دهوك، كان استهداف قائد “قسد”، مظلوم عبدي، عبر طائرة مسيّرة في مطار “السليمانية”، خلال وجود عبدي فيه.
وتعتبر السليمانية المعقل الأساسي لحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” الذي يتزعمه بافل طالباني، نجل الرئيس العراقي الراحل، جلال طالباني، وهو أحد الحزبين الكرديين الرئيسين في إقليم كردستان العراق إلى جانب الحزب “الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود برزاني، الذي يعتبر رئيس الإقليم في مركزه أربيل.
ما علاقة “العمال الكردستاني”
مع استمرار “قسد” بنفي علاقتها بحزب “العمال الكردستاني” (PKK)، التي أدت بها إلى تصنيفها على قوائم “الإرهاب” التركية في نهاية المطاف، تعود المؤشرات التي تظهر تقاربها مع الحزب الكردي المنتشر بين تركيا وسوريا وإيران والعراق.
وفي مقابلة أجراها موقع “المينيتور” مع عبدي مطلع العام الحالي، قال إن الحديث عن علاقة “قسد” بـ”PKK” هي “أعذار” تستخدمها تركيا لشن هجمات في سوريا.
وأضاف حينها أن “قسد” مكوّنة من “كرد سوريين” يريدون بناء علاقة “سلمية” مع تركيا.
تحطم المروحيتين في كردستان العراق، منتصف آذار الماضي، تبعه نعي “قسد” لقائد “مكافحة الإرهاب” (YAT) إلى جانب تسعة عناصر آخرين إثر الحادث، وهو ما أثار تساؤلات عن امتلاك “قسد” طائرات مروحية فعلًا، أو الجهة التي تقدم لها تسهيلات في هذا السياق.
قناة “صلاح الدين” العراقية، نقلت عن محافظ دهوك، علي تتر، أن الركاب الذين كانوا على متن المروحية ينتمون لحزب “العمال الكردستاني” (PKK)، وجميعهم قُتلوا إثر الحادث.
الكاتب في الشأن الكردي هوشنك أوسي، قال لعنب بلدي، إن دعم السليمانية أو ما يُعرف باسم “تيار الطالبانيين” (نسبة لبافل طالباني) لـ”قسد” يأتي في إطار “التحالف المشبوه” بين حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” العراقي وحزب “العمال الكردستاني” في محافظة السليمانية التي يسيطر “الاتحاد الوطني” على المفاصل الأمنية والعسكرية والاقتصادية فيها.
أوسي أضاف أن الحزب الذي يمثّله بافل طالباني حوّل السليمانية إلى “دويلة خاضعة له”، بدعم من طهران بالدرجة الأولى، ومن بغداد، بعد سقوط نظام “البعث” في العراق.
وأرجع أسباب دعم السليمانية لـ”قسد” إلى اعتبار أن الأخيرة كانت تشكّل ذراع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” الذي يمثل “البرزانيين” (نسبة لمسعود برزاني)، والاستقواء عليه بالقوة العسكرية لـ”العمال الكردستاني”.
ويرى أن دعم “الاتحاد الوطني الكردستاني” لـ”قسد” يأتي في إطار علاقة هذا الحزب مع النظامين الإيراني و”البعثي” في سوريا من جهة أخرى، إذ لا تقتصر المصالح على بعض الأحزاب الكردية في المنطقة.
زيارة طالباني إلى سوريا غيّرت المعادلة
في كانون الأول 2022، اجتمع رئيس “الاتحاد الوطني”، بافل طالباني، مع قائد “قسد”، مظلوم عبدي، في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا للحديث عن العلاقات بين الجانبين.
طالباني الذي يوصف بـ”صانع الصفقات”، نشر عبر “فيس بوك”، أن الجانبين بحثا “الأوضاع السياسية في روج آفا وإقليم كردستان، والتطورات السياسية المتعلقة بالقضية الكردية”، وأكدا “حل المشكلات سلميًا”.
هذه الزيارة التي وردت عبر وسائل الإعلام في إطارها الخبري، يبدو أنها جاءت لتعبّد الطريق أمام تعاون على صعيد أرفع من المعتاد بالنسبة للجانبين.
الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، قال لعنب بلدي، إن زيارة طالباني إلى سوريا سبقها تنسيق اعتيادي بين “الطالبانيين” بالعراق و”قسد” في سوريا، بناء على العلاقة المشتركة مع “العمال الكردستاني”.
وأضاف شواخ أن الزيارة التي جاءت بإشراف أو تنسيق من الجيش الأمريكي، عززت العلاقة بين الجانبين، إذ بدأت كمرحلة أولى بتعزيز مسار “مكافحة الإرهاب” بين الجانبين، خصوصًا أن طالباني رافقه إلى سوريا مسؤول “مكافحة الإرهاب” في السليمانية، بحضور وفد عسكري من التحالف الدولي الداعم لـ”قسد”.
المرحلة الثانية لتعزيز العلاقات بين الجانبين، بحسب شواخ، كانت تنص على تنفيذ عمليات لمكافحة الإرهاب في مناطق نفوذ الجانبين، وفي المنطقة الممتدة بين العراق وسوريا.
وكأولى ثمار التدريبات بين الجانبين وبإشراف واشنطن، نفذت وحدة عسكرية مشتركة من السليمانية و”قسد” بدعم أمريكي، عملية أمنية في منطقة الشدادي بالحسكة شمال شرقي سوريا، في 8 من نيسان الحالي، أسفرت عن اعتقال أفراد متهمين بالانتماء لتنظيم “الدولة الإسلامية”.
الكاتب الكردي هوشنك أوسي، يرى من جانبه أن زيارة بافل طالباني للقامشلي في 2022، هي “تفصيل بسيط” من تفاصيل دعم حزبه لقوات “قسد”.
وأشار إلى أن مشكلات داخلية تعصف بـ”قسد”، وتتعلق بعدم رضا “العمال الكردستاني” عن مظلوم عبدي، ومحاولات لخلعه، إذ يسيطر “PKK” على حوالي 90% من تشكيل “قسد”، بينما يقتصر نفوذ عبدي المدعوم من واشنطن على قلة قليلة من التشكيل.
أوسي اعتبر أيضًا أن زيارة طالباني إلى عبدي، حينذاك، كانت ضمن جهود الوساطة بين قنديل ومظلوم عبدي لرأب الصدع، ومحاولة لحل الخلاف بين الجانبين.
تيارات متداخلة
لا تقتصر التعقيدات والتشابه على أسماء هذه التشكيلات الكردية وحسب، بل يعتبر امتداد وتداخل علاقاتها وتحالفاتها من القضايا الشائكة منذ سنوات طويلة في المنطقة التي تضم أربع دول.
وتعتبر مدينة أربيل معقلًا لحزب “الاتحاد الديمقراطي” بقيادة مسعود برزاني، رئيس كردستان العراق، بينما تعتبر مدينة السليمانية معقلًا لـ”الاتحاد الوطني” بقيادة بافل طالباني نجل جلال طالباني.
ويشهد إقليم كردستان العراق خلافات حزبية عميقة بين “البرزانيين” و”الطالبانيين”، حتى إن الهوية الثقافية للمدينتين شهدت خلافًا تسرب إلى الشوارع واللغات المطروحة في المناهج التعليمية.
هوشنك أوسي لخّص الخلاف بين الأطراف في سوريا والعراق على أنه انعكاس للخلافات بين الحزبين الكرديين العراقيين، فمظلوم عبدي لا يزال على علاقة مع “الحزب الديمقراطي” (البرزاني)، وهو ما يزعج ما يزعج “الطالبانيين” وحلفاءهم من “PKK” في جبال قنديل.
واعتبر أن استضافة السليمانية لعبدي مؤخرًا كانت تحت رعاية أمريكية، وضمن اجتماعات التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة” فقط، لكن لا يخفى على الأمريكيين والأتراك والعراقيين والكرد، أن الأمور العسكرية المتعلقة بسيطرة “العمال الكردستاني” على “قسد” والمناطق الكردية في سوريا، كانت وما زالت تتم عبر السليمانية، بحسب أوسي.
ويجمع “العمال الكردستاني” و”الاتحاد الوطني” خندق واحد مدعوم من طهران، وهو العداء لـ”الديمقراطي الكردستاني”، الداعم لـ”المجلس الوطني الكردي” في سوريا، الذي تربطه علاقة جيدة مع تركيا عدوة “حزب العمال” الأولى.
عن ماذا تبحث “قسد”
بالنظر إلى العلاقة المتوترة بين “البرزانيين” في أربيل و”قسد” شمال شرقي سوريا، يرى الباحث أنس شواخ أن “قسد” تبحث عما لم تتمكن من تحقيقه في أربيل، في السليمانية.
وشكّلت السنوات الماضية محاولات متكررة للتوصل إلى صيغة توافق بين الجانبين في عدة قضايا، أبرزها “الحوار الكردي- الكردي” الذي عُقد عدة مرات برعاية أمريكية بين “المجلس الوطني الكردي” (عضو في الائتلاف الوطني) المدعوم من أربيل، و”قسد”، لإدارة المنطقة التي تسيطر عليها الأخيرة شمال شرقي سوريا، ولم يصل إلى نتيجة، وبقي ميتًا سريريًا حتى اليوم.
يرى شواخ أن الفشل في العلاقات بين الجانبين، دفع بـ”قسد” التي تبحث عن إقامة أي نوع من العلاقات الخارجية، إلى الميل باتجاه السليمانية كبديل عن أربيل، خصوصًا أن أربيل والسليمانية تلامسان حدود “قسد” الجغرافية، شمال شرقي سوريا.
ويمكن لتعزيز أي علاقة من جانب “قسد” مع جيرانها من التيارات الكردية، أن يعزز منافعها على الصعيد الاقتصادي والعسكري، إذ يمكن أن تؤمّن لنفسها مطارًا قريبًا كمطار “السليمانية” مثلًا، أو حتى معدات لوجستية كالطائرات المروحية.
وسبق أن نقل موقع “Middle East Eye” عن مصادر تركية لم يسمِّها، أن الرحلات الجوية (غير المسجلة) تعقبتها تركيا خلال العامين الماضيين بين الأراضي العراقية والسورية، ما يثير تساؤلات حول الأدوار الأمريكية والعراقية في تأمين معدات جوية للمجموعات الكردية بين سوريا والعراق.
وأضاف الموقع أنه بينما تمكنت الحكومة التركية من تتبع تحركات الطائرتين في الأجواء العراقية، لم تكن لديها قوائم الركاب، لكن في نهاية المطاف، لا يمكن أن تتم مثل هذه الرحلات إلا بعلم الحكومة الأمريكية التي تسيطر على الأراضي السورية والعراقية.
المصادر التركية قالت أيضًا للموقع الصحفي، إن “هذه الرحلات الجوية مستمرة على مدى العامين الماضيين، لكنها غير مسجلة، وتثير تكهنات بأن (العمال الكردستاني) يتنقل بشكل غير قانوني بين الأراضي العراقية والسورية، بتنسيق أمريكي وعراقي”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :