الحسكة – مجد السالم
يعتمد عديد من المزارعين في محافظة الحسكة على السلف لتغطية تكلفة العمليات والمستلزمات الزراعية، مثل البذور والأسمدة والمعدات والفلاحة، لكن أسعار الفائدة المرتفعة على هذه السلف وضعت عديدًا من المزارعين في ظرف مالي صعب.
عامان متتاليان من الجفاف كبّدا المزارع أحمد الحسين، المنحدر من ريف القامشلي الجنوبي، خسائر فادحة في محصوله الزراعي، واستهلكا مخزونه من الحبوب والسيولة المالية اللازمة لعمليات الزراعة خلال الموسم المقبل.
تحسن منسوب الأمطار الذي جلب معه تحسنًا في الإنتاج الزراعي للعام الحالي لم يكن مفرحًا كما جرت العادة بالنسبة لأحمد، مع حجم الديون الذي ترتب عليه نتيجة ما يُعرف محليًا باسم “التعامل بالسلف المالية”.
فوائد “غير معقولة”
وبحسب ما قاله أحمد لعنب بلدي، فإن ظاهرة “السلف” هي عبارة عن استدانة مبلغ من أحد الميسورين، على أن يعيده المزارع في أثناء بيع المحصول بزيادة متفق عليها بين الطرفين.
وتكمن مشكلة هذه العادة التي انتشرت بشكل كبير في محافظة الحسكة مؤخرًا، بعدم وجود “نسبة معقولة” من “الفائدة” في الزيادة التي يفرضها الدائن على المبلغ، خصوصًا أن الأمر يخضع لحجم المحصول الذي سينتجه المزارع نهاية الموسم.
أحمد قال لعنب بلدي، إنه استلف 600 دولار من أجل زراعة أرضه وتأمين ما تحتاج إليه من بذار وأسمدة وعمليات خدمة زراعية، وترتب عليه دفع فوائد تصل حتى 40%، إذ يجب عليه إعادة الـ600 دولار التي استلفها، مضافًا إليها 240 دولارًا أخرى.
“فائدة مرتفعة جدًا على المبلغ الأساسي، كفيلة بابتلاع أي أرباح قد يجنيها المزارع من محصوله مهما كانت حالته وإنتاجيته جيدة”، أضاف أحمد.
مشكلة قديمة جديدة
مشكلة السلف مع ارتفاع أسعار الفائدة ليست جديدة على مزارعي الحسكة، ممن عانوا خلال الأعوام الماضية الجفاف وعدم قدرتهم على تعويض أي من خسارتهم، إنما لقيت رواجًا مع تردي الأوضاع المعيشية في المنطقة.
المهندس الزراعي طارق العايد، الذي ينحدر من ريف القامشلي، وصف المشكلة بـ”المستوطنة والمستعصية على الحل”، جراء الظروف الصعبة التي يعيشها المزارعون، وغياب الدعم المالي للقطاع الزراعي في المنطقة، يضاف إلى ذلك استغلال التجار حاجة المزارعين الذين لا يجدون أي مصدر لتمويل أعمالهم سوى الاستدانة بأسعار فائدة مرتفعة.
وقال إن تدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار حوّل السلفة المالية إلى الدولار الأمريكي، حتى لا يخسر التاجر أمواله نتيجة لتغير سعر الصرف المستمر، بعد أن كانت بالعملة السورية، كما أن مستلزمات الإنتاج باتت تسعّر بالدولار أيضًا.
المهندس أضاف لعنب بلدي أن مزارع اليوم يختلف عن مزارع الأمس، إذ صارت ديونه بالدولار، وتزيد باستمرار مع تدهور قيمة الليرة السورية، ما يشكّل عبئًا على كاهل المزارعين لدرجة دفعت عديدًا منهم إلى التخلي عن الزراعة كليًا، على الرغم من امتلاكهم مساحات أراضٍ واسعة صاروا “عاجزين عن زراعتها”.
وقد يلجأ البعض إلى نظام “المزارعة”، إذ يستثمر أحد التجار الأرض الزراعية الخاصة بالفلاح على أن يعطيه 50% مثلًا من إنتاج الأرض، لكن ذلك لا يلغي الديون “المتراكمة” على الفلاح، بحسب المهندس الزراعي.
ولا يلجأ الفلاحون إلى السلف المادية لتسيير أمورهم فقط، فقسم “كبير” يؤمّن ما يحتاج إليه من بذار وأسمدة “بالسلف”، فإذا كان سعر طن السماد 600 دولار، فإن التاجر يسجل سعر الطن على المزارع بـ850 دولارًا في حالة بيعه بالدَّين، بحسب المهندس.
ماذا يقول القانون؟
يُطلق مصطلح “الربا الفاحش” على الفوائد الكبيرة التي تضاف إلى مبالغ مستدانة بين جهتين، وتعتبر جريمة يعاقب عليها القانون السوري، وهو القانون نفسه الذي تعتمده “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا في التعاطي مع الشأن نفسه.
وبحسب موقع “منتدى محامي سوريا” المختص بتقديم الاستشارات القانونية المجانية، فإن القانون السوري يجرّم تقاضي “فائدة فاحشة”، لكن يجب إثبات أن المدعى عليه تقاضي فائدة تزيد على الحد القانوني المقدر بـ9%.
عبد الرحيم، محامٍ يقيم ويعمل في مناطق نفوذ “الإدارة الذاتية” بمحافظة الحسكة، تحفظ على اسمه الكامل خوفًا من المساءلة، قال لعنب بلدي، إن المكتب الذي يعمل فيه بمدينة القامشلي يتردد إليه بشكل مستمر أفراد من الباحثين عن حقوقهم في قضايا “الربا الفاحش”، معظمهم من المزارعين.
وأضاف أن تحصيل الحقوق عن طريق القانون الذي تطبقه “الإدارة” في المنطقة صار شبه مستحيل، خصوصًا أن التجار يقرضون المزارعين المال، أو المعدات والمستلزمات الزراعية، وفق سندات استدانة بالمبلغ مع فوائده.
ولنفرض أن المزارع استدان 600 دولار، ويجب عليه إعادتها إلى صاحبها 1000 دولار، فإن السند القانوني يثبت أن المزارع استدان 1000 دولار، بالتالي لا يمكن إثبات قضية “الربا الفاحش” في مثل هذا النوع من الدعاوى القانونية في المنطقة، بحسب المحامي.
السلطات غير مهتمة
حددت حكومة النظام السوري، في 18 من نيسان الحالي، تسعيرة شراء محصول القمح للموسم الحالي بـ2300 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد، و2000 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد من الشعير، وهو سعر يعتبر منخفضًا، ولا يتناسب مع التكاليف والجهود التي يبذلها المزارع، بحسب ما قاله مزارعون في محافظة الحسكة لعنب بلدي.
بينما لم تحدد “الإدارة الذاتية” صاحبة النفوذ شمال شرقي سوريا تسعيرتها لمحصولي القمح والشعير للعام الحالي، حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
ويبلغ سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي 8050 ليرة سورية، بحسب موقع “الليرة اليوم” المختص برصد حركة العملات والبورصة.