بعد تحولها للمنبع الأول لـ “الكبتاجون” على مستوى العالم، بسبب عمليات النظام السوري في إنتاج وتصدير المادة المخدرة، أثار تقارب الرياض من دمشق، التساؤلات حول أثره على تدفق المخدر إلى أكبر سوق مستهدف، إذ تعتبر قضية وقف تهريب “الكبتاجون” من الأهداف الأساسية بالنسبة للسعودية لتطبيع العلاقات.
ولم يغفِل البيان الصادر بعد الاجتماع الذي استضافته الرياض في 15 من نيسان الحالي، بحضور وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والعراق، لبحث الموقف من عودة النظام إلى الجامعة العربية، ذكر مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، حيث حضرت عدد من الدول المتضررة من التهريب، وعلى رأسها السعودية والأردن.
وبشكل مشابه أكد البيان المشترك الصادر عقب زيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى السعودية ولقائه نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، في 12 من نيسان الحالي، على تعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها.
صحيفة “عكاظ” السعودية قالت، في 23 من آذار الماضي، إن من خطوات التقارب التي طالبت بها السعودية، ضبط ملف المخدرات، والشروع فورًا بتطويق المجموعات المسؤولة عن تهريبها نحو الأردن.
تضاؤل بعد زيارات سرية
كبيرة المحللين في معهد “نيو لاينز” في العاصمة الأمريكية واشنطن، كارولين روز، والتي درست تجارة “الكبتاجون”، وصفته بأنه “بطاقة” في محادثات التقارب بين النظام السوري والدول التي تسعى إلى التطبيع معه، وفق حديثها لشبكة “CNN” الأمريكية في 11 من نيسان الحالي.
وقالت روز لـ”CNN”، “كان النظام يستفيد من قوته في تجارة (الكبتاجون)، مرسلًا إشارات إلى الدول التي تفكر في التطبيع بأنه يمكن أن يقلل من تجارة (الكبتاجون) كبادرة حسن نية”.
الخبير الأردني في الأمن الاستراتيجي، عمر الرداد، قال لعنب بلدي، إن تهريب المخدرات كان أحد الموضوعات الرئيسية في المصالحة السعودية- السورية، وستكون له تداعيات ونتائج.
ورغم أنه بإطار “خطابات النوايا” حتى اللحظة، فإن ترجمته ستكون أحد المؤشرات الأساسية على مدى التزام دمشق، بحسب الرداد، الذي أشار إلى المعلومات المسربة بشأن زيارة شقيق رئيس النظام السوري، ماهر الأسد إلى السعودية، حيث التقى مع المخابرات السعودية، وجرى الاتفاق على ضبط تهريب المخدرات.
وبعد نحو شهر على التسريب أصبحت عمليات تهريب المخدرات “أقل حدة” مما كانت عليه بالسابق تجاه الأردن والدول الأخرى، وفق الرداد، بالرغم من الأخبار التي تتحدث عن ضبط كميات من المخدرات في السعودية بعد خطوات التقارب.
وذكرت صحيفة “الجريدة” الكويتية، في 21 من آذار الماضي، نقلًا عن مصادر، قولها إن ماهر الأسد زار الرياض، وذلك بعد أشهر من الزيارة التي أجراها رئيس المخابرات السورية، حسام لوقا إلى السعودية، والتي التقى خلالها نظيره السعودي، خالد الحميدان.
وبحسب “الجريدة”، فإن زيارة ماهر الأسد كانت ذات طابع أمني بحت، وتتعلق بضرورة مكافحة دمشق لعمليات تهريب المخدرات وتصنيعها، إضافة إلى متابعة ملف ضبط الحدود، خصوصًا أن هذه الملفات كلها من صلاحيات الفرقة “الرابعة” في قوات النظام السوري التي يقودها ماهر الأسد.
بدوره قال الدكتور والباحث في الاقتصاد السياسي، جوزيف ضاهر، لعنب بلدي، حول أثر التقارب السعودي على نشاط تهريب المخدرات في سوريا، إنه يصعب تأكيد المعلومات حول هذه القضية، لكن أنباء تحدثت عن تضاؤل تدفق المخدرات إلى السعودية في الأسابيع الماضية، بعد زيارات سرية لمسؤولين سوريين، مثل ماهر الأسد أو لوقا، إلى السعودية.
وفي 25 من نيسان الحالي، أعلنت المديرية العامة لمكافحة المخدرات في السعودية، أنها أحبطت محاولة إدخال 12 مليونًا و729 ألف قرص من مادة “الإمفيتامين” المخدرة كانت مخبأة في شحنة فاكهة الرمان بميناء “جدة”، حيث ألقت القبض على مستقبليها وهم أربعة أشخاص، منهم مقيمان من الجنسية المصرية، وآخران من الجنسية السورية واليمنية.
وفي 13 من نيسان، أعلنت السلطات السعودية ضبط شحنة من الحبوب المخدرة، وعددها أكثر من 3.6 مليون حبة من مادة الإمفيتامين المخدر، مخبأة في شحنة بطاطا، وجرى القبض على مستقبليها في الرياض، وهم ثلاثة مقيمين ووافدان بتأشيرة زيارة، وفق ما نقتله وكالة الأنباء السعودية (واس).
ولم يتناول تصريح المتحدث الرسمي للمديرية العامة لمكافحة المخدرات، محمد النجيدي، جنسيات المتورطين في العملية، لكن عملية أخرى سبقتها في 2 من آذار الماضي، ضبطت خلالها السلطات 4.9 مليون حبة من مادة الإمفيتامين، مخبأة في شحنة “كابلات”، كان مقررًا أن يستقبلها مخالف لأمن الحدود من الجنسية السورية، وفق “واس“.
التهريب غير مرهون بالانتعاش الاقتصادي
كشف تقرير أوردته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، عن مسؤولَين مطلعَين على اجتماع وزراء الخارجية في الرياض الذي ناقش عودة النظام للجامعة العربية، وجود “معارضة حادة” للتقارب السعودي من دول، من بينها قطر والكويت والأردن، التي تساءلت جميعها عن المقابل الذي يمكن أن يمنحه النظام لقاء ذلك التقارب.
إحدى نقاط الخلاف كانت حبوب “الكبتاجون”، العقار المخدر الذي يسبب “إدمانًا شديدًا”، والذي أصبحت تجارته شريان الحياة الاقتصادي للنظام السوري، وفق المسؤول الذي قال، “لقد أصبحت (سوريا) دولة مخدرات، بتجارة تصل إلى أربعة أو خمسة مليارات (دولار) سنويًا، ولا يمكننا دفع (ثمن) ذلك”.
أوضح الدكتور في الاقتصاد السياسي، جوزيف ضاهر، أن التعافي الاقتصادي في سوريا لا يزال “بعيد المنال”، وأن الحديث عن أي انتعاش اقتصادي يجب أن يكون “مهمًا للغاية” حتى يتسنى تحقيق أرباح توازي تجارة المخدرات، إذ تعتبر كغيرها من الأعمال الإجرامية، دخل مهم لشبكات النظام، التي لا تزال بحاجة إليها، خاصة في ظل أزمة اقتصادية في سوريا.
بدوره أبرز الخبير في الأمن الاستراتيجي، عمر الرداد، ارتباط تهريب المخدرات، بتحقيق موارد مالية في ظل غياب الدعم الكافي من الدول الحليفة للنظام، وهو ليس متعلقًا فقط بالأزمة الاقتصادية.
وحول وجود بدائل لجهة تهريب “الكبتاجون” إلى دول غير السعودية، في حال أراد النظام السوري الاستجابة لمطالبها، يعتقد الرداد، وجود بدائل لمناطق استهلاك المخدرات، مثل الساحة العراقية واللبنانية، مع استمرار عمليات التهريب من لبنان أو من سوريا إلى مناطق مختلفة.
وما يميز السوق السعودية عن غيرها بالنسبة لجهة التصدير، كون القوة الشرائية “قوية” عند السعوديين، وهو ما يجعل بالإمكان البيع بسعر أعلى، وفق ضاهر.
وبحسب المحللة من معهد “نيو لاينز”، كارولين روز، فإن النظام قد يحافظ على أعمال “الكبتاجون” الخاصة به كشكل من أشكال النفوذ طويل الأمد ضد جيرانه، مع الحفاظ على مستوى معين من “الإنكار المعقول” بخصوص التجارة، وإلقاء اللوم على قوى المعارضة والجهات الفاعلة غير الحكومية، بينما ينفذ “عمليات تجميلية” في الداخل لإبعاد اللوم عنه.
وفي 19 من نيسان الحالي، نقلت صحيفة “الوطن” المحلية، عن مصدر في الجمارك، إجراء جملة تنقلات طالت عددًا من الإدارات ورؤساء الضابطات الجمركية في المحافظات.
وتروج وسائل الإعلام الرسمية السورية بانتظام لعمليات ضبط “الكبتاجون”، قائلة إن وزارة الداخلية تقمع تجارته وكذلك تجارة المخدرات الأخرى، بينما تؤكد العديد من التحقيقات الغربية تورط النظام في انتاج وتوزيع هذه المواد.
ودفع تورط النظام في مسألة “الكبتاجون”، أمريكا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا إلى فرض عقوبات على شخصيات من عائلة الأسد، وتجار مقربين من النظام وشركات تابعة لهم على علاقة بتجارة المخدرات.
هل التجارة تحت قبضة الأسد؟
يرى الباحث في الاقتصاد السياسي، جوزيف ضاهر، أن الفرقة “الرابعة”، بقيادة ماهر الأسد، والشبكات المرتبطة به، هي في “قلب تجارة المخدرات”، لا سيما إنتاجه ونقله داخل سوريا.
وأشار ضاهر إلى وجود جهات فاعلة أخرى ومتورطة بالتجارة في سوريا، ولكن “ليس لها ذات الوزن”.
من جهته قال الخبير في الأمن الاستراتيجي، عمر الرداد، إن مسألة تهريب المخدرات أصبحت “سلاحًا ذو حدين” تجاه السلطة في سوريا، بعد التقارب السعودي، فوقف عمليات التهريب أو تخفيفها، يثبت أن النظام مسؤول بصيغة أو بأخرى عن تهريب المخدرات، على عكس الرواية الرسمية، التي تدعي وجود جماعات خارجة عن القانون مسؤولة عن التهريب.
وردًا على سؤال يتعلق بأفضلية أن تدعم السعودية الأردن في سبيل صد التهريب من أن تطلب من النظام إيقاف الإنتاج والتهريب، أجاب الرداد أن قضية المخدرات تشكل جزئية بالنسبة للسعودية، ضمن تفاهم “أعمق”، وهو العلاقات المستقبلية مع النظام وإيران، وكيفية ضبط هذه العلاقات باتجاهات بعيدة عن توجهات إيران و”الحرس الثوري الإيراني” بالمنطقة.
وفي مطلع آذار الماضي، طلب الملك الأردني، عبد الله الثاني، من وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، المساعدة في خوض “حرب المخدرات” المتنامية على طول الحدود البرية الأردنية- السورية.
كما حمّل الملك الأردني الميليشيات المدعومة من إيران المسؤولية عن تهريب المخدرات على الحدود، وناقش مع الوزير الأمريكي تصاعد ترسيخ الميليشيات المدعومة من إيران جنوبي سوريا، والتي قال مسؤولون إنها كثفت عمليات تهريب المخدرات عبر حدودها، للوصول إلى أسواق الخليج العربي.
وناقشت عنب بلدي في ملف سابق، مدى ضلوع النظام واستخدام عائلة الأسد نفوذها في إنماء هذه التجارة في ظل تهالك الاقتصاد السوري، واعتماد المخدرات مصدر دخل أول، بالإضافة إلى استعمالها ورقة ضغط ومساومة لتحقيق مصالح النظام، دون محاسبته أو إيقاف توسعه فيها.