عنب بلدي – مسعود طاطوز
تلعب الصين أدوارًا جديدة في منطقة الشرق الأوسط، عكسها بشكل رئيسي التوافق السعودي- الإيراني، برعاية بكين، ما يفتح باب التساؤلات عن آثار هذه الأدوار في الملف السوري.
ووصل وفد إيراني إلى المملكة العربية السعودية، في 12 من نيسان، تمهيدًا لإعادة فتح البعثات الدبلوماسية في الرياض، بعد سبع سنوات من انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وصول الوفد الإيراني يأتي بعد أيام فقط من زيارة وفد سعودي مماثلة لطهران في أعقاب اجتماع في الصين بين وزيري خارجية البلدين في 10 من آذار الماضي.
وتعهدت المملكة العربية السعودية وإيران، في طريقهما لإصلاح العلاقات، باحترام مبادئ السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية بموجب اتفاقية وقعها الطرفين، بوساطة من الصين، التي تحاول لعب دور أكبر في الشرق الأوسط، في ظل ابتعاد تركيز الإدارة الأمريكية الحالية عن المنطقة.
الصين تغير استراتيجيتها
تشير وساطة الصين في اتفاقية تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية إلى خروج بكين عن سياستها في الشرق الأوسط، المتمثلة في الحفاظ على الحد الأدنى من التدخل وابقاء نفوذها ذو طابع اقتصادي.
من خلال جلب اثنين من ألد خصوم الشرق الأوسط إلى طاولة المفاوضات بنجاح، تهدف الصين إلى بناء مصداقية كشريك قادر في المنطقة، وفقًا لمدير مشروع الشرق الأوسط في معهد “كارنيجي” عمرو حمزاوي.
وأضاف حمزاوي أنه مع الاتفاق السعودي الإيراني، وتغيير الصين نهجها في الشرق الأوسط، سيتعين على بكين مواجهة التحديات الاستراتيجية التي تهدد حيادها، إذ سيعتمد نجاح استراتيجيتها الجديدة على الحقائق المحلية على الأرض وعلى سياسات اللاعبين الإقليميين أنفسهم والتزامهم بالاتفاقيات، وإيران على وجه الخصوص.
وبحسب حمزاوي، باعتبار أن الصين هي أكبر شريك تجاري لإيران، تتمتع بكين بمكانة فريدة لإبقاء طهراة ملتزمة بوعدها، على الرغم من أن استعدادها للضغط على طهران لا يزال غير مؤكد.
لا تكفي التعهدات الأمنية المتبادلة بوساطة الصين لتحفيز طهران عن التراجع عن سياستها في المنطقة، حسب ما قاله حمزاوي، فـ”يجب ألا تعول الصين والمملكة العربية السعودية على تحقيق تقدم، إذ سيكون على طهران إعادة تشكيل سياستها المستمرة لأكثر من عقد للوصول إلى نتيجة وتحقيق الاستقرار في العراق ولبنان وسوريا”.
وكان اتفاق عدم التدخل في الشؤون الداخلية بين إيران والسعودية يهدف في المقام الأول إلى إيقاف دعم طهران لقوات الحوثي في اليمن، وليس الوجود الإيراني في سوريا، لأنه يشكل تهديدًا أكبر بالنسبة للرياض، على حد قول حمزاوي.
الصين تدفع الحلفاء الجدد في سوريا
بعد الاتفاق السعودي- الإيراني، وافقت السعودية على إعادة فتح سفارتها في دمشق والتي كانت مغلقة منذ عام 2012، وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام، أحد أكبر حلفاء إيران في المنطقة. كما ألمحت الرياض إلى فك تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، بالإضافة لزيارة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى العاصمة السورية دمشق، في 18 من نيسان، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ بدء الثورة السورية عام 2011.
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينع، إن الصين ترحب بتحسن العلاقات بين سوريا والدول العربية الأخرى، وتؤيد عودة سوريا الفورية إلى الأسرة العربية، مضيفًا أن هذا التطور يساعد الدول العربية على تحقيق التضامن والتنمية وتعزيز “الاستقلال الاستراتيجي” لدول المنطقة.
بعد الاتفاق الإيراني السعودي، ستكون سوريا أحد المنطقة المتنازع عليها بين نفوذ طهران والرياض، ويمكن للدبلوماسية الاقتصادية الصينية أن تعمل لصالح الرياض، بحسب الباحث في معهد “The Institute of Statecraft” البريطاني، كمال علام.
بينما قال المحلل في الشأن السوري كميل أوتراكجي، لموقع “Middle East Eye”، إن القيادة السعودية الحالية أظهرت مرونة أكبر من سابقاتها، ومن المحتمل أنه بعد سنوات من السعي لإقامة نظام إقليمي خالٍ من نفوذ إيران، أدرك السعوديون أنهم بحاجة إلى استراتيجية جديدة، وأن السعوديين والأتراك توصلوا إلى استنتاج مفاده أنه لاستعادة الوضع الطبيعي والاستقرار في المنطقة، عليهم التراجع عن الملف السوري.
وأضاف علام، أنه بسبب انشغال الولايات المتحدة في مساعدة أوكرانيا في حربها مع روسيا، وعدم وجود استراتيجية متماسكة لأمريكا في سوريا، ترحب السعودية بالجهود الصينية للمساعدة في إنهاء الصراع في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
مع انضمام السعوديين إلى منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) التي تقودها بكين، فإنه يُظهر أيضًا تغييرًا من جانب المملكة إلى موقف محايد بدلاً من اعتبارها تحت نفوذ الولايات المتحدة، الذي ظلوا فيه منذ التأسيس المملكة، حسب ما قاله علام.
وانضمت 17 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وسوريا، إلى مبادرة الحزام والطريق، المعروفة باسم (مشروع طريق الحرير)، وهي مبادرة بكين لإنشاء بنى تحتية في جميع أنحاء العالم لربط الصين بشكل أفضل عبر الطرق البرية والبحرية.
وأوضح علام أن الاستقرار الاقتصادي هو جوهر الصفقة السعودية- الإيرانية، إذ يقترح كل من الصينيين والسعوديين استثمارات في إيران.
وتريد بكين استثمار الموانئ اللبنانية كجزء من استراتيجيتها الاقتصادية في الشرق الأوسط ومشروع طريق الحرير، ولذلك ترحب الصين بالتقارب السعودي السوري، حسب ما قاله علام.
ولعبت الصين لأول مرة دورًا نشطًا في الشرق الأوسط من حيث التحركات الدبلوماسية في سوريا، إذ شاركت في عملية أستانة (مسار تسيّره روسيا وتركيا وإيران) وأعاقت قرارات مجلس الأمن المتعلقة بسوريا، لتأكد موقفها الداعم لدمشق.
تقاطع المصالح
مصالح بكين الاقتصادية واستثماراتها في الشرق الأوسط، استلزمت قيامها بدور دبلوماسي، فالمنطقة مهمة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، بالإضافة إلى ضمان أمن الاستثمارات الصينية في قطاع الطاقة السعودي المهدد بصواريخ الحوثيين، حسب صحيفة “فورين بوليسي” الأمريكية.
وتعمل الصين على توسيع بصمتها الاقتصادية في إيران، وهي مهتمة بدعم خطة موسكو لتطوير ممر عبور لتجارة النفط عبر إيران للسماح للتجارة الروسية بالوصول إلى الأسواق العالمية دون استخدام قناة السويس، حسب تعبير الصحيفة.
وبحسب تحليل الصحيفة، فإن طهران والرياض تستفيدان من العمل من خلال الصين لاستعادة العلاقات الإقليمية.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، يشكل الاتفاق الذي تقوده بكين تحولًا استراتيجيًا كبيرًا في سياسات المملكة. العلاقات بين الرياض وواشنطن في أدنى مستوياتها، فالرياض غير راضية عن السياسة الأمريكية في المنطقة، وغاضبة من عدم استعداد الولايات المتحدة لدعم مصالحها ضد إيران في سوريا واليمن، وقلقها من فشل الولايات المتحدة في الدفاع عن المملكة عندما تعرضت منشآتها النفطية للهجوم من قبل إيران عام 2019.
ولن ينهي الاتفاق مع طهران هذه مخاوف السعودية من تصرفات إيران العدوانية بحسب الصحيفة، لكنه يمنح الرياض مزيدًا من الوقت لتعزيز أمنها وتنويع خياراتها الاستراتيجية.
من جهتها، ترحب طهران بالدور الصيني الجديد في الشرق الأوسط، لأنه يضعف نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة ويقوض نظام العقوبات الذي تقوده أمريكا والذي أصاب الاقتصاد الإيراني بالشلل، حسب ما قالته “فورين بوليسي”.
وتابعت الصحيفة، أن تطبيع العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي ستقلل من التهديد الذي تشكله اتفاقيات “إبراهام” التي توسطت فيها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، والتي بدأت تنسيقًا استخباراتيًا وعسكريًا أوثق بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة (وامتد لاحقًا إلى المغرب والسودان)، وبالتالي توسع نطاق الصراع الإيراني الإسرائيلي الخليج العربية.
طهران قد تكون على استعداد لقبول علاقات ثنائية بين دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل، إلا أنها لا يمكن أن تتسامح مع تحالف عسكري عربي إسرائيلي تدعمه الولايات المتحدة ضدها، لأن التحالف يشكل تهديدًا لأمن لطهران في أعقاب المحادثات النووية الفاشلة مع إدارة بايدن، والاحتجاجات السياسية المحلية، والوجود الإسرائيلي المتزايد في أذربيجان، والاستعداد المتزايد من قبل الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة للتفكير في الحرب لوقف برنامج إيران النووي.
الحراك السعودي يواجه العقوبات الأمريكية
بحسب الباحث في برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن للدراسات، أندرو تابلر، فإن أكبر عامل يمنع دول الخليج من التطبيع مع النظام السوري، هي العقوبات الأمريكية والأوروبية وعربية على سوريا.
قد يؤدي تطبيع العلاقات مع الأسد إلى إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية، وربما إلى رفع العقوبات العربية عن سوريا، لكن العقوبات الأمريكية والأوروبية يكاد يكون من المستحيل رفعها دون تغيير جوهري في سلوك الأسد، حسب ما قاله تابلر.
وتمنع عقوبات “قيصر”، تمويل أنشطة إعادة الإعمار في سوريا. والأهم من ذلك، أن هذه العقوبات ذات آثار ثانوية، بمعنى أنها تنطبق على أي شخص أو شركة أو كيان يتعامل مع النظام اقتصاديًا.
وأوضح تابلر أنه حتى لو رفعت عقوبات “قيصر”، ستبقى طبقات متعددة من العقوبات على صادرات النفط السوري والصادرات الأخرى، بغض النظر عن الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض. وهناك عقوبات جديدة سيتم وضعها، إذ يتطلب قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2023 من إدارة بايدن تطوير استراتيجية مشتركة بين الوكالات لتعطيل وتفكيك إنتاج النظام للمخدرات وتهريبها.
وإذا لم تقنع دول الخليج التي تطبع مع نظام الأسد في تغيير سلوكه بشكل جذري، فمن شبه المؤكد أنها ستتعرض لعقوبات من وزارة الخزانة الأمريكية.
وقال تابلر، “ما لم تكن هناك تغييرات كبيرة في الطريقة التي يحكم ويتصرف بها الأسد، بما في ذلك تسامحه مع وجود الميليشيات والقدرات الإيرانية الموجودة على الأراضي السورية ومنشآت إنتاج الكبتاغون، سيكون التطبيع مع الأسد هدرًا للأموال، في محاولة لتعويض خسارتهم ضد إيران في سوريا”.