وجلًا حزينًا يبحث عبد الله سيفو (35 عامًا) مواطن من مدينة إدلب، عن أحد باعة نبات الآس لشراء عدة باقات لوضعها على قبور أقاربه الذين يحن إليهم.
اعتاد الشاب منذ سنوات، وتحديدًا مساء وقفة الأعياد، النزول إلى الأسواق برفقه والده لشراء نبات الآس، لوضع الباقات على قبور جده وجدته وبعض أقاربه، والآن يحن لوالده الذي فقده قبل عام، ويشتري الآس لوضعه على قبره، وفق ما ذكره لعنب بلدي.
التوجه إلى المقابر بعد الخروج من صلاة العيد، وحمل الباقات الخضراء من نبات الآس، وتوزيعها على القبور، تقليد اعتاد عليه معظم السكان في الشمال السوري، لكنه غاب عن مهحرين تركوا أحبتهم تحت التراب منذ سنوات، في مناطق سيطرة النظام.
طقوس تحمل الحنين
ترتبط زيارات السوريين عمومًا بوضع باقات من الآس على القبور بعد صلاة العيد، وتكتسي المقابر بالزي الأخضر، وتفوح من القبور رائحة الآس الزكية.
إبراهيم برهوم (41 عامًا) أحد أهالي مدينة إدلب، قال إن زيارة المقابر ووضع الآس على القبور تقليد اعتاد عليه الأهالي عبر الزمن، وتحمل زيارة القبور الشوق والذكرى للمتوفين، ووضع الآس له رمزيته في نفوس الأهالي.
ويفضل بعض الأشخاص شراء الآس قبل يوم أو يومين، ويتوجهون بعد صلاة العيد إلى المقابر، بينما يفضل آخرون شراء الآس على أبواب المقابر، وبعد نشر الآس يدعون للميت، ويسقون القبور، مستذكرين اللحظات الجميلة التي جمعتهم بمن تحت التراب.
وعن هذه العادة التي يحافظ عليها الأهالي، قال الستيني أسعد الحمصي، لعنب بلدي، إنه يعتقد أن سبب هذه العادة المتأصلة عند السوريين، هي من باب تزيين المقابر أيام الأعياد عدا عن استذكار الأحبة، فنبات الآس يتميز باستمرار خضرته لفترة طويلة ورائحته الفواحة.
الآس.. مصدر رزق
قبل العيد بيوم أو يومين وحتى صبيحته، يفترش باعة الآس الأرصفة والطرقات وينشرون بضاعتهم بهدف استغلال هذه المناسبة، لتحقيق شيء من الأرباح التي تعينهم في هذه الأيام.
سليمان إبراهيم (35 عامًا) مهجر من بلدة أبو الظهور شرقي إدلب، ورث بيع نبات الآس عن والده، وهي مهنة يمارسها منذ أكثر من عشر سنوات، يشكو لعنب بلدي ارتفاع الأسعار وقلة الأرباح وخفض الطلب.
قال سليمان إن المبيعات انخفضت جدًا هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة، ولا يوجد إقبال كبير على الآس، لافتًا إلى أنه عادة في مثل هذه الأيام، كان يبيع ما يزيد عن 400 كيلوجرام من الآس، أما اليوم الجمعة 21 من نيسان، فلم يتمكن من بيع نصف الكمية.
وبحسب سليمان، ارتفعت تكاليف نقل الآس وثمنه من مصدره في جسر الشغور، حيث وصل سعر كيلو الآس 3.5 ليرات تركية من المصدر ليبيع الكيلو بخمس ليرات تركية، مضيفًا أن ارتفاع تكاليف جني الآس سببًا آخرًا لارتفاع أسعاره.
من جانيه قال البائع أحمد مندورة (39 عامًا)، عن نبات الآس والذي يسمى الريحان، إنه ينمو لوحده في الأحراش في المناطق الساحلية وقرب نهر العاصي، ويتميز باستمرار خضرته لفترة طويلة، وله نوعان آس ورق عريض وهو موجود بكثرة قرب الأنهار، وآس ذو ورق ناعم ينتشر في الجبال والأحراش.
وأضاف البائع لعنب بلدي، أن العديد من العائلات تنتظر فترة الأعياد لتحقيق شيء من الدخل من خلال جني الآس، وتنظيمه في حزم وبيعه للباعة، الذين يبيعونه بدورهم وينتشرون في عموم مناطق الشمال السوري.
المهجّرون يفتقدون زيارة أمواتهم
يعاني المواطنون المهجّرون من عدم تمكنهم من وضع الآس على قبور أمواتهم في المناطق التي تهجروا منها.
محمد السليم (41 عامًا) مواطن مهجر من درعا، توفي والده العام الماضي، قال في حديثه لعنب بلدي، إنه يحن إلى الأيام حين كان يخرج برفقة والده من صلاة العيد، إلى المقبرة، حيث يضعان نبات الآس، ويتبادلان الحديث عن أعمامه وأخواله، الذين ماتوا وعن أحوال تلك الأيام القديمة التي ترعرع فيها والده.
بألم يتابع محمد حديثه لعنب بلدي، “لم أرى والدي منذ 11 عامًا، توفي العام الماضي بعد عيد الفطر بأيام، وخلال عيد الأضحى الماضي، عدت لمنزلي بلهفة انتظر عودة أخي الذي زار قبر والدي ليرسل لي صور قبره مكللًا بالآس”.
الأربعيني سامي الشامي، مواطن مهجر من ريف دمشق، قال إنه يفتقد هذه العادة التي تربى عليها، ويكتفي بعد خروجه من صلاة العيد، بالدعاء للأموات من أقاربه، دون إمكانية زيارة القبور، مستذكرًا الأيام الجميلة التي قضاها برفقتهم.
اقرأ أيضًا: غاب الحلو وحضر البرغل.. ما تحضيرات السوريين لعيد الفطر
شارك في إعداد التقرير مراسل عنب بلدي في إدلب أنس الخولي