عنب بلدي – ريف حلب
تسجل “المفرقعات” والألعاب النارية حضورها منذ الأيام الأخيرة في رمضان، ضمن حيّز استخدام قليل، يتصاعد ويبدو واضحًا خلال العيد، ما يشكّل مثار قلق وإزعاج وترويع لبعض الناس، وسط إقبال الأطفال على الشراء، وغياب القرارات التي تمنع بيع مواد من هذا النوع، لا يخلو التعامل معها من الخطورة والتأثيرات الجسدية والنفسية المحتملة.
هذه الألعاب النارية التي تُصنع من مزيج من مواد كيماوية، تعطي عند اشتعالها ألوانًا وأصواتًا مدوية وروائح مختلفة، ولا يوجد نص رسمي يمنع استخدامها في ريف حلب الشمالي، ما يهدد بحالة فوضى قد تعكّر على الأهالي فرحة العيد.
علي النهار، صاحب “بقالية” (ميني ماركت) في اعزاز، قال لعنب بلدي، إن استخدام هذه الألعاب يعطي مساحة خاصة للأطفال للترفيه عن أنفسهم واللهو، موضحًا أن ممارسة طقوس من هذا النوع له ارتباطاته الزمنية، فلا يحدث على مدار العام، ويقتصر على أوقات محددة للاحتفال، فلا مانع برأيه من منح هذه الفرصة للأطفال للاستمتاع، معتبرًا أن الألعاب النارية لا تحمل مخاطر على الأطفال عند اللعب بها.
وحول مستوى الأصوات الذي تتركه هذه “المفرقعات”، وإخافتها للناس الذين قد يعتقدون عند أسماع أصواتها أن مشكلة حدثت أو أن سلاحًا يُستخدم، برر البائع أن الأصوات التي تصدرها “المفرقعات” النارية لا تقارَن بأصوات الرصاص الذي يطلقه الناس في الحفلات والأعراس.
وجهة النظر هذه تتعارض مع رأي مجيدة المحمد، وهي أم لطفلين، تخاف عليهما من هذه الألعاب، وتمنعهما من شرائها لقناعتها بالمخاطر التي تترتب على ذلك، بعد تجربة سابقة عاشها أحد طفليها، إذ تسببت له “المفرقعات” النارية بحروق من الدرجة الثانية تطلبت فترة لعلاجها بالكامل.
ليست رخيصة.. لا ضوابط
وفي ظل تردي الوضع المعيشي في سوريا عمومًا، ومناطق ريف حلب الشمالي خصوصًا، تتراوح أسعار بعض الألعاب النارية في اعزاز بين سبع ليرات و20 ليرة تركية، على اعتبار أن المنطقة التي تشكّل أرضية لنفوذ تركي، تتعامل بالليرة التركية، فهناك “صاروخ” بعشر ليرات، و”مشط فتاش” بسبع ليرات تركية.
ووفق ما نقله مراسل عنب بلدي عن عاملين في تجارة الألعاب النارية، فـ”المفرقعات” تصل إلى ريف حلب بعد تهريبها من تركيا إلى إدلب، ثم نحو ريف حلب.
المحامية آلاء الحسين، المقيمة في اعزاز، قالت لعنب بلدي، إن بيع الألعاب النارية ظاهرة سلبية لا تخضع لضوابط قانونية، وهي تجارة غير مرخصة، لا رقابة عليها، موضحة أن هذه المواد من شأنها إثارة الرعب والفوضى والذعر بين الأهالي، وخلق مشاجرات ومنازعات بسبب الأضرار التي يمكن أن تخلفها على مستوى الأفراد والممتلكات، إذ قد تتسبب بنشوب حرائق مثلًا.
وأكدت المحامية ضرورة وجود ضوابط أخلاقية وقانونية، بما لا يسبب الإزعاج أو يلحق الأذى بالآخرين، عبر وضع معايير رقابية من قبل الأجهزة الأمنية لمنع وصول الأنواع الخطرة مثلًا، وتحديد أماكن وطرق لتعامل الأطفال مع “المفرقعات”، على أن تقتصر على النوعيات الخفيفة الأقل أثرًا.
حالة رعب.. تهديد بعاهة
“قدماي لا تحملانني”، هكذا عبّرت نور الشيخ، سيدة مقيمة في اعزاز، عن شعورها عند سماع أصوات “المفرقعات” النارية، ولا سيما أنها تأتي مفاجئة ومرتفعة جدًا، ما يسبب حالة من الهلع والخوف الشديد لدى السيدة.
“في العيد الماضي، أشعل طفل في أحد الطرقات (فتاشة)، ومن شدة الخوف فقدت السيطرة على نفسي وارتميت على الطريق”، أضافت نور لعنب بلدي.
وإلى جانب الأذى المجتمعي وحالة الفوضى والرعب، لـ”المفرقعات” النارية مخاطر طبية قد تصل إلى إحداث عاهة أو علة دائمة في الجسم.
آدم أبو الخرس، طبيب عام في اعزاز، قال لعنب بلدي، إن الألعاب النارية بوابة لإصابة محتملة بحروق الجلد والقرنية، بسبب الحرارة التي ترافق اشتعالها، كما أن إصابة العين وتعريضها لحرارة عالية مباشرة، أو دخول جسم أجنبي إليها، كالشرارات التي تنبعث جراء اشتعال هذه المواد، قد تسبب انفصالًا في الشبكية، وربما تؤدي إلى فقدان البصر بالكامل.
كما أن فقدان السمع احتمال طبي قائم، تحت شدة الأصوات الصادرة عن انفجار “المفرقعات”، وإمكانية دخول جسم أجنبي إلى الأذن، ما قد يضر بطبلة الأذن ويسبب تمزيقها، إلى جانب الاختناق بالروائح لدى الأطفال المصابين بأمراض تنفسية مزمنة.
الطبيب اقترح ارتداء ما يحمي العينين عند استخدام “المفرقعات” النارية، كالواقيات التي تُستخدم عند السباحة أو إطلاق النار ضمن النوادي المخصصة، مع ضرورة الابتعاد عن “المفرقعات” فور إشعالها، مؤكدًا أن الخيار الأفضل والطريق الأقصر يكون بالامتناع عن استعمالها أصلًا.
وكانت وزارة الداخلية التابعة لحكومة “الإنقاذ” العاملة في مدينة إدلب أصدرت، في 15 من نيسان الحالي، قرارًا بمنع بيع وتخزين الألعاب النارية و”المفرقعات” بجميع أنواعها، تحت طائلة المساءلة الشرعية والقانونية، كما دعت الأهالي لتوعية الأطفال بضرورة الابتعاد عن شراء هذه المواد، وحثت على تحمّل المسؤولية الاجتماعية، والتبليغ عن المحال التي تبيع وتروّج لهذه المواد، في خطوة لم تتخذ “الحكومة المؤقتة” ما يشابهها في مناطق سيطرتها، حتى إعداد هذه المادة.