عنب بلدي – جنى العيسى
في 24 من نيسان الحالي، أصدر الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات جديدة ضمت قائمة مطولة من 25 شخصًا وثمانية كيانات مرتبطة بالنظام السوري، سبقتها بنحو شهر عقوبات أمريكية وبريطانية على معظم الذين طالتهم العقوبات الأوروبية.
قائمة العقوبات الغربية الصادرة مؤخرًا، جاءت بعد أشهر طويلة من غياب التحركات الغربية بهذا الخصوص، وركّزت بشكل مكثف على معاقبة أشخاص مرتبطين بالنظام، ممن هم مسؤولون بشكل لا لبس فيه عن إنتاج المخدرات وتهريبها على نطاق واسع إلى خارج الحدود السورية، ولدورهم في دعم النظام اقتصاديًا عبر هذه التجارة التي باتت مصدره الأول من الأموال.
يفتح التحرك الغربي من ناحية فرض العقوبات على تجار المخدرات المرتبطين بالنظام، الباب أمام التساؤلات حول توقيتها، في ظل الانفتاح العربي غير المسبوق على النظام السوري، وأثرها المباشر على حجم التجارة التي تعد أهم مصدر للعملة الأجنبية في سوريا.
رجال مرتبطون بالنظام
ترأس قوائم العقوبات الثلاث ابنا عمومة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وسيم بديع الأسد، وسامر كمال الأسد، لمشاركتهما في إنتاج وتجارة “الكبتاجون”، وكل من نوح زعيتر وحسن دقو، الضالعَين بتجارة “الكبتاجون” في سوريا، إلى جانب عدد من المرتبطين بالنظام.
وضمت القوائم عددًا من رجال الأعمال، منهم عبد اللطيف حميدة الذي يحافظ على علاقات وثيقة مع عائلة الأسد، ويمتلك مصنعًا في حلب كان ضالعًا بإنتاج “الكبتاجون” والاتجار به، وعماد أبو زريق ومصطفى المسالمة (الكسم)، التابعان لميليشيا جنوب غربي سوريا تتبع لفرع “الأمن العسكري” الذي تستفيد ميليشياته من اقتصاد الحرب بما في ذلك تجارة “الكبتاجون”.
وشملت أيضًا راجي فلحوط، الذي يقود ميليشيا مرتبطة بـ”المخابرات العسكرية”، والضالع بتهريب “الكبتاجون”، وطاهر الكيالي الذي يملك عدة شركات يشارك من خلالها في إنتاج وحركة “الكبتاجون”، خاصة فيما يتعلق بالنقل من ميناء “اللاذقية”، وعامر خيتي الذي يدير ويسيطر على عديد من الشركات في سوريا التي تسهل إنتاج وتهريب المخدرات، ومحمد شاليش، المنخرط في قطاع الشحن ضمن مناطق نفوذ النظام، حيث رُبط اسمه بشحنات “الكبتاجون” التي غادرت ميناء “اللاذقية”، وغيرهم.
وكان على رأس الكيانات التي شملتها العقوبات مؤخرًا “الفرقة الرابعة” التي يديرها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري، والتي تعتبر مسؤولة عن القمع العنيف الممارَس ضد المدنيين في سوريا، كما تستفيد أيضًا من اقتصاد الحرب، وخاصة تجارة “الكبتاجون”.
وبحسب دراسة صادرة عن مركز “COAR” للتحليل والأبحاث، في نهاية نيسان 2021، صارت سوريا مركزًا عالميًا لإنتاج “الكبتاجون” المخدر، وهي أكثر تصنيعًا وتطورًا تقنيًا في هذه الصناعة من أي وقت مضى.
وخلال السنوات الماضية، توالت تقارير لجهات مختصة وتحقيقات صحفية تستند إلى أدلة، أشارت إلى تحوّل سوريا على يد النظام السوري ومقربين منه إلى دولة لإنتاج وتصنيع المخدرات، والتجارة بها عبر تصديرها إلى مختلف دول العالم.
واتفقت عديد من الدراسات المتخصصة على أن حجم صادرات المخدرات السورية، يجعلها من أهم مصادر العملة الأجنبية في سوريا، إذ عززت “اقتصاد الظل”، الذي وصلت نسبته خلال عام 2021 إلى نحو 200% من الاقتصاد الرسمي، بحسب تقديرات بحثية، بينما كانت تقدّر نسبته في عام 2010 بنحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي.
رسائل سياسية
الباحث الأول في “البرنامج السوري للتطوير القانوني” إياد حميد، قال لعنب بلدي، إن العقوبات الغربية الأخيرة تحمل رسائل سياسية، أهمها أن هذه الدول لم تنسَ انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، خاصة أن ملف الاجتياح الروسي لأوكرانيا كان طاغيًا العام الماضي على كثير من الملفات.
ويرى حميد أن العنوان العريض لحزم العقوبات الأخيرة جاء تحت تجارة “الكبتاجون”، وتزامن ذلك مع قانون “مكافحة الكبتاجون” الذي وقّع عليه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نهاية العام الماضي، إذ يتم فرض حزم العقوبات بالتنسيق بين الدول المعنية، ما يفسر تقاطع عديد من أسماء الضالعين في هذه التجارة بقوائم العقوبات الثلاث الأمريكية والبريطانية والأوروبية، ويشير بنفس الوقت إلى رسالة تحمل إجماعًا غربيًا واضحًا في هذا الموضوع.
ويعتقد حميد أن الانفتاح الإقليمي مؤخرًا على النظام السوري ومأساة الزلزال كانا دافعًا وراء إصدار الغرب لحزم العقوبات الأخيرة، وذلك بهدف التذكير بالموقف الغربي الرسمي من النظام السوري والتطبيع معه، بعدما أثارته الاستثناءات الغربية الأخيرة من مخاوف من الموقف الغربي.
وتجري مجموعة دول عربية تحركات سياسية لتأهيل الأسد عربيًا، تجلى ذلك واضحًا بعد الزلزال المدمر الذي ضرب أربع محافظات سورية في شباط الماضي، عبر زيارات عدة لوزراء خارجية عدد من الدول العربية لدمشق، منها السعودية ومصر والأردن، وعبر لقاء وزاري ضم عددًا من الوزراء العرب انعقد في الرياض، منتصف نيسان الحالي، لبحث الموقف من عودة النظام إلى الجامعة العربية، وانتهى اللقاء ببيان ختامي تجاهل مسألة العودة، في إشارة إلى عدم التوصل لاتفاق بهذا الشأن.
أثر رمزي
لا تعتبر معاقبة أشخاص مقربين بالنظام، ورجال أعمال مرتبطين به، من الضالعين بإنتاج وتجارة المخدرات في سوريا، كافية لتقويض حجم التجارة في سوريا، ما يشير إلى عدم إحداث التأثير الكامل المرجو منها في تقليص حجم التجارة، إذ لا تتجاوز في بعض الأحيان الرسائل الرمزية، بحسب ما يراه الباحث إياد حميد.
ووفق حميد، تتطلب مكافحة تجارة المخدرات بشكل عام استراتيجية شاملة وتعاونًا إقليميًا، لتحقيق النتائج ذات الأثر المطلوب.
وفي أيلول 2022، أقر مجلس النواب الأمريكي قانون “مكافحة المخدرات” التي يديرها النظام السوري، وصدّق عليه المجلس، في 8 من كانون الأول 2022، بتصويت نال أغلبية ساحقة، وانتقل مشروع القانون بعدها إلى مجلس الشيوخ الأمريكي ثم إلى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي وقّع على ميزانية الدفاع الأمريكية عن السنة المالية لعام 2023، متضمنة القانون، في 23 من كانون الأول 2022.
وأوضح خبراء تحدثت إليهم عنب بلدي، أن أهمية القانون تكمن بأنه ذكر الأسد بالاسم، وأصبح الأسد “طريد عدالة” بدلًا من أن يكون رئيس دولة، وقد يتعرض في المستقبل القريب للاعتقال والمحاكمة كتاجر مخدرات عالمي، وهذا حدث تاريخيًا من قبل مع مانويل نورييغا الذي كان زعيمًا في بنما، واعتقلته الولايات المتحدة الأمريكية سابقًا وحاكمته بصفته تاجر مخدرات.