د. أكرم خولاني
قد يعاني بعض الناس ألمًا مبهمًا في الوجه، يأتي بشكل نوب مفاجئة دون سابق إنذار، وحتى بعد زيارة الأطباء، يبقى المريض عاجزًا عن تفسير سبب الألم، فعندما يشعر بالألم في الفم يذهب إلى طبيب الأسنان، وعندما يكون في الأذن يزور طبيب الأذن والحنجرة، ولكن دون وجود شيء غير طبيعي، لذا قد يفسر أحيانًا على أنه ألم من منشأ نفسي، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك، وإنما هو ألم العصب الخامس (العصب مثلث التوائم).
ما العصب الخامس
العصب الخامس (Fifth nerve) هو أحد الأعصاب القحفية (الدماغية) التي تنشأ من الدماغ مباشرة على شكل أزواج يبلغ عددها 12 زوجًا، وتخرج من الجمجمة لتربط بين أجزاء الرأس المختلفة والدماغ وتؤدي وظائفها في نقل المعلومات، وتعمل على إرسال نوعين من المعلومات، هي المعلومات الحسية (تتعلق بالشم والرؤية والسمع والتذوق والإحساس بالملمس)، والمعلومات الحركية (تؤثر على حركة العضلات ونشاط الغدد).
والعصب الخامس هو أكبر الأعصاب القحفية، ويسمى بهذا الاسم لأن ترتيبه الخامس بينها، ويعتبر الدور الرئيس له نقل المعلومات الحسية من الرأس والوجه إلى الدماغ، فهو العصب الرئيس المسؤول عن الإحساس في هذه المنطقة، بالإضافة إلى ضبط حركة العضلات المستخدمة في المضغ.
ويسمى هذا العصب بالعصب مثلث التوائم (Trigeminus nerve) لانقسامه إلى ثلاثة تفرعات أساسية هي:
التفرع العيني: يوصل المعلومات الحسية إلى الدماغ من فروة الرأس والجبين والأجزاء العلوية من الجيوب والجفن العلوي وأغشيته المخاطية وقرنية العين وجسر الأنف.
تفرع الفك العلوي: يوصل المعلومات الحسية من الجفن السفلي وأغشيته المخاطية والجزء الأوسط من الجيوب الأنفية والتجويف الأنفي والجزء الأوسط من الأنف والشفة العلوية والخد وسقف الفم وبعض أسنان الفك العلوي وأغشيتها المخاطية.
تفرع الفك السفلي: يؤدي هذا الجزء وظائف حركية وحسية، فهو يحفز حركة عضلات الفك السفلي وبعض العضلات في الأذن الداخلية، أما عن المناطق التي يعمل هذا الجزء على توصيل المعلومات الحسية منها إلى الدماغ فهي الجزء الخارجي من الأذن والجزء السفلي من الفم وأغشيته المخاطية، والجزء الأمامي والأوسط من اللسان وأسنان الفك السفلي وأغشيتها المخاطية والشفة السفلية والذقن.
ما المقصود بألم العصب مثلث التوائم
ألم العصب مثلث التوائم (Trigeminal Neuralgia) هو ألم يحدث عند وجود اضطراب مرضي يؤثر على العصب (تأثر الغمد المياليني المحيط بالعصب نتيجة مرض ما، أو انضغاط العصب، أو تعرض العصب للإصابة نتيجة حادث أو رض أو جلطة أو جراحة) على شكل ألم شديد يوصف كضربة كهربائية، يمتاز بنوب تصيب جانبًا واحدًا من الوجه عادة، وتستمر لعدة ثوانٍ في كل مرة، وقد تحدث النوبة نتيجة التعرض لأي من المثيرات التالية:
- لمس الوجه.
- الحلاقة.
- وضع المكياج.
- تناول الطعام.
- التثاؤب.
- الكلام.
- تنظيف الأسنان.
- التعرض لهواء بارد.
يختلف تواتر الألم من شخص لآخر، وقد تستمر النوب لأسابيع أو أشهر، ويمكن أن يتبع ذلك فترات خالية من الألم (فترة الهدوء) تتراوح من أسابيع إلى بضعة أشهر، وقد تستمر لسنوات.
وعلى الرغم من أن الألم يمكن أن يكون شديدًا، فإن الحالة لا تهدد الحياة، ومع ذلك يمكن أن يكون مرضًا تدريجيًا، ما يعني أنه يزداد سوءًا بمرور الوقت.
ما أسباب ألم العصب مثلث التوائم
أسباب الإصابة بألم العصب مثلث التوائم مجهولة في معظم الحالات، ولكن في الغالب يكون السبب هو انضغاطه بالشرايين الدموية القريبة منه (النسبة الكبرى)، أو ضغط ورم ما عليه، أو نتيجة تأثره ببعض أمراض جهاز المناعة (النسبة الأقل) مثل التصلب المتعدد وداء الساركويد ومرض لايم، أو أمراض الكولاجين الوعائية بما فيها تصلب الجلد والذئبة الحمراء، وقد يحدث الألم نتيجة تعرض العصب للإصابة بسبب حادث أو جراحة أو سكتة دماغية.
ولكن هناك عوامل خطر تجعل بعض الناس أكثر عرضة للإصابة بألم العصب مثلث التوائم من غيرهم، وأبرزها:
- النساء أكثر عرضة للإصابة من الرجال.
- المرض أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 50 عامًا.
- قد ينتشر في العائلات ربما بسبب كيفية تكوين الأوعية الدموية في الدماغ.
- قد يكون مرتبطًا بارتفاع ضغط الدم.
- قد يكون أكثر حدوثًا عند مرضى الصداع النصفي.
ما أعراض ألم العصب مثلث التوائم
في البداية ينشأ الألم في الفك العلوي أو السفلي، وغالبًا ما يعتقد المرضى أن الألم ناتج عن مشكلة في الأسنان، وبمرور الوقت تتفاقم الأعراض حيث يصبح الألم شديدًا وتصبح الفترات الفاصلة بين نوب الألم أقصر أو تختفي تمامًا وتصبح المسكنات أقل فاعلية مما كانت عليه في البداية.
ويأتي الألم على شكل نوب مفاجئة في جانب واحد من الوجه (قد يؤثر في بعض الأحيان النادرة جدًا على كلا الجانبين) تشبه التعرض لصدمة كهربائية أو إطلاق نار أو طعنة حادة بالسكين، ويتمركز حول الفك أو الخد أو في الأسنان، وقد يحدث على شكل ألم حاد خلف العين.
تستمر النوبة من بضع ثوانٍ إلى حوالي دقيقتين، ويمكن أن تتكرر عدة مرات في اليوم، وتستغرق الفترات بين النوب دقائق أو ساعات أو أيامًا.
وقد تحدث مضاعفات مرافقة للألم تشمل:
- الرؤية المزدوجة.
- ضعف الفك.
- فقدان منعكس القرنية.
- خدرًا مزعجًا وجزئيًا في منطقة الألم.
- مشكلات في المضغ.
كيف تُشخّص الحالة
يُشخّص ألم العصب مثلث التوائم بعد استبعاد كل المسببات الأخرى التي من الممكن أن تسبب آلامًا شبيهة، مثل الهربس النطاقي، والأورام السرطانية، وآلام الأسنان، والتهابات الأوعية الدموية، وذلك عن طريق ما يلي:
- الفحص الجسدي: يمكن للطبيب تشخيص حالة المريض من خلال السؤال عن طبيعة الألم ومكانه ومحفزاته.
- الفحص العصبي: يمكن أن يساعد لمس وفحص أجزاء من وجه المريض على تحديد مكان حدوث الألم بالضبط، ولكن قد تكون نتائج الفحص العصبي خالية من أي مشكلات.
- التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): قد يطلب إجراء تصوير الرأس بالرنين المغناطيسي لنفي التصلب المتعدد أو وجود ورم يسبب ألم العصب الثلاثي التوائم، وفي بعض الحالات قد يتم حقن صبغة في وعاء دموي لعرض الشرايين والأوردة وتشخيص تدفق الدم، ولكن في حال الإصابة بألم العصب مثلث التوائم التقليدي، فلن تظهر نتائج مرضية مميزة في التصوير بالرنين بالمغناطيسي.
كيف يعالج ألم العصب مثلث التوائم
بداية نؤكد أنه لا يمكن الشفاء من التهاب العصب مثلث التوائم، إلا أنه من الممكن علاج الأعراض المرافقة للمرض، ومن طرق العلاج نذكر:
استخدام الأدوية: يعد العلاج الدوائي هو الخط الأول لعلاج ألم العصب مثلث التوائم، ولا تعمل مسكنات الألم النموذجية بشكل جيد في هذا المرض، لذلك يتم وصف أنواع مختلفة من الأدوية، وتشمل:
- مضادات الاختلاج: لمنع الأعصاب من التهيج، مثل كاربامازبين، أوكساربازيبين، فينتوئين، غابابنتين، وبيوغابالين.
- مرخيات العضلات: توصف بمفردها أو مع مضادات الاختلاج، مثل باكلوفين.
- مضادات للاكتئاب ثلاثي الحلقات: مثل أميتربتيلين وسيرترالين.
الجراحة: من الممكن اللجوء إلى طرق جراحية مختلفة، ومنها:
- إزالة الضغط عن العصب: يمكن إجراء عملية جراحية تتمثل بتغيير موقع بعض الأوعية الدموية التي تسبب ضغطًا على العصب، أو إزالتها. وغالبًا ما تنجح هذه العملية، على الرغم من عودة الألم بعد مرور بعض الوقت عند عدد من المرضى.
- سكين غاما الإشعاعي: يتم من خلال هذه العملية تسليط أشعة ذات جرعة عالية على جذر العصب مثلث التوائم، ما يؤدي إلى تلف العصب والتقليل من الشعور بالألم على مدى الأسابيع التالية للعملية.
- ضغط البالون: يتم إدخال بالون فارغ في فراغ بين العصب مثلث التوائم وقاعدة الجمجمة، وعندما يتم نفخ البالون يتم ضغط العصب على العظام الصلبة، ما يؤدي إلى إتلاف عزل العصب حتى لا يشعر المريض بالألم من اللمسات الخفيفة.
- حقنة الغلسرين: يتم حقنها في السائل الشوكي المحيط بالعصب مثلث التوائم في قاعدة الجمجمة، وهذا يضر بالعزل المحيط بالعصب ما يخفف الألم.
- الاستئصال بالترددات الراديوية: حيث يقوم الأطباء والمرضى بتحديد المنطقة الدقيقة داخل العصب التي تسبب ألمًا شديدًا، ثم يتم إرسال تيار كهربائي إلى البقعة لتخفيف الإحساس.
بالنهاية نعود ونؤكد أن ألم العصب مثلث التوائم غير خطير بحد ذاته، ولكن ننصح بمراجعة الطبيب عند الشعور بأعراض مشابهة لأعراض هذا الألم لاستبعاد وجود مسببات خطيرة كالأورام أو التصلب العديد.