تعا تفرج
الأسد في الجامعة العربية
خطيب بدلة
قبل أسبوعين تقريبًا، كتبتُ ما معناه أن السوري الذي يأمل بأن يكون، في يوم من الأيام، رئيسًا للجمهورية العربية السورية، لا بد أن في عقله “وَشّة”، كتلك الوشة التي كانت تلي برنامج “غدًا نلتقي”، في أيام القناة الأولى للتلفزيون.
دليلي إلى ذلك أن بشار الأسد، الرجل الذي يقتل السوريين بالجملة والمفرق، ويسرق أموالهم، ويضحك بلا مناسبة، موجود، أو كما يقول أهل الشام “شَحُّو”، مقيم ما أقامتْ ميسلونٌ، فكيف سنعيّنك أنت، يا صاحب العقل الوشّيش، رئيسًا؟ هل يعقل أن يكون لسوريا الأسد رئيسان وشّيشان في آن واحد؟ يا سيدي، سأفترض جدلًا، أنني أمتلك قوة خارقة، تؤهلني لأن أمد يدي إلى الشام، وأشيل بشار الأسد، وأضعك مكانه، هل تقول لي، إذا سمحت، ماذا ستفعل؟ هل ستأمر الجيش العقائدي الباسل، وضباط المخابرات المحترمين، ومديري السجون والمعتقلات، بأن يتوقفوا عن قتل الناس، وإطلاق سراح مئات الألوف من المعتقلين؟ هل ستبدأ بتصفية مراكز القوى التي يديرها كبار المنتفعين الذين يقتلون ويسرقون وينهبون بالتعاون مع أركان العصابة الحاكمة؟ هل تستطيع أن تعطي أوامرك لوزير الإعلام، والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، بأن يتوقفوا عن تضليل الناس، وأن يقولوا للناس الحقائق كما هي، دون تزويق، وتمنع النبيحة من الظهور الإعلامي، وتقديس بشار وعصابته، واعتبار القصف الإسرائيلي اليومي للأراضي السورية نوعًا من الهزيمة الإسرائيلية، والنصر السوري الأسدي!
لنترك الآن بضعة الوشاشين الذين يظنون، بكل جدية، أن دورهم في رئاسة سوريا قادم لا محالة، وننتقل إلى أولئك المتخوفين من عودة بشار الأسد إلى الجامعة العربية، ونتذكر أن معظم هؤلاء، إن لم نقل كلهم، يسبون على الرؤساء والملوك العرب، ويخونونهم، ويستخفون بالجامعة العربية، ويعتبرونها جسمًا ميتًا، مثل معظم التشكيلات أو الهيئات التي تنبثق عنها، وهذا ما يجعلك تندهش، وتتساءل: أين المشكلة إذنْ، في أن يرجع نظام العصابة السورية إلى مقعده في تلك الجامعة؟
الأمر الأكثر غرابة، برأيي، هو استغراب معظم السوريين من تصرفات بعض الدول العربية، والخليجية بشكل خاص، وتغير مواقفها من إسرائيل، ومن نظام بشار الأسد، فهم يجهلون، وبعضهم يعرف ولكنه يتجاهل، أن موقف تلك الدول الذي كان مؤيدًا للثورة السورية في بدايتها، لم يكن مبعثه التزامها بحرية الشعوب، وحرصها على أن تسود الديمقراطية المجتمع السوري. يجب أن نقتنع بأن كل دولة تتصرف بحسب مصالحها في لحظة التصرف، وهذه المصالح والمواقف تتغير بين الحين والآخر، وأن هذا الدول لها تأثير كبير في توجيه دفة الأحداث هنا وهناك، ليس لأنها مخضرمة في السياسة الإقليمية والدولية، بل لأن معها “مصاري”، والمصاري لا تأتيها نتيجة شغل وإنتاج وجهود جبارة، بل إنها تنبع على هيئة نفط وغاز، من الأرض.
برأيي الشخصي، أن كل ما يجري من تغيرات في السياسة المتعلقة بالشأن السوري اليوم، هو نتيجة لتصارع الدبلوماسية الروسية والصينية مع الدبلوماسية الأمريكية، وأمريكا تمون على الدول العربية، ولذلك أرجّح أن تتراجع تلك الدول عن فتح أقنية مع النظام، لأن أمريكا تحذر من ذلك، وبشدة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :