عنب بلدي – حسام المحمود
حمل كثير من السوريين عند خروجهم من بلدهم إلى دول اللجوء العادات وأنماط الحياة التي عاشوها ونشؤوا عليها، وأتاح تشابه البيئة والحياة الاجتماعية بين تركيا وسوريا للاجئين السوريين ممارسة بعض طقوسهم الاجتماعية، خاصة تلك المرتبطة بالمناسبات، لكونها قاسمًا مشتركًا بطبيعة الحال لدى أبناء الثقافتين.
وفي تركيا، التي تولي اهتمامًا واضحًا بالمناسبات الدينية وما يرافقها، ومنها شهر رمضان والأعياد، استطاع السوريون عيش أجواء قريبة من حياتهم ذاتها، مع تعذّر ممارسة بعض العادات والتقاليد الاجتماعية لظروف مختلفة تفرضها الحياة والتركيبة السكانية الجديدة التي صاروا جزءًا منها.
وعلى اعتبار أن فترة العيد تأتي مسبوقة بتحضيرات وتجهيزات معيّنة تمهيدًا للمناسبة ذاتها، ينخررط السوريون في هذه التحضيرات تماشيًا مع عاداتهم، كل وفق استطاعته.
أيهم، رب أسرة سورية من ثلاثة أفراد، يقيم مع عائلته في اسطنبول، تحدث لعنب بلدي عن حرص العائلة المقيمة بعيدًا عن الأقارب والعائلة الكبيرة منذ سنوات، على استحضار شيء من الطقوس القديمة، كتحضير بعض الحلويات في المنزل، أيًا كنت الكمية، لاستعادة المشاعر السابقة للنشاطات التي كانت تجري بحضور العائلة كلها.
“نفتقد جمعة العائلة والأحباب، نحن هنا بلا أهل أبدًا”، أضاف أيهم، مشيرًا في الوقت نفسه إلى تفضيل العائلة تجهيز الحلويات في الليلة التي تسبق العيد، رغم أن الزيارات محدودة للغاية، لكن الفكرة تتلخص بأن يعيش الإنسان هذه الحالة فقط.
ويتفق علي، وهو رب أسرة مكونة من أربعة أفراد، مع وجهة نظر أيهم، إذ أشار في حديث لعنب بلدي، إلى افتقاده زيارات العائلة وصلة الرحم، والأجواء الاجتماعية في قريته.
“في إسطنبول، قد يمضي العيد دون أن أزور أو يزورني أحد، وبسبب ظروف العمل، قد لا أكون قادرًا على الاستمتاع بالمناسبة”، قال علي، لافتًا إلى غياب حالة البهجة التي كانت تدفع الناس للتجهيز قبل أسابيع، خلافًا للوقت الراهن الذي تكثف العائلات فيه تحضيراتها قبل العيد بأيام قليلة.
وحول أهمية هذه الطقوس ومعناها بالنسبة للعائلة، أوضح علي أن تركيزه على هذه العادات يتصاعد ليدرك أطفاله الصغار قيمة هذه المناسبات والأجواء، ولتندرج أيضًا في عاداتهم حين يكبرون.
لا تكثر العائلة أيضًا من الحلويات وما يمكن تقديمه للضيف، لقلة وربما انعدام الضيوف، وهي حالة مخالفة لما كانت عليه الحال في سوريا، حيث تجهز العائلة بعض أصناف الحلويات في البيت، وتشتري من السوق أنواعًا مختلفة، كالشوكولا والسكاكر، والحلويات الشرقية.
ومن العادات التي يفتقدها أيضًا، زيارة المقابر بعد صلاة العيد لقراءة الفاتحة على الأحباب الراحلين، ثم العودة إلى منزل كبير العائلة، حيث يلتقي الجميع ويتناولون الإفطار معًا.
المعيشة تحكم
إلى جانب الاغتراب والبعد عن العائلة وغياب الوسط الاجتماعي لدى البعض، قد تحول الظروف المادية دون القدرة على التماشي مع العادة، إذ أوضحت نهى، وهي سيدة سورية وأم عاملة، أنها إلى جانب انشغالها بعملها، لن تشتري حلويات جاهزة للعيد، بسبب ارتفاع الأسعار، وتحديدًا الحلويات السورية.
يقيم في تركيا ثلاثة ملايين و356 ألف لاجئ سوري، وفق إحصائية دائرة الهجرة التركية حتى 13 من نيسان الحالي، يتأثرون بالظروف المعيشية والاقتصادية للبلد المضيف.
وكان معهد الإحصاء التركي الحكومي أعلن، في 3 من نيسان الحالي، ارتفاعًا بمعدل التضخم خلال آذار بنسبة 2.29% على أساس شهري، بالمقابل انخفض المعدل السنوي إلى 50.51%، بينما كان قد سجل ذروته بمعدل 55.18% في شباط الماضي.
ويقيس مؤشر أسعار المستهلك التغيرات التي تحصل في المستوى العام للأسعار، انطلاقا من تتبع سلة تشمل جميع السلع والخدمات المستهلَكة داخل بلد معيّن.
وبحسب اتحاد نقابة العمال في تركيا، بلغت النفقات الغذائية خلال آذار الماضي (الحد الأدنى للجوع)، لأسرة مكوّنة من أربعة أفراد، نحو تسعة آلاف و591 ليرة تركية.
وحددت الأبحاث التي أجرتها النقابة حد الفقر لأسرة مكوّنة من أربعة أفراد، بنحو 31 ألف ليرة تركية، يشمل التغذية والإيجار والتعليم والرعاية الصحية، بحسب النقابة.
أما التكلفة الإجمالية الشهرية لمعيشة شخص واحد فتزيد على 12 ألف ليرة تركية.
ووسط زيادة معدلات التضخم، وانخفاض قيمة الليرة، تشهد الأسواق التركية ارتفاعًا في المستوى العام للأسعار، بالإضافة إلى غلاء المحروقات وأجور المواصلات والمنازل.
الباحث الاجتماعي الدكتور طلال مصطفى، أوضح لعنب بلدي أن أي مجتمع يمكن أن يطرأ عليه تغيير في منظومته القيمية أو الثقافية، التي يُعبر عنها بـ”العادات والتقاليد والأعراف”، التي تشكّل جزءًا من الهوية الثقافية، لكن هذه التقاليد جزء من الثقافة القيمية والمعيارية، والتغيرات تحصل بأسباب واضحة أو دون ذلك.
التغيرات القيمية تحصل نتيجة تغيرات اقتصادية وتكنولوجيية، ونتيجة الحروب والنزاعات العسكرية وغيرها، وقد تحدث نتيجة الحوادث الطبيعية كالزلازل، وهنا يحصل التغيير دون ملامسته، عبر الأجيال، فنجد التفاوت القيمي بين جيل الآباء وجيل الأبناء، ويظهر هذا التغيير بوضوح أكبر بين جيلي الأجداد والأحفاد.
الاندماج تغيير عادات
وبالنسبة للحالة السورية، أكد الباحث أن التغيير حصل داخل وخارج سوريا في الوقت نفسه، فعلى مستوى مناطق سيطرة النظام وما تعانيه من شح في مختلف الموارد، ظهر تغير حقيقي في العادات والتقاليد والقيم والانماط المعيشية والاجتماعية، كعادات العزاء والأفراح التي غابت نتيجة ظروف قسرية، والناس تكيفت معها، ما يعني خلق عادات جديدة.
كما تغيرت العادات وحصل انزياح فيها بالنسبة للمقيمين خارج سوريا بحسب البلد المضيف، إذ يمكن للسوري في تركيا ومصر ودول أخرى لجأ إليها، الحفاظ على كثير من تقاليده وعاداته، بينما يبدو بوضوح تغيرالعادات في أوروبا، لأن السوريين انتقلوا إلى مجتمع مختلف كليًا على مستوى الهوية الاجتماعية والدينية، فتحصل التغيرات في هذه الحالة نتيجة الاتصال بالمجتمع المضيف، وعادة ما تكون هذه التغيرات قاسية بسبب الصراعات القيمية والسلوكية التي يمكن أن تنشأ في حال حصل تواصل فعال باتجاه اعتماد معايير ثقافية وقيمية واجتماعية جديدة.
السوري الساعي للتكيف والاندماج يقع ضحية للصراعات المرهقة، وتحديدًا جيل الكبار، لأنهم يشعرون أنهم مجبرون على الاندماج، لكن ربما يتكيف الأطفال بسرعة أكبر في هذه الحالة.
الباحث الاجتماعي طلال مصطفى |
ورغم أن مختلف الدول تتعامل مع الاندماج كحالة اختيارية، وتركّز على حق اللاجئ بالحفاظ على ثقافته وقيمه، فإن هناك ضرورة تفرض نفسها، فإن لم يندمج ويتعلم لغة البلد المضيف لن يعمل، وبالتالي فهو مجبر على تغيير اللغة التي يتواصل بها، أو تغيير طبيعة الملابس التي يرتديها.
وإذا كان الحفاظ على التقاليد مثار فخر للبعض، لا يعتبر حلًا عمليًا وفق متطلبات الحياة، إذ لا بد من تشرب الثقافة الجديدة، وفهم البيئة المحيطة، بدلًا عن الانغلاق، وبالتالي فالتمسك بالعادات ذاتها للسوري المقيم في أوروبا ربما يتطلب العيش في أحياء مغلقة، وهو خيار غير حكيم.
كما دعا الباحث إلى الحفاظ على روح الثقافة والهوية، لا التسمك بالجزئيات الذي ينذر بمزيد من التعصب الفكري والديني، ويسبب مشكلات كبيرة مستقبلًا، موضحًا أن اللاجئ لن يتمكن من الحفاظ على عاداته وتقاليده أو المنظومة القيمية على المدى البعيد.