قدّم مسلسل “للموت” في جزئه الثالث الذي عُرض في رمضان 2023، نهاية لا تحسم الجدل حول إمكانية العودة في جزء رابع للموسم الرمضاني المقبل، خلافًا لما جرى بنهاية الموسم الثاني، التي أوحت بإقفال باب القصة، قبل أن تقدّم كاتبة العمل نادين جابر فتوى درامية للمتابعة.
وإذا كان الموسم الثاني انتهى على ما بدا أنه موت بطلتي العمل الرئيستين، مع تراجع مساحة البطولة والتأثير للجنس الآخر، فالموسم الثالث لم يحسم نهائيًا مصير شخصياته الرئيسة، رغم تخلّصه من عنصر “البطل المضاد” الذي يقف عدوًا وندًا للبطل، وهو عنصر غير ثابت في كل موسم من “للموت”، كما نقل مشهدًا عن حدث مهم ومؤثر في المنطقة والعالم، ويمكن أن يؤثر في القصة واستمراريتها أيضًا (الزلزال).
انطلقت أحداث الموسم الثالث من تونس، حيث أقامت “ريم” و”سحر” بعد نجاتهما من الموت، وعملتا في مقهى ليلي، على أمل العيش بعيدًا عن المشكلات والفوضى، لكن الظروف تعيدهما مجددًا إلى العالم الذي حاربتا للخروج منه، وتعيدهما مجددًا إلى لبنان، حيث يعتقد الجميع أنهما ميتتان منذ سنوات، ولكل منهما قبرها الوهمي من جهة، وأفضالها الحقيقية على المحيطين والمقربين من جهة أخرى.
يغيّر العمل شيئًا من روحه بتبديل بطله السوري الرئيس محمد الأحمد، وخروج الممثل اللبناني باسم مغنية من العمل، بقتل شخصيته، ليملأ هذه المساحة كل من يامن الحجلي، ومهيار خضور، مع ظهور ورد الخال، بشخصية “كارما”، كبطلة مضادة تحاربها “ريم” و”سحر” و”يامن” و”جواد” على امتداد حلقات طويلة.
لم يأتِ العمل فقيرًا رغم سيره على خط يخلط بين حقيقة محضة ومبالغة، فكان غنيًا بالأحداث والحوار، وبدا ذلك ملموسًا طوال حلقاته التي وصل بعضها لحدود ساعة كاملة، أو 55 دقيقة، في سبيل إقفال العرض على 30 حلقة.
“للموت”، واحد من ثلاثة أعمال مشتركة (سورية- لبنانية) خاضت منافسات العرض الرمضاني، وامتلك عناصر تفوّق تخوّله المنافسة على الجوائز الدرامية ضمن مهرجانات تقام لاحقًا، كما درجت العادة بعد كل موسم درامي.
يحارب القائمون على العمل لتجنب السقوط في فخ التكرار، وبدا ذلك واضحًا من اختيار تونس انطلاقة لبداية أحداث الموسم، واستبدال مسرح أحداث بقية الحلقات التي جرى تصويرها في لبنان، عبر انتقال سلس من الحي إلى الميتم في آخر حلقات الموسم الثاني، وإضاءة على ما يلامس المشاهد من الداخل، بتصعيد في حالة “عبد الله”، المصاب بـ”ألزهايمر”، والتي أداها بتمكن الممثل أحمد الزين، والتطرق لمعاناة مريض السرطان، بشخصية “حنان”، التي أدتها رندة كعدي.
إلى جانب ذلك، يتناول العمل مسألة الطفولة الجنسية للأطفال الذين يعيشون دون رعاية عائلية، متروكين في الطرقات، والانتهاكات التي يمكن أن يواجهوها بالإضافة إلى الجوع والبرد والعطش، والإهمال العاطفي والنفسي والاجتماعي، وغياب حقوق كثيرة لا تبدأ بالرعاية الطبية ولا تتوقف عند التعليم، والوضع القانوني.
يحافظ العمل على حالة جرأة يحاكي فيها الحوار الواقع، عبر استخدام مصطلحات غير محبذة عبر الدراما العربية، أو على الأقل دراما العائلة، دون الوقوع في فخ الابتذال أو الإسفاف، فالشخصيات التي حلّت ضيفة على المشاهد في الموسم الأول تطوّرت ونضجت وتغيّر الزمن معها وفيها، وهو ما وعته الكاتبة وأبرزته على مستوى التفكير والوعي العاطفي لـ”ريم” و”سحر”.
والقضية التي بدأت في الجزء الأول بالحب الذي يكسر الفقر شوكته، فيتحول إلى استغلال، وجانٍ وضحية، ارتدت في الموسم الثاني وجه انتقام حار، انفعالي، عفوي، وإن بدا مخططًا له، ثم تابعت في الموسم الثالث نحو ندم ورغبة بالتوبة وتغيير المسار، يقابلها تعطّش للانتقام وإدمان للجريمة في مكان آخر.
أنتجت العمل شركة “إيجل فيلمز”، وأخرجه اللبناني فيليب أسمر الذي استطاع جذب الأضواء بأرشيف مسلسلات ضم عدة أعمال مشتركة، أبرزها “خمسة ونص” و”2020″، و”لا حكم عليه”، والأجزاء الثلاثة من “للموت”.
العمل متاح للمشاهدة عبر “شاهد”، وشارك أيضًا في البطولة لهذا الموسم فايز قزق، وسحر فوزي، ورانيا عيسى، مع حضور ثابت لفادي أبي سمرة وكارول عبود وختام اللحام، ووسام صباغ والطفلة تالينا بو رجيلي.