تجذب رائحة أقراص الفلافل التي تسبح في حوض امتلأ بالزيت الحار، الزبائن والمارة إلى مطاعم مختلفة في منطقة الفاتح بمدينة اسطنبول، ويشد طعمها المقيمين العرب وإلى جانبهم السياح والأتراك والقاطنون في أماكن بعيدة.
في الوقت الذي تغص شوارع مدينة اسطنبول بالمطاعم من مختلف الجنسيات والثقافات، وتقدم وجباتها المختلفة، تتميز مطاعم عن غيرها بتخصصها بصنف واحد يحمل طابعًا خاصًا ونكهة تترك أثرها في نفس الزبون، ومنها مطاعم الفلافل.
ورغم التخصص في تقديم الفلافل، يطغى الاختلاف بين مطعم وآخر، مع لمسة تميزه عن غيره، وتنوع لافت في النكهات وأسرار الخلطة، يضع الزبون في حيرة من أمره باختيار الفلافل التي تجاوزت حدود الطعام الشعبي، لتكون طبقًا عالميًا يقصده الجميع.
ثقافات مختلفة
تنتشر مطاعم الفلافل في منطقة الفاتح بكثرة، وتتنافس في تقديم وجباتها التي تختلف عن بعضها بطعم قرص الفلافل ومكوّناته وشكله ونوع الخبز وطريقة تقديم الوجبة وسعرها.
أحمد نجار “شيف” عمل في تحضير عجينة الفلافل بمطعم فلسطيني بمنطقة الفاتح لخمس سنوات، قال لعنب بلدي، إن معظم خلطات الفلافل متشابهة تعتمد على نقع الحمّص لساعات ثم طحنه مع مكوّنات أخرى تختلف حسب التفضيل.
وأوضح “الشيف” أنه ينقع الحمّص من ثماني إلى عشر ساعات، ثم يطحنه، مضيفًا إليه البقدونس، والفليفلة الخضراء الحارّة، و”الشبت” (نبات عشبي)، والبصل والثوم والبطاطا، ويختلف مقدار المكوّنات باختلاف الكمية المطلوب إنتاجها.
السر وراء اختلاف النكهات هو المكوّنات نفسها، وأصناف البهارات التي يعتمدها كل مطعم عن غيره، وتُضاف على دفعتين، الأولى حين طحن الحمّص ومنها الكزبرة والكمّون والملح وكربونات الصوديوم، والثانية بعد الطحن كالسمسم والسماق وحبة البركة.
وأضاف “الشيف” أن الاختلاف لا يقتصر على المطاعم فقط، فهو موجود حتى بين منزل وآخر وطريقة تحضير وأخرى بنفس العائلة وبنفس البلد، مشيرًا إلى أن طرقًا أخرى في التحضير تعتمد طحن الفول مع الحمّص.
حسان حميدان “شيف” سوري في اسطنبول، قال لعنب بلدي، إن طريقة تحضير الفلافل لا تحددها قاعدة ثابتة، وتختلف بحسب الرغبة والذوق و”النّفَس”، مشيرًا إلى أنه يفضّل عدم إضافة مكوّنات كثيرة إلى الحمّص.
وأوضح الشاب أن الفلافل باتت وجبة تنافس وجبات غربية وطبخات شرقية، وتجاوزت حدود الوجبة السريعة، أو كما كانت تُعرف بأنها “وجبة الفقير”، ويمكن تناولها في أي وقت صباحًا ومساء.
وتابع حميدان أن العاملين بها أضافوا ثقافات وتقنيات في طريقة التقديم وشكل القرص وطريقة لفّ السندويشة ونوع الخبز من “صاج وسياحي وخبز مدهون برب البندورة وخبز صمون”.
وذكر الشاب أن بعض العائلات وحتى الزبائن يعتبرون أن وجود فول أو خضار داخل العجينة، هو أمر دخيل على الوجبة وغير معتاد بثقافة المنازل في سوريا.
محمد فهد “شيف” عراقي في اسطنبول، قال لعنب بلدي، إن المكوّنات مشابهة تختلف بحسب ذوق الشخص وثقافة بلده، لافتًا إلى أن سر الفلافل العراقية واختلافها عن غيرها هو “العنبة” أو “العمبة”، وأن “الفلافل لدى الشعب العراقي دون عنبة لا تؤكل”.
و”العنبة” العراقية هي مادة سائلة حارة الطعم شائعة في الطعام العراقي، تُستخرج من “المانجو”، ومنتشرة في الهند والخليج العربي، وتتكون من “مانجو”، وملح، وخل، وكركم، وبهارات، وحلبة حارّة مطحونة، وتؤكل وحدها وتضاف إلى الفلافل أو “الشاورما”.
وبعيدًا عن منطقة الفاتح حوالي 12 كيلومترًا، تنتشر المطاعم المصرية في منطقة شيرين إيفلر، التي تقدم الطعام المصري ومن ضمنه وجبات الفلافل المعروفة بـ”الطعمية” أي قضمة من الطعام، التي تتميز باعتمادها على الفول بدلًا من الحمّص في عملية التحضير.
ورغم وجود إجماع على أن أصل الفلافل هو مصري، لا يزال الصراع حول ذلك موجودًا، فالمصريون يقولون إنه من أصول فرعونية أو قبطية، وإنه كان قبل نحو ألف عام الطعام المفضّل لدى المسيحيين الأقباط في مصر، كما يختلف الفلسطينيون والسوريون واللبنانيون في أصل الفلافل، ويتنافسون فيه.
تقدم المطاعم الفلافل في أطباق أو بسندويشات أو تباع كأقراص، وتختلف أسعارها بحسب حجم مكوّنات السندويشة ونوع الخبز، وحسب مكان المطعم وموقعه الذي يفرض عليه دفع تكاليف أعلى.
وتتراوح أسعار السندويش بين 22 و35 ليرة تركية، ويباع كل قرص فلافل بليرة أو نصف ليرة تركية حسب الحجم، وتختلف أسعار الأطباق على الطاولة بحسب ما يرافقها من خضار وحمّص ناعم وفول وغيرها.
اقرأ أيضًا: ثلاثة أسباب تفرغ أسواق اسطنبول من اليد العاملة
–