الحسكة – مجد السالم
شهدت محافظة الحسكة ارتفاعًا في كمية الأمطار الهاطلة، خلال نيسان الحالي، ما ساعد في نمو النباتات الطبيعية والمراعي، وعادت الجولات شبه اليومية لنساء المحافظة بحثًا عن نباتات يمكن طهوها وتناولها، وتنتشر في موسم الربيع.
ومن النباتات البرية التي تنتشر في شمال شرقي سوريا خلال الربيع الخبيزة والقنيبرة والعكوب (الكعوب) والرشاد والبابونج.
تحمل سعاد الحسين (46 عامًا) من ريف القامشلي الجنوبي كيسًا فارغا وسكين مطبخ مع رفيقاتها، متجهة إلى أطراف القرية لجمع ما جادت به الأرض من نباتات برية تصلح لأن تكون طعامًا لذيذًا يغني مائدتها الرمضانية إلى جانب الأطباق الأخرى.
قالت سعاد لعنب بلدي، إنها تحضّر من هذه النباتات وجبة شهية تحصل عليها كل يوم، وما يزيد رغبتها بجمعها أن العائلة تحبها، كما أنها مجانية وطازجة، تنبت في أرض نظيفة وتسقيها مياه الأمطار، على عكس ما يباع في الأسواق من خضراوات مروية بمياه الأنهار التي تُخلط بمياه الصرف الصحي.
وأضافت أن تجهيز الوجبات من النباتات البرية لا يحتاج إلى مهارة عالية، إذ يحضّر معظمها بالطريقة نفسها، فبعد تنظيفها من الشوائب والأتربة، تُغسل جيدًا بالماء ثم تُقطع وتُسلق بالماء، ثم توضع على الزيت إلى جانب البصل مع الملح والتوابل.
سعاد كانت تنوي إعداد الخبيزة خلال اليوم نفسه التي التقينا بها في ريف الحسكة، لكنها كانت تبحث في الوقت نفسه عن نبتة القنيبرة ونباتات أخرى لتعدها خلال الأيام المقبلة.
رحلات ترفيهية
لم تكن رحلة قطاف النباتات تشكّل حاجة أساسية لإعداد الطعام بالنسبة لجميع سكان المنطقة، بل اعتبرها البعض رحلة ترفيهية، جزء منها يتمحور حول جمع بعض النباتات.
تنحدر فريال (27 عامًا) من ريف بلدة الجوادية في ريف الحسكة الشرقي، وتشارك في طقوس جمع النباتات بشكل شبه يومي بين نيسان وأيار من كل عام.
وخلال ساعات ما بعد الظهيرة، تخرج فريال ورفيقاتها للبحث عن النباتات البرية، معتبرات أنها “أشبه بالرحلة الترفيهية بين الطبيعة”، إذ يصطحبن معهن لوازم إعداد الشاي كجزء أساسي من الرحلة، بحسب ما قالته فريال لعنب بلدي.
وأضافت أن النباتات البرية التي تُجمع خلال الرحلة، تؤخذ إلى المنزل لإعدادها كوجبة رئيسة بالنسبة لكثيرين، خصوصًا أنها مجانية، في وقت تكلف فيه وجبة الغداء المتواضعة لأسرة صغيرة نحو 25 ألف ليرة سورية.
وإلى جانب ذلك، تنتشر في المناطق الريفية بعض النباتات البرية التي تُستهلك مباشرة ولا تحتاج إلى طهو، إذ توضع بجانب وجبة الغداء الرئيسة، كالرشاد الذي ينمو بشكل بري على الحدود الفاصلة بين الأراضي الزراعية.
مصدر رزق
تعتبر فترة نمو النباتات البرية من كل عام فرصة لبعض العائلات لتحقيق دخل إضافي، ونتيجة الهطولات المطرية الوفيرة التي عمت المنطقة، فإن إنتاج هذه النبات زاد بشكل لافت خلال العام، وزاد معه عدد المستفيدين ممن يجمعونها لبيعها.
ويبلغ سعر نبتة القنيبرة في سوق “الهال” بمدينة القامشلي نحو 2500 ليرة سورية، بينما تباع الخبيزة بـ2000 ليرة في السوق، إلى جانب نباتات طبية، أهمها البابونج والنعناع البري، تباع بسعر ألفي ليرة.
غدير مصطفى محمد، بائع خضار في سوق القامشلي، قال لعنب بلدي، إن هناك إقبالًا جيدًا من قبل السكان على شراء النباتات البرية، لأنها ذات جودة ممتازة، وهي حالة موسمية تبدأ مع بداية شهر نيسان من كل عام.
وجبة شبه مجانية
المهندس والخبير الغذائي حارث البليبل قال لعنب بلدي، إن القنيبرة والخبيزة والعكوب نباتات ربيعية خضراء، تظهر في منطقة الجزيرة، وتعتبر من النباتات الرعوية أصلًا.
ومع الإقبال الشديد للسكان على قطافها، تحولت إلى سلعة يحاول التجار تأمينها في الأسوق، حتى إن البعض بدؤوا بزراعتها في بعض المناطق.
وعن أهميتها الغذائية قال المهندس الزراعي، إن جملة النباتات هذه تعتبر مصدرًا غذائيًا شبه مجاني، إذ تُجمع من الأراضي الزراعية، وتُطهى بطرق سهلة، ولا تحتاج إلى كثير من المكوّنات في أثناء الطبخ، ويمكن أن تكون الطبق الرئيس على سفرة البعض، علمًا أنها لا تحتاج إلا إلى القليل من الزيت والبصل لتتكون لدينا وجبة طعام بتكلفة بسيطة.
وتحتوي هذه النباتات على كمية لا بأس بها من الكربوهيدرات والبروتين والألياف الغذائية، وكميات قليلة من الدهون والفيتامينات والأملاح المعدنية كالصوديوم والبوتاسيوم.
وشهدت أسعار الخضار والفواكه والمواد الغذائية الأساسية في الحسكة ارتفاعًا كبيرًا منذ مطلع نيسان الحالي، بالتزامن مع زيادة الطلب عليها خلال شهر رمضان.
رئيس “مكتب حماية المستهلك” في “الإدارة الذاتية”، عبد الحليم عمار، قال لقناة “روناهي“، في 17 من نيسان الحالي، إن سلطات المنطقة أصدرت قرارًا للحد من ارتفاع الأسعار في هذا الشهر.
وحدد القرار هامش ربح على الفاتورة الأساسية لكل التجار، مع تشديد الرقابة على الأسواق.
وتواصل “حماية المستهلك” أيضًا مع “اتحاد تجار سوق الهال”، وبيّن أن المواد التي تُستورد من كردستان العراق والداخل السوري صارت قليلة جدًا، ما يؤثر في سعر السوق وارتفاعها، إلى جانب وجود استغلال من قبل بعض التجار.