سوريون في الأردن نحو رحلة لجوء جديدة بسبب ظروف العمل
عنب بلدي – محمد فنصة
على الرغم من كونه أكبر بلد يستضيف السوريين من حيث عدد تصريحات العمل الممنوحة لهم، تحدد قوانين العمل الأردنية مجالات عمل ضيقة للسوريين، تحمل بعضهم على اللجوء إلى بلد آخر بحثًا عن ظروف معيشية أفضل.
وحتى نهاية عام 2022، أصدرت وزارة العمل الأردنية نحو 338 ألف تصريح عمل في مهن محددة للاجئين السوريين، كانت قد بدأت بمنحها منذ مطلع العام 2016، وفق ما نقلته قناة “المملكة” الحكومية.
ومنذ تموز 2021، بدأ اللاجئون السوريون الحصول على تصاريح عمل في جميع القطاعات المفتوحة لغير الأردنيين، التي شملت الخدمات والمبيعات والحرف والزراعة والحراجة وصيد الأسماك والعمل في المصانع وتشغيل الآلات وفي الصناعات الأساسية، بعدما كانت مقتصرة سابقًا على قطاعي الزراعة والإنشاءات.
تصاريح العمل الممنوحة للسوريين في الأردن تكون بمهن محددة ولمدة مؤقتة قابلة للتجديد، بينما أغلب المهن محصورة بالعمالة الأردنية، كالأعمال الإدارية والبيع في المحال التجارية بكل أنواعها، بالإضافة إلى معظم المهن في القطاع الخاص.
ومطلع نيسان الحالي، أصدرت الحكومة الأردنية قرارًا، كجزء من مشروع قانون تنظيم البيئة الاستثمارية، أضاف عدة مهن حرفية لقائمة المحظور على غير الأردنيين العمل فيها، وأثار جدلًا على وسائل التواصل الاجتماعي بين من يراه حماية لسوق العمل الأردنية، وبين من وصف القرار بـ”المجحف والعنصري”.
يستضيف الأردن حوالي 670 ألف لاجئ سوري مسجل لدى المفوضية السامية لحقوق اللاجئين، بينما تشير أرقام الحكومة الأردنية إلى وجود أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري.
بين من رحل ومن ينتظر
مالك الخالد، سوري لجأ إلى الأردن منذ نحو خمس سنوات، لكنه غادر منذ مطلع نيسان الحالي في رحلة لجوء جديدة وخطرة عبر طرق التهريب إلى أوروبا نحو ألمانيا، بحثًا عن ظروف معيشية أفضل.
مالك (29 عامًا) الذي لم يتزوج بعد، تحدث عن انعدام الطموح وضبابية الرؤية المستقبلية لحياته في ظل تساوي نفقاته مع دخله المادي خلال وجوده في الأردن، ما دفعه للبحث عن مستقبل أفضل في أوروبا، وفق ما قاله لعنب بلدي.
ويتضمن المستقبل الذي رسمه مالك في مخيلته خلال وجوده في أوروبا، وفق ما سمعه من تجارب السوريين هناك، الحصول على دخل مادي كافٍ يمكّنه من شراء منزل وسيارة، والتخلص من المعاملة العنصرية، التي كان يرى بعضها في الأردن.
ويخطط مالك للحصول على إقامة وتصاريح عمل نظامية، ثم وفق تخطيطه البعيد اكتساب جنسية البلد وجواز سفره الذي يسمح له بحرية السفر لعدة بلدان.
عمل مالك بالأردن في مهنة الحلاقة الرجالية، التي تعلمها في سوريا، والتي كانت تدر عليه دخلًا أفضل من أقرانه السوريين العاملين في المصانع أو الموظفين، لكنه كان يعمل بشكل مخالف نظرًا إلى أن مهنته من بين المهن المحظورة، والتي أعيد ذكرها بالقرار الأحدث.
وشملت المهن المحظورة على غير الأردنيين في القرار، فتح صالون حلاقة، أو مشغل تنجيد الأثاث، أو مشغل صنع الحلويات أو إنتاج المعجنات أو “البوظة”، أو مشاغل الحدادة والنجارة والألمنيوم وخراطة وتشكيل المعادن، أو مشغل تطريز وخياطة الأزياء التراثية، إضافة إلى صياغة الذهب، وتعبئة المياه، وإنتاج المكسرات المحمصة، وتحميص القهوة وطحنها، وصنع المنتجات الخزفية والفخارية، وغسل وكي الملابس.
وعلى الرغم من عمل مالك لمدة طويلة بشكل مخالف، حاله كحال عديد من السوريين أصحاب المهن، لم تكن حملات التفتيش التابعة لوزارة العمل كثيفة على المحال، وفي حالة مالك، كان يقيم في منطقة ريفية، حيث الحملات أقل من مركز المدينة.
ويخضع من يتبين عمله بمهنة غير متاحة للاجئين السوريين ضمن حملات التفتيش، لمخالفة مالية تصل إلى 500 دينار أردني (نحو 700 دولار).
ولم يكن حظ بشار (31 عامًا) جيدًا كحظ مالك، إذ تعرض خلال عمله في صيدلية لمخالفة مالية خلال حملة تفتيش لوزارة العمل في البلاد، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
بشار، طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل، درس وتخرج في كلية الصيدلة بالأردن، منذ قدومه إلى البلاد قبل عام 2011، لكنه بعد إنهاء دراسة الماجستير، لم يستطع إيجاد عمل بشكل نظامي في الأردن ضمن اختصاصه، كما يُحظر عليه فتح صيدلية باسمه.
ولجأ بشار إلى العمل لدى صيدلاني أردني بشكل مخالف، لتأمين دخله، لكنه منذ تخرجه ولعلمه بوضع العمل في الأردن، حاول اللجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق منحة دراسية، لكن قرار الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بمنع جنسيات عدة دول من بينها سوريا من دخول أمريكا، وقف عائقًا أمام ذهابه.
وعلى الرغم من ولادته في الأردن لأبوين سوريين، قال بشار، إنه لو كان يحق له الحصول على الجنسية الأردنية والعمل بالأردن دون قيود لما فكر في مغادرتها أبدًا، وفق تعبيره.
رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، صرح، في آب 2021، خلال مقابلة مع موقع “إندبندنت تركيا”، بشأن إذا كان الأردن سيمنح الجنسية للاجئين السوريين، بقوله، “معاذ الله أن يحصل ذلك”.
قرار لا يصب في مصلحة أحد
في تعليقها على القرار الأردني المتعلق بإضافة مهن جديدة محظورة على غير الأردنيين، قالت الناشطة الأردنية سلمى النمس، إن تعليمات حظر بعض المهن لن يكون حلًا لمشكلة البطالة، بينما أسهم المهاجرون في رفع سوية وأداء وحرفية الأردنيين في هذه المهن، وفق تعبيرها.
بدورها، دعت جمعية “تمكين” الأردنية للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، الحكومة الأردنية إلى إعادة النظر في قائمة المهن الحرفية التي لا يُسمح لغير الأردنيين بممارستها، مؤكدة أنها ستتسبب بمزيد من التضييق على المستثمرين، وانتقال مزيد من العمال إلى العمل بشكل مخالف، ما يؤدي إلى حرمانهم من الحماية الاجتماعية.
وجاء في بيان الجمعية، الصادر في 17 من نيسان الحالي، أن هذا القرار يعني زيادة نسب التهرب التأميني والعمل في القطاع غير النظامي، حيث يحظى العمال غير الأردنيين، بمن فيهم اللاجئون السوريون، بحماية أقل ووصول أدنى إلى الحماية الاجتماعية، ويعدون ضمن الفئات الأكثر ضعفًا في سوق العمل.
وتشير الأرقام الصادرة عن التقرير السنوي لمؤسسة الضمان الاجتماعي عام 2021، إلى أن نسبة المؤمّن عليهم غير الأردنيين بلغت 11.9%.
ويهدف القرار، وفق الحكومة الأردنية، إلى محاربة البطالة التي وصلت نسبتها خلال الربع الرابع من عام 2022 إلى 23.9%.
ووفق تحليل الجمعية، يظهر أن القوانين التي تخص عمل غير الأردنيين والمعمول بها منذ أكثر من 20 عامًا، “لم تفلح على أرض الواقع بتقليل نسب البطالة التي تزداد عامًا بعد عام”.
وأوضحت الجمعية أن عدم توفر بيئة عمل “لائقة” في كثير من القطاعات العمالية في الأردن، سواء من حيث الأجور أو توفير مزايا أخرى مثل الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وغيرها من الشروط، تجعل الأردنيين الباحثين عن عمل لا يقبلون على العمل فيها.
وتتعدد الوكالات الدولية التي تعمل على خلق فرص عمل للاجئين السوريين والفئات الأكثر ضعفًا من الأردنيين، عبر برامج سنوية من جهة، وتقديم الدعم المالي للحكومة الأردنية من جهة أخرى.
ومؤخرًا، وافق البنك الدولي على تمديد برنامج “الفرص الاقتصادية للأردنيين واللاجئين السوريين” حتى 31 من كانون الثاني 2024، وذلك بناء على طلب أردني.
واقترحت الحكومة الأردنية، في نيسان الحالي، زيادة نفقات البرنامج لتصبح 625 مليون دولار، مع تمديده لمدة عام، إذ صرف البنك نحو 386 مليون دولار للبرنامج منذ إطلاقه.
ويدعم البرنامج اللاجئين من ناحية دخولهم سوق العمل الأردنية وتمكينهم للاعتماد على أنفسهم، والإسهام في الاقتصاد الأردني، ولدعم أجندة الإصلاح للحكومة الأردنية لتنمية الاقتصاد من خلال مناخ الاستثمار والإصلاحات القطاعية.
وبلغت نسبة الفقر بين اللاجئين السوريين في الأردن 66%، وفق تقرير المفوضية السامية للاجئين، الصادر في آذار الماضي.
في عام 2016، تعهدت الحكومة الأردنية وبالشراكة مع المجتمع الدولي بتحسين الظروف المعيشية للاجئين السوريين والمجتمعات الأردنية المضيفة، عبر ما سمي بـ”ميثاق الأردن”، الذي شكّل التزامًا من المجتمع الدولي لدعم الأردن في استضافة اللاجئين، ودعم المواطنين الأردنيين والاقتصاد الأردني.
وفي عام 2016، كان الحد الأدنى للأجور بالنسبة للعمال الوافدين من خارج الأردن، بمن فيهم اللاجئون السوريون، 190 دينارًا أردنيًا، ولكن الحكومة الأردنية رفعته إلى 230 دينارًا أردنيًا (323 دولارًا)، منذ مطلع العام 2021، بينما الحد الأدنى للأجور بالنسبة للأردنيين 260 دينارًا (366 دولارًا).
على الصعيد العالمي، يعيش 38% من اللاجئين في بلدان لا تفرض قيودًا على الوصول إلى فرص العمل الرسمي، بما في ذلك العمل الحر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :