الأسد تحت العباءة السعودية

  • 2023/04/23
  • 1:13 م

وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، يلتقي رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في أول زيارة إلى دمشق منذ عام 2011- 18 من نيسان 2023 (واس)

حسام المحمود | جنى العيسى | يامن المغربي

بدا شهر نيسان 2023 سعوديًا بامتياز في الملف السوري، على مستوى كثافة التحركات التي أجرتها الرياض، والخطوات التي اتخذتها لفتح أبواب العالم العربي أمام رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المنبوذ من جامعة الدول العربية منذ عام 2011، بعد التعاطي القمعي مع الاحتجاجات الشعبية التي طالبت برحيله حينها.

لقاءات وتصريحات ومؤتمر وزاري وبيانات ختامية شكّلت محرّك أحداث كثيفة جاءت متزاحمة في أسبوع لبحث الملف السوري الذي يرواح مكانه منذ 12 عامًا، رغم محاولات تنشيط متكررة يتبعها الركود السياسي ذاته، والفاتورة من جيوب السوريين.

وإذا كانت المسارات السياسية الراكدة، والقرارات الأممية التي لم تخطُ أبعد من التصويت، قاموسًا للحل السياسي المستعصي في سوريا طوال سنوات، فالرياض تتولى اليوم دفعًا عربيًا لتأهيل الأسد، في ظل موقف أوروبي وأمريكي لا يبارك هذه الخطوات، وتمسك دول عربية أخرى بموقفها الرافض للتقارب مع النظام، قبل تفعيل مسار الحل السياسي.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع مجموعة باحثين ومختصين، التقارب السعودي مع النظام السوري، ومساعي الرياض لإعادة النظام إلى “الحضن العربي”، إلى جانب موقف المعارضة السورية، والموقفين، الأمريكي والأوروبي، من هذه الخطوات، مع قراءة الآثار السياسية والاقتصادية التي قد تنجم عنها.

“تحيات” سعودية للأسد

بعد سنوات طويلة تخللتها إلى جانب القطيعة تصريحات كثيرة هاجم خلالها النظام السوري المملكة وحكّامها، وتأكيد سعودي أواخر 2021 أن الحرب في سوريا لم تنتهِ، وأن الأسد يقف على “هرم من الجثث”، غيّرت الرياض لهجتها تجاه النظام بوضوح بعد الزلزال المدمر في 6 من شباط الماضي، وصولًا إلى لقاءات رفيعة المستوى، والحديث عن لقاءات على مستوى أكبر على المدى المنظور.

في 18 من نيسان الحالي، استقبل الأسد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في زيارة سعودية هي الأولى من نوعها إلى دمشق، منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.

الزيارة التي استمرت لساعات فقط، تبعها بيان للخارجية السعودية، جاء فيه أن الوزير نقل تحيات الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد، محمد بن سلمان، للأسد.

وجرى خلال اللقاء مناقشة الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي لـ”الأزمة السورية”، وبحث للخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة تنهي جميع تداعيات “الأزمة” وتحقق المصالحة الوطنية، وتسهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، بحسب البيان.

سبقت هذه الزيارة بأقل من أسبوع زيارة مماثلة لوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى مدينة جدة السعودية، بدعوة من نظيره السعودي في 12 من نيسان الحالي.

وجاء في بيان صحفي مشترك في ختام الزيارة، أن الجانبين اتفقا على أهمية حل الصعوبات الإنسانية، توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات إلى جميع مناطق سوريا، وتهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم.

كما أكد الجانبان أهمية تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بأشكاله وتنظيماته، وتعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وضرورة دعم مؤسسات الدولة لبسط سيطرتها على أراضيها، لإنهاء وجود “الميليشيات المسلحة” فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن السوري.

وتطرق البيان للخطوات اللازمة للتسوية السياسية الشاملة بما ينهي تداعيات “الأزمة”، ويحقق المصالحة الوطنية، ويسهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، وهي قضايا ناقشها أيضًا ابن فرحان في لقائه مع الأسد.

وكان وزير الخارجية السعودي صرح، في 18 من شباط الماضي، على هامش مؤتمر “ميونيخ للأمن 2023″، أن هناك “إجماعًا عربيًا على أن الوضع في سوريا يجب ألا يستمر على ما هو عليه”.

وخلال المؤتمر نفسه، أكد وزير الخارجية الكويتي، سالم عبد الله الجابر الصباح، أن موقف الكويت ثابت من النظام، ولا خطط للتطبيع بعد الزلزال، ما شكّل مؤشرًا لغياب صيغة مشتركة حول التعاطي العربي المستقبلي مع النظام.

نائب وزير الخرجية السعودي يستقبل وزير الخارجية السوري في زيارته الأولى للسعودية منذ 2011 _ 12 من نيسان 2023 (واس)

“إذا صدقت النيات”

الخطوات نحو دمشق، التي جاءت سريعة نسبيًا، قسمت آراء الباحثين حيالها، إذ شكّك اللواء السعودي المتقاعد والباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية عبد الله بن غانم القحطاني، بإمكانية تطبيق ما ورد في البيان المشترك لوزيري الخارجية، موضحًا أن مكافحة الإرهاب لا تتحقق من جانب واحد، مستبعدًا قدرة النظام السوري على التخلص من الميليشيات الداعمة له، ومنها “حزب الله” الذي تصنفه الولايات المتحدة وبريطانيا ودول عربية وأجنبية كمنظمة “إرهابية”.

وقال القحطاني، في حديث إلى عنب بلدي، إن ابتعاد النظام عن هذه المنظمات لن يحصل في وقت قريب، كما هو مأمول، لكنه سيجد نفسه مضطرًا مع الوقت للابتعاد عنها، بالإضافة إلى وقوف إيران في “منطقة رمادية”، وليس واضحًا ما إذا كانت ستقلص حضورها في الملف السوري أم لا، وفق التفاهمات السياسية مؤخرًا.

وحول مسألة بسط النظام نفوذه على الأراضي السورية بالكامل، أوضح القحطاني أن خطوة من هذا النوع تتطلب إنهاء دور الميليشيات الأجنبية وإخراجها، وإقامة علاقات جيدة مع دول الجوار، وحلًا للأزمة الداخلية، وقناعة واطمئنان الشعب السوري لحكومة، سواء الموجودة في دمشق أو أخرى تليها، وهذا يتطلب نهجًا سياسيًا مختلفًا على مستوى حكومة النظام والشعب والمعارضة.

وأضاف أن بنود البيان الوزاري قابلة للتحقق إذا صدقت النيات، لكن بعضها يتطلب وقتًا طويلًا، كالمصالحة، وعودة اللاجئين والمهجرين، وإخراج الميليشيات الأجنبية، وقد يكون هناك ما هو مستبعد أصلًا، ولا سيما بالحديث عن أنظمة شمولية لديها تاريخ طويل من عدم التصالح مع شعبها وجوارها، وفق تعبيره.

وحول موقع العقوبات الغربية من هذا التقارب، يرى الباحث أنه يمكن التوصل إلى ما يمنعها، كتصالح النظام السوري مع الشعب، وعلاقات جيدة مع الجوار، وحسن نيات حقيقي، وحل لقضايا أخرى سياسية وأمنية عالقة، كل ذلك سيمهد لرفع العقوبات، مع ضرورة التساؤل حول مدى قدرة النظام أصلًا على التصالح مع نفسه وشعبه، على اعتبار أن البيئة الاستراتيجية الدولية معقدة، وليست في مصلحة النظام، أو المنطقة ككل، والرياض لا تريد أن تبقى المنطقة مُدارة بتدخلات وانتهازيات لم تحقق تقدمًا أو فائدة.

في الوقت نفسه، أشار القحطاني إلى تغيرات في الموقف الإيراني مع السعودية، دون إمكانية تحديد ما إذا كانت خطوات تكتيكية أم قناعة، وما إذا كان هناك ضمانات دولية لتغيير المواقف هذا.

من يدور في فلك إيران، سياسيًا أو أمنيًا أو عسكريًا أو اقتصاديًا أو ولائيًا أو طائفيًا، مجبر على اتباع خطواتها سلمًا وحربًا وصلحًا وتغييرًا في النهج.

عبد الله بن غانم القحطاني – لواء سعودي متقاعد وباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية

بينما عبّر الصحفي السعودي نواف القديمي، مدير “الشبكة العربية للأبحاث والنشر”، عن دهشته من القرار، موضحًا عبر “تويتر“، أن الرياض التي أجبرت الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على التراجع عن موقفه الرافض لزيارتها، تستجيب لإعادة علاقات مع “نظام وضيع لا يسيطر على ربع سوريا، وقتل نصف مليون، وهجّر نصف الشعب، وكال عشرات الشتائم للسعودية، ويصدّر لها المخدرات”.

وفي 13 من نيسان الحالي، أعلنت السلطات السعودية ضبط شحنة من الحبوب المخدرة، تبلغ 3.6 مليون حبة من مادة “الإمفيتامين” المخدر، مخبأة في شحنة بطاطا، وجرى القبض على مستقبليها في الرياض، وهم ثلاثة مقيمين ووافدان بتأشيرة زيارة، وفق ما نقتله وكالة الأنباء السعودية (واس).

ولم يتناول تصريح المتحدث الرسمي للمديرية العامة لمكافحة المخدرات، محمد النجيدي، جنسيات الضالعين في العملية، لكن عملية أخرى سبقتها، في 2 من آذار الماضي، ضبطت خلالها السلطات 4.9 مليون حبة من مادة “الإمفيتامين”، مخبأة في شحنة “كابلات”، كان مقررًا أن يستقبلها “مخالف لأمن الحدود من الجنسية السورية”، وفق “واس“.

رئيس النظام السوري بشار الأسد يستقب وزير الخارجية السعودي في دمشق- 18 من نيسان 2023 (رئاسة الجمهورية تلجرام)

الغرب ينتقد لكن لا يتحرك

أكد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، لويس ميغيل بوينو، أن الموقف الأوروبي حيال التطبيع مع النظام السوري لن يتبدّل، قبل انخراطه فعليًا في حل سياسي وفق القرار الأممي “2254”، وهو ما جرى التأكيد عليه مجددًا في اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في اليابان (16- 18 من نيسان الحالي).

ولفت المتحدث، في مراسلة مع عنب بلدي، إلى أن المجتمع الدولي لا يمكنه النظر في مسألة إعادة الإعمار إلا بعد إحراز تقدّم نحو الحل السياسي، لكن العقوبات الأوروبية بحق أفراد وكيانات النظام ليست ذات تأثير خارجي، وهي ملزمة لمؤسسات ومواطني الاتحاد، ولا تطال دولًا تتخذ قراراتها السيادية بناء على مصالحها الوطنية وتشريعاتها، وفق بوينو.

يجب على النظام السوري الانخراط بطريقة فعالة في التوصل إلى حل سياسي شامل ومستدام للأزمة، للأسف لم يحدث ذلك (…) في حال طرحت دولة عربية أو جامعة الدول العربية شروطًا معيّنة من أجل استعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، فالقرار يعود بالكامل إلى هذه الدول أو تلك المنظمة.

المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي لويس ميغيل بوينو

وشدد المتحدث على أن الاتحاد لا يرى بديلًا عن القرار “2254” للتوصل إلى حل في سوريا، مؤكدًا الالتزام الأوروبي بمواصلة الوقوف إلى جانب الشعب السوري على الجبهتين السياسية والإنسانية، مضيفًا، “سيسعدنا أن نشهد مستوى مماثلًا من الالتزام لدى شركاء دوليين آخرين أيضًا”.

تدرج أمريكي

جاء الموقف الأمريكي مترنحًا بين “صدمة” و”توقع” للخطوة السعودية، رغم التلويح سلفًا بمعاقبة من يطبّع مع الأسد.

في 28 من شباط الماضي، تعهد مجلس النواب الأمريكي بمحاسبة من يطبّع مع النظام السوري، في تصويته على قرار ينبغي تمريره من مجلس الشيوخ، قبل إقراره من الرئيس الأمريكي، جو بايدن.

التهديد الأمريكي المفتوح هذا، لم يؤخر الخطوة التالية بالنسبة للرياض، عبر تتويج التصريحات بلقاءات تؤكدها، ما قابلته واشنطن برد فعل جاء متتابعًا وغير خارج عن سياق المتوقع.

في 6 من نيسان الحالي، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وليام بيرنز، وخلال زيارة غير معلَنة إلى الرياض، أخبر ولي العهد السعودي، أن واشنطن شعرت بالصدمة من تقارب الرياض مع طهران ودمشق.

كما نشر المستشار الأول للممثل الأمريكي الخاص إلى سوريا، وليام روبوك، في 11 من نيسان، تقريرًا مطولًا، اعتبر التقارير حول قرار سعودي لعلاقات مع النظام غير مفاجئة، وخاصة مع تحركات السعودية الأخيرة، بل يسير في نفس الاتجاه على أنه ترسيخ للإجماع العربي والإقليمي، وفق التقرير.

وفي 15 من نيسان، التقى وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، ومصر والأردن والعراق، في الرياض، لبحث مسألة إعادة النظام إلى الجامعة العربية، وانتهى اللقاء دون التوصل إلى قرار، بينما تحدثت صحيفة “فاينانشال تايمز” عن معارضة قطر والكويت والمغرب واليمن لهذه الإعادة، مع الحديث عن تخلي مصر عن معارضتها للنظام، لكنها تريد إظهار تقدّم في المسار السياسي.

في اليوم نفسه، انتقد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، بوب مينينديز، جهود التطبيع العربية مع النظام، لافتًا إلى أنها تتجاوز انتهاكاته، كون استمرار تهريب المخدرات يهدد مجتمعات المنطقة.

التصريح الأمريكي سبقه آخر، في 13 من نيسان، على لسان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، مايكل ماكول، الذي اعتبر التطبيع مع الأسد إضفاء شرعية عليه كرئيس دولة مخدرات إرهابية، وترسيخًا لنفوذ إيران.

وقال ماكول عبر “تويتر” حينها، “الأسد يقصف السوريين ويقوّض الاستقرار الإقليمي (…) إن إعادته إلى الجامعة العربية خطأ استراتيجي”، داعيًا الدول العربية للتراجع الفوري عن الخطوات التي تصب في هذا الإطار.

وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في أول زيارة للسعودية منذ عام 2011- 12 من نيسان 2023 (واس)

لا يقترب من الطموحات..

قراءة في البيان الوزاري

مع تركيز البيان الوزاري السعودي- السوري على قضايا لم تغطِّ جوانب الملف السوري ككل (منها ملف المعتقلين)، لكنها حساسة في الوقت نفسه، ولا سيما بالحديث عن استعادة النظام السيطرة على الأرض، وتهريب المخدرات، طريق النظام السوري لجني المليارات، وفق تقارير وتصريحات على مستوى دولي، يرى عبد الوهاب عاصي، الباحث في مركز “جسور للدراسات”، أن العقوبات الغربية تعتبر عائقًا أمام أي دعم تفكر به الدول العربية للنظام، خارج استثناءات الجوانب الإنسانية.

واعتبر عاصي تركيز البيان على “المصالحة الوطنية” دون التطرق للقرار الأممي “2254” مؤشرًا على استعداد المملكة قبول عمليات التسوية كبديل عن العملية السياسية برعاية أممية، وهو ما يصطدم بغياب إجماع عربي، إذ تشدد بعض الدول العربية على تطبيق الحل وفق قرارات الأمم المتحدة.

وبحسب الباحث، فإن سيطرة النظام على الأراضي السورية وإخراج القوات الأجنبية، لا تتعدى كونها استحضارًا بروتوكوليًا، بالنظر إلى التغطية العسكرية الكبيرة التي تتطلبها في ظل انشغال الروس في أوكرانيا، وعدم استعداد إيراني للانزلاق نحو مواجهة عسكرية، وعدم رغبة عربية بصناعة توتر أمني وعسكري على الأرض.

وحول مسألة مكافحة المخدرات، التي تعتبر أكثر أهمية للرياض، قد تتجه السعودية لتقديم دعم أكبر للأردن (الدولة الحدودية مع سوريا) لتعزيز حربه على المخدرات، كون النظام غير قادر أو راغب بإيقاف مصدر تمويل ضخم بالنسبة له.

وأمام عدم قابلية التطبيق لحد بعيد، اعتبر عبد الوهاب عاصي أن البيان يوحي بتوجه السعودية لإعادة الفاعلية العربية في الملف السوري، استجابة لسياسة مقايضة مع إيران ربما، ما يعني أن أي جهود أو خطوات إيرانية في اليمن ستقابلها الرياض بخطوات في سوريا.

من جانبه، لفت الأكاديمي السوري- الكندي د. فيصل عباس محمد، الحاصل على دكتوراه في الدراسات الشرق أوسطية من كندا، إلى “عمومية وعدم جديّة” في البيان، على اعتبار أن بعض الملفات التي تناولها مرهونة بموافقة دول أخرى لن تقدّم تنازلًا مجانيًا بهذا الحجم للنظام السوري.

كما أن البيان السعودي- السوري لم يتطرق إلى موضوع المعتقلين والمختفين قسرًا في سجون النظام، ولا يبدو أن حلًا حقيقيًا على الأجندة السعودية يقترب من طموحات الشعب السوري المشروعة، وفق رأي الدكتور فيصل عباس محمد.

وفيما يتعلق بمكافحة تهريب المخدرات، استبعد الدكتور فيصل عباس محمد قدرة النظام على التأثير في الملف المقترن بماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، والإيرانيين من خلفه، فالتخلي عن هذا “السلاح” ليس سهلًا، لكن دون ما يمنع الأسد من تقديم الوعود أو استعراض “حسن النيات” عبر تغييرات “مسرحية” في قيادة الجمارك، لن تبدّل من جوهر القضية.

وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في جدة للمرة الأولى منذ 2011 مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان- 12 من نيسان 2023 (الخارجية السعودية / تويتر)

البيان يبدو كمحاولة لحفظ ماء الوجه السعودي حيال منتقدي التطبيع المتعجّل  والمتساهل مع نظام الأسد، بما فيهم بعض الحكومات العربية.

د. فيصل عباس محمد- أكاديمي سوري- كندي

أين المعارضة السورية مما يجري؟

تفتح التحركات السعودية والعربية باب التساؤل عن قدرة مؤسسات المعارضة السورية على التعامل مع التطورات الحالية، ومدى قدرتها على حفظ حالة التوازن على الأقل في المرحلة الحالية.

وفي 13 من نيسان الحالي، أصدر “الائتلاف السوري المعارض” بيانًا اعتبر استقبال الرياض للمقداد تعقيدًا إضافيًا للعملية السياسية، مشددًا على أن التقارب مع النظام ليس خيارًا للحل في سوريا، داعيًا المملكة لمراجعة موقفها، كما طالب، في 3 من نيسان، بعدم السماح للنظام السوري بالعودة إلى الجامعة العربية.

وباستثناء البيانين وزيارة رئيس “الائتلاف”، سالم المسلط، إلى الدوحة للقاء السفير التركي بقطر، في 14 من نيسان، لم تصدر أي تصريحات تعنى بتطورات الملف، سوى تغريدة للمسلط، في 14 من الشهر نفسه، عبر حسابه في “تويتر”، أثنى فيها على الموقف القطري من النظام السوري.

رئيس المجلس السوري للعلاقات الدولية، حسام الحافظ، أوضح لعنب بلدي أن مؤسسات المعارضة “غائبة ومغيّبة”، فيما يرى رئيس الحزب “الليبرالي السوري” (أحرار)، بسام القوتلي، أن “المعارضة الرسمية انتهت ولم يبقَ سوى أن توقف الدول الداعمة لها التمويل المالي ليصبح موتها رسميًا”، بحسب رأيه.

وأشار الحافظ إلى أن “المعارضة الغائبة على صعيد المؤسسات حاضرة كأساس شعبي رافض لمسيرة التطبيع مع النظام، ومستمر بالرغبة بإحداث تغيير أساسي في بنية النظام والدولة تمهيدًا لمرحلة جديدة”.

وعلى مدار السنوات الماضية، أقامت المعارضة السورية علاقات سياسية مع دول عدة (تركيا والسعودية وقطر ومصر)، استضافت لقاءات واجتماعات سياسية، ودعمت المعارضة لوجستيًا، لكن متغيرات كثيرة قلّصت قدرة المعارضة على التأثير وإحداث فارق في الملف السوري، إذ أشار القوتلي إلى غياب المعارضة عن اللقاءات التي جمعت تركيا بالنظام السوري، برعاية روسية، وحضور إيراني أيضًا.

وعزا حسام الحافظ أسباب هذا التراجع إلى أن مؤسسات المعارضة المحسوبة على دول معيّنة لا تملك هامشًا للتحاور حول قرارات اتخذتها تلك الدول بما يخص الملف السوري، ما يفقدها تأثيرها، كما أن بعض مؤسسات المعارضة تنسجم مع قرارات داعميها دون محاولة الضغط لتعديل أو تغيير موقف الداعم، أو ثنيه عن خطوة قد لا تلائم المعارضة مثلًا.

ويرى الحافظ أن المعارضة السورية خلال السنوات الماضية، منحت كل مفاتيحها للدول الحليفة، فلم تنتج حكومة قوية قادرة على إدارة وضبط المناطق خارج سيطرة النظام، وهو ما أسهم أيضًا في إضعاف موقفها أكثر، بينما ركّز بسام القوتلي على فشل طريقة تعاطي المعارضة مع الشعب السوري، وعدم طرح نموذج مقنع كبديل عن الأسد.

وفي سبيل كسر حالة الركود السياسي لدى المعارضة السورية، اقترح الحافظ حل “الائتلاف السوري” وإنشاء جسم سياسي بديل بأعضاء مختلفين ووجوه جديدة، بعيدة عن المشكلات الداخلية التي عاشها “الائتلاف” من قبل، فهو “قوّة معطّلة لا تملك أمرها، وتعوق الفعل السياسي، ولا سيما بعدما حظي سابقًا بوزن دولي منع وجود أجسام سياسية سورية معارضة أخرى”.

وأشار الحافظ إلى أن شخصيات معارضة تطالب بالعمل على جسم جديد يملك مقومات البقاء والصمود لفترة طويلة، أو نقل “الائتلاف” إلى دولة أوروبية وإعادة مأسسته وهيكلته، وهو ما اعتبره بسام القوتلي “الخيار الوحيد المتبقي”.

رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن المصطفى (يمين) ورئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية (وسط) ورئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس (يسار) 24 من شباط 2023 (صفحة هيئة التفاوض في فيس بوك)

لا يمكن للمعارضة أن تنكر أن هناك مرحلة جديدة، وعلينا كقوى للثورة والمعارضة أن نتعامل مع هذه المرحلة بطريقة جديدة بعيدة عن عدم الحكمة، وأن نأخذ مصالح الدول التي تسير بمسار التطبيع مع النظام أم غيرها بعين الاعتبار، وكذلك التعامل مع جميع شرائح الشعب السوري ومكوّناته بأسلوب أكثر ديمقراطية.

حسام الحافظ – رئيس المجلس السوري للعلاقات الدولية

مصالح مشتركة تخدمها عودة العلاقات

خلق توقيت عودة العلاقات بين النظام السوري والسعودية عديدًا من التساؤلات، حول أسبابها، خاصة أن زيارة المقداد سبقت بأسابيع قليلة القمة العربية المزمع انعقادها بالرياض، في 19 من أيار المقبل.

كما أن تغير الموقف السعودي جذريًا من النظام فرض وجود أهداف غير معلَنة لدى الطرفين، دفعت لتعجيل التقارب خدمة لتلك الأهداف.

أيمن الدسوقي، الباحث في مجال الاقتصاد السياسي والإدارة المحلية بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، يرى أنه للطرفين حساباتهما الخاصة في عودة العلاقات، إذ يبحث النظام عن غطاء سياسي ودعم اقتصادي، لمساعدته في كسر عزلته السياسية، ومواجهة الاستحقاقات الاقتصادية والخدمية لمرحلة ما بعد الحرب، والسعودية قادرة على ذلك إن شاءت.

كما أن تحسين العلاقة مع الرياض سيمنح النظام هامش مناورة سياسية لموزانة علاقاته مع حليفيه، الروسي والإيراني، وتحسين موقفه التفاوضي مع تركيا، وفق الدسوقي.

وتندرج هذه المساعي السعودية برأي الباحث، ضمن سياسة أشمل تتعلق بنظرة المملكة للإقليم ودورها فيه، واستجابتها للتطورات الدولية القائمة، وإنجاز متطلبات استقرارها الداخلي، إذ تتبنى سياسة تهدئة لتبريد الأزمات الإقليمية مخافة تطورها في ظل الاستقطاب الدولي القائم، وانعكاساته المحتملة على أمنها.

يندرج انفتاح السعودية على النظام ضمن مساعي المملكة لتسكين أزمات الإقليم ومعالجة ارتداداتها أمنيًا وإنسانيًا، ما يتطلب التواصل مع الفاعلين في هذه الأزمات، ومنهم النظام.

وهناك أيضًا محاولة تصدير دورها كقوة إقليمية لها هوامش حركة نسبيًا بعيدًا عن حليفها الأمريكي، وهذا ما يجعلها حريصة على تحقيق خرق في الملف السوري، وإظهاره في القمة المقبلة.

أيمن الدسوقي- باحث في مجال الاقتصاد السياسي

الأكاديمي السوري- الكندي فيصل عباس محمد، أشار إلى ضعف بنية النظام الاقتصادية والمالية، التي تجعله بحاجة إلى المال السعودي والخليجي، كما أن التطبيع مع الدول العربية يعني للنظام استعادة “شرعية” عربية سُحبت منه عام 2011، ويريد استغلالها لدعم مزاعمه بالانتصار على “المؤامرة الكونية”.

بالمقابل، تشكّل العلاقات مع النظام بالنسبة للسعودية محورًا مهمًا ضمن ملف أكبر وأهم، هو العلاقة مع إيران، والتوجه الجديد لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، المتمثل بتخفيض التوتر مع إيران، بحسب رأي فيصل محمد، معتبرًا أن الرياض تعي تمامًا ضعف موقف النظام الإيراني في ظل عقوبات اقتصادية خانقة يعانيها، وحالة عدم استقرار داخلية بسبب استمرار الاحتجاجات الشعبية، ما يدفع الرياض لاستغلال الوضع، في سبيل انتزاع تنازلات إيرانية في الملفات الساخنة، ومنها اليمن وسوريا.

وبحسب تقرير تحليلي صادر عن “المركز العربي في واشنطن”، في 28 من آذار الماضي، لا تريد الدول العربية المنخرطة في مفاوضات مع النظام السوري مؤخرًا، أن ترى سوريا دولة فاشلة، إذ تخشى هذه الدول من اندلاع معارضة جديدة للأسد داخل سوريا، قد يكون لها تأثير معدٍ على تلك الدول.

تأثير قد يصطدم بالواقع

يحمل مسار التقارب الحالي تساؤلات عن تأثيراته على المستقبل القريب لسوريا ودول المنطقة.

وبحسب ورقة تقدير موقف صادرة عن مركز “الفكر الاستراتيجي للدراسات”، في 9 من آذار الماضي، فإن التغيرات الإقليمية واستمرار حالة الفوضى في كثير من الدول العربية، تجعل من الضرورة بمكان محاولة تقريب وجهات النظر، وتخفيف حدة الخلافات البينية لتجنب مزيد من الصراعات، التي قد تفضي إلى مزيد من التدخلات الخارجية، وعليه فإن تقارب السعودية مع النظام السوري أصبح ملحًا أكثر من أي وقت مضى، خاصة أن دولًا كالإمارات وسلطنة عمان والأردن ومصر اتخذت هذه الخطوة.

ويرى الدكتور فيصل عباس محمد، أن تعمق التقارب السوري- السعودي هذا سيحقق، ولو جزئيًا، ما يأمله النظام من الدعم المالي والسياسي السعوديين، وبذلك يكسب المزيد من التعويم العربي له و”مصداقية” أكبر تصب في طاحونة الدعاية المألوفة عن انتصار “نهجه النضالي وصموده وممانعته”، وفيما يخص السعودية، سيعتبر تطور العلاقات إضافة مهمة لجهودها الرامية إلى إعادة ترتيب “البيت العربي” تحت عباءتها.

وبموجب عودة العلاقات بين السعودية والنظام، قد يحصل الأخير بدرجة أساسية على دعم اقتصادي ما، موجه لدعم أنشطة التعافي الاقتصادي وعودة اللاجئين، بالإضافة إلى غطاء سياسي يساعده في مواصلة دمجه بالمنظومة الإقليمية والدولية، وفق الباحث أيمن الدسوقي.

ويعتقد الباحث أن طبيعة هذا المسار المندرج ضمن سياسة “خطوة- خطوة”، وعقلية النظام وأسلوبه في المماطلة عبر الإغراق في التفاصيل والتهرب من تنفيذ الالتزامات الواجبة عليه وتقديم تنازلات جوهرية، ستؤدي بالمحصلة إلى فرملة جهود التطبيع معه، وعدم إحداث تغيرات نوعية تسهم في تسوية سياسية، والاكتفاء بتنازلات هامشية وحركة سياسية دونما أثر فعلي على مسار التسوية، وإنما احتواء ارتداداتها السلبية فقط.

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات