أعلنت “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا عن مبادرة من تسعة بنود للحل في سوريا، وفق بيان قالت فيه، إن “المبادرة تأتي لحل الأزمة السورية المتفاقمة منذ 12 عامًا، وللوصول إلى حل سلمي وديمقراطي”.
مبادرة حملت بنودًا مكررة من “الإدارة الذاتية” المدعومة من واشنطن، تتزامن مع حديث عن مبادرة عربية لإيجاد حل سياسي في سوريا، وتقارب تركي مع النظام السوري بدأت تظهر ملامحه بشكل واضح.
ما المبادرة؟
في 18 من نيسان الحالي، نشرت وكالة “هاوار” التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، بيانًا حمل تسع نقاط للحل تمثلت بـ:
1-استعداد “الإدارة” للقاء حكومة النظام السوري، وجميع الأطراف السورية، معتبرة أنه “لا يمكن حل المشاكل إلا في إطار وحدة البلاد”.
2-التوصل لحل ديمقراطي، تشارك فيه جميع فئات المجتمع، عبر الإيمان بالاعتراف بالحقوق المشروعة لسائر المكونات، وتأسيس نظام إداري سياسي ديمقراطي تعددي لا مركزي.
3- اعتبار أن تجربة الإدارة الذاتية تمكن كل شعوب المنطقة من أن تتمتع بالحقوق وتعيش بحرية عن طريق النظام الديمقراطي المعمول به في مناطق سيطرة “الإدارة”.
4-توزيع الثروات والموارد الاقتصادية الحالية بشكل عادل بين جميع المناطق السورية، سواء تلك الموجودة في شمال شرقي سوريا، أم في المناطق الأخرى، وفتح معبر “اليعربية” وغيره من المعابر.
5-إنهاء معاناة من هاجروا خارج البلاد، وإبداء “الإدارة الذاتية” استعدادها لاحتضانهم واستقبالهم ضمن إمكانياتها المتاحة.
6-مكافحة “الإرهاب” وتنظيم “الدولة الإسلامية” والقضاء على تهديداته لسوريا والمنطقة والعالم.
7-سحب تركيا لقواتها من الأراضي السورية، وممارسة “الإدارة” الحق المشروع في الدفاع عن النفس، في حال شنت تركيا أي هجمات على المنطقة، مع الإشارة إلى عدم وجود عداوة” مع الشعب التركي.
8-مطالبة جميع القوى الدولية الفاعلة في الشأن السوري بتأدية أدوار إيجابية، في البحث عن حل مشترك مع النظام و”الإدارة” و”القوى الوطنية الديمقراطية”.
9-تسريع الجهود والمساعي الرامية لرأب الصدع، بما لا يتعارض مع قرار مجلس الأمن “2254” والقرارات ذات الصلة.
عبدي يمهد للمبادرة
جاءت مبادرة “الإدارة الذاتية”، بعد خمسة أيام على حديث لقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الجناح العسكري لـ”الإدارة”، مظلوم عبدي، بأن قواته “لديها علاقات مع النظام السوري وتريد تطويرها”، لكن دمشق “تتعنت في ذلك”.
وفي 13 من نيسان الحالي، قال مظلوم عبدي لـ”تلفزيون الشرق“، إن “قسد” جزء من منظومة الدفاع عن الأراضي السورية، وقوة لا يستهان بها يفوق عدد مقاتليها 100 ألف، ويجب أن تكون ضمن “منظومة الدفاع عن سوريا”.
وذكر عبدي أن “أي نقاش بشأن الحل السوري يجب أن يأخذ (قسد) بعين الاعتبار”، مضيفًا “عدا ذلك، لن تقبل بأي حل أو تسوية”.
وعن خطوات تطبيع العلاقات مع دمشق، شدد عبدي على ضرورة ألا تكون على “حساب الشعب السوري، ولا على حساب الحل السياسي”، مشيرًا إلى أن علاقات “قسد” والنظام لا تزال “دون نتائج”، لأن النظام ليس مستعدًا للحل الذي يجب أن يكون وفق مصلحة الشعب السوري، حسب قوله.
مبادرة “درء الأضرار “
تتزامن المبادرة مع حديث عن مبادرة عربية لإيجاد حل سياسي في سوريا، حركتها اجتماعات عربية مغلقة، وانضمام دول عربية أخرى إلى ركب المطبّعين، أبرزها السعودية.
ولا يزال الحديث عن تقارب تركي مع النظام السوري في مرحلة شد وجذب تؤجله تصريحات وتقربه أخرى، أحدث ما جرى في هذا الصدد، عقد اجتماع على مستوى نواب وزراء خارجية النظام وروسيا وتركيا وإيران في 4 من نيسان الحالي.
الباحث في الشأن الكردي ورئيس مركز “رامان للبحوث والاستشارات”، بدر ملا رشيد، قال لعنب بلدي إن الملف السوري يشهد حراكًا واسعًا من ناحية زيادة مستويات التطبيع مع النظام السوري، سواء ما يحدث على الضفة العربية، أو في اللقاءات الرباعية بين وزراء روسيا وتركيا والنظام وإيران.
واعتبر ملا رشيد أنه في حال نجاح أي من مسارات التطبيع هذه، فسيكون هناك متضررين رئيسيين وهم المعارضة و”الإدارة الذاتية”، وفي ظل غياب أي أطروحات شاملة للحل، يستطيع المعارضون السوريون الاعتماد بنسبة ما على الكتلة البشرية الكبيرة التي يشكلونها، في حين تفتقر “الإدارة الذاتية” لهذه النقطة، وتعتمد بشكل رئيس على مآلات التوجه الأمريكي فيما يخص الملف السوري.
ويرى الباحث أنه يمكن قراءة المبادرة في ظل تطور السياق العربي المتضمن المملكة السعودية والإمارات، ولهذه الدول علاقات جيدة مع “الإدارة الذاتية” منذ بداية تشكلها.
لذلك، تطرح “الإدارة الذاتية” هذه المبادرة على طاولة أطراف عربية تقبل التعامل معها، لكن لا يمكن التوقع كثيرًا من طرف النظام بالأخص في ظل وجود تمثيل الطرح العربي للحل في سوريا ولو بصيغة ضعيفة، بداية خطوات العودة لمنافسة روسيا وإيران في هذا الملف.
ويبدو من تصريحات الشخصيات التابعة لإيران وروسيا ضمن صفوف النظام السوري، رفضهم لها في ظل مقاربتهم الصفرية للحل كعادة النظام وحلفائه، وفي ظل قرائتهم لأي انخراط من الأطراف العربية مع فواعل محلية كمنافسة مباشرة لحلفائهم التقليديين، بحسب الباحث.
وارتبطت “قسد” بعلاقات مع السعودية لمواجهة النفوذ الإيراني في منطقة شرقي الفرات في سوريا، من أجل الإبقاء على حد أدنى من النفوذ للرياض داخل الساحة السورية، وسبق أن تبادل الطرفان زيارات بينهما.
أبرز الزيارات كانت لوفد يتبع لـ”قسد” زار السعودية في تشرين الثاني 2019، سبقها عدة زيارات أجراها وزير الدولة لشؤون الخليج العربي بوزارة الخارجية السعودية، ثامر السبهان، برفقة قياديين أميركيين للمناطق شمال شرقي سوريا.
“قسد” و” الإدارة الذاتية”
توجّه اتهامات إلى “الإدارة الذاتية” بمحاولة الانفصال عن سوريا وتشكيل كيان منفصل، أحدثها كانت من وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حين قال في 19 من كانون الثاني الماضي، إن “قسد”، الجناح العسكري لـ”لإدارة الذاتية”، تقود مشروعًا انفصاليًا، وهو ما ردت عليه “الإدارة” حينها بالنفي.
ويعيش في المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” عدة مكونات إثنية وعرقية من كرد وعرب وآشوريين وسريان، وتُتهم “الإدارة” بارتكاب بانتهاكات ضد المدنيين في مناطقها، عبر تقارير وثقتها منظمات حقوقية محلية ودولية، ومن بين تلك الاتهامات “التجنيد القسري” للقاصرين.
وتعتبر تركيا “قسد” امتدادًا لـ”العمال الكردستاني”، وهو ما تنفيه “قسد” رغم إقرارها بوجود مقاتلين من الحزب تحت رايتها، وشغلهم مناصب قيادية.
وتصنّف تركيا “العمال الكردستاني” على قوائم “الإرهاب”، كما أن الحزب مصنّف على قوائم “الإرهاب” لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الأوروبية.
ونفذت تركيا بالتعاون مع “الجيش الوطني السوري” ثلاث عمليات عسكرية داخل سوريا، هي “درع الفرات” وشملت مناطق اعزاز وجرابلس والباب ومارع والراعي، وعملية “غصن الزيتون” وشملت عفرين ونواحيها، و”نبع السلام” وشملت مدينتي تل أبيض ورأس العين.
اقرأ أيضًا: “مبادرة” مشروطة أم توجهات فردية.. باب عربي “موارب” أمام الأسد