غاب الحلو وحضر البرغل.. ما تحضيرات السوريين لعيد الفطر
تسبق عيد الفطر، الذي يعد مناسبة دينية واجتماعية في سوريا، طقوس وعادات وتقاليد وتحضيرات اعتاد عليها الأهالي، لخلق الشعور بالبهجة والفرح.
أيام قليلة، تكون بمثابة فرصة لعائلات من أجل شراء ملابس العيد والاجتماع لتحضير الحلويات، وتكون غصة لعائلات أخرى أنهكها الفقر والعوز وطغت على تفاصيل حياتها ظروف النزوح والتهجير.
وترصد عنب بلدي في هذا التقرير ظروف وطقوس عيد الفطر من حيث شراء الملابس وتحضير أو شراء الحلويات وزيارة الأقارب في العيد، بعد لقائها بثلاث عائلات سورية، في اللاذقية وفي الشمال السوري.
طبخة العيد بلا لحمة.. برغل “منظمات”
تمكنت مريم (51 عامًا) المقيمة في قرية القنجرة في مدينة اللاذقية، من إحياء طقوس عيد الفطر مع عائلتها المكونة من أربعة أشخاص، بعد تلقيها حوالة مالية من ابنها اللاجئ في السويد.
وقالت السيدة لعنب بلدي إن الحوالة المالية كانت السبب وراء تحضيرها أطباق طعام اعتادت عليها العائلة في عيد الفطر، وهي ورق العنب المحشي بالأرز (يبرق)، ودجاج محشي بالأرز.
وحضرّت السيدة مع ابنتيها حلويات العيد من كعك مالح وحلو و”معمول” محشو بالعجوة، واشترت علبة شوكولا وكيلو ونصف من المكسرات، بكميات وصفتها بالقليلة لأن أسعار الحلويات مرتفعة وحتى أدوات تحضيرها.
وبعيدًا عن ظروف النزوح والتهجير وفقدان المنزل والمحل، أوضح الشاب عمار وهو مهجّر من ريف إدلب الشرقي، ويقطن بمنزل بالإيجار شمالي إدلب، أن طقوس العيد اختلفت لدى عائلته المكونة من أربعة أطفال وزوجة، بنسبة 100%.
وتغيب “صينية الحلو” التي كانت تضم أكثر من 12 طبقًا، عن بيت الشاب، بعد أن كانت أحد طقوس ضيافة العيد، واكتفى بشراء ثلاثة أصناف حلويات بكميات قليلة، سيتم تقديمها موزعة داخل طبق واحد متوسط الحجم.
وقال الشاب لعنب بلدي إن الطبخة الأساسية غير حاضرة في يوم عيد الفطر وهي “محشي الأرز”، وتحضّر زوجته الأرز إلى جانب طبق سلطة خضار، مرجعًا السبب إلى ارتفاع سعر اللحمة، وحاجة الـ”محشي” إلى وقت أطول على النار (الغاز) ما يضيف تكاليف مادية أعلى.
وتسرق الهموم فرحة العيد من عائلة الشاب محمد (43 عامًا)، المقيم في مخيم قرب بلدة كللي شمالي إدلب، فعمله المتقطع يصل لعشرة أيام في الشهر، وتدني أجور المياومة التي يحصل عليها، حرمت عائلته المكونة من أربعة أشخاص طقوس العيد.
لا حلويات ولا ملابس جديدة ولا طبخة خاصة بالعيد لدى عائلة الشاب محمد، المهجّر من ريف إدلب الشرقي، وينتظر حتى ساعات قليلة من حلول عيد الفطر، لربما تصله زكاة الفطر لتشكل مبلغًا إضافيًا عما وصله من عائلات ميسورة، من أجل أن يشتري حلويات العيد في المقام الأول.
وقال محمد لعنب بلدي إن زوجته تريد إعداد طبق أرز أو برغل، فهي الطبخة المتوفرة لدى العائلة من “بقايا” سلّة مساعدات غذائية حصلت عليها منذ 22 يومًا، من منظمة تعمل في المنطقة.
الملابس.. شراء مسبق وديون
أوضحت مريم (مقيمة في اللاذقية) أنها اشترت ملابس العيد لأولادها (صبيان وبنتان) في آذار الماضي، بعد حوالة سابقة من ابنها، مرجعة الأسباب لكسب الوقت قبل ارتفاع سعر الملابس قبيل العيد، لافتة إلى أنها لم تشتري وزوجها ثيابًا لأنهما ليسا بحاجة لذلك، حسب قولها.
بدوره قال عمار، المهجر من ريف إدلب، لعنب بلدي إنه اضطر أن يستدين من أجل شراء ملابس العيد لبناته الثلاث التوأم (5 سنوات) وطفله (سنة)، فالمردود المادي من عمله بتلميع الأواني القديمة وبيع بعض أدوات النظافة، لا يؤمن له سوى احتياجات يومية من أكل وشرب وأدوية.
ودفع الشاب أكثر من ألفي ليرة تركية سعر ملابس لأطفاله، إذ بلغ سعر الفستان 400 ليرة تركية، وسعر الحذاء 100 ليرة، عدا عن بعض المصاريف الإضافية من إكسسوارات وغيرها.
وعن طريقة إيفاء دينه، قال إنه سيدفع مبالغ مالية “بسيطة” إلى تاجر يملك محل مواد النظافة، حين يسحب الشاب بعض المواد منه.
وبدوره لا يملك محمد خيارات أو حتى “الرفاهية” لشراء ملابس لأطفاله، قائلًا إن “الأولوية للحلويات، سعرها أرخص وتبسط الأطفال”، لافتًا إلى أن ملابسهم لا بأس بها، و”خلال ساعتين عن ارتداء ملابس جديدة ستصبح قديمة أو متسخة وفق ظروف المخيم”، حسب قوله.
زيارات تحكمها المسافة والوقود
تفتقر مريم وعائلتها لزيارات بعض الأقارب إليها، فالقرية تبعد عن مركز المدينة وعن أطرافها الغربية أكثر من عشرة كيلومترات، ما يشكل عائقًا أمام بعض الزيارات، كما أن عائلتها لا يمكن أن تزور جميع الأقارب، لبعد المسافة وارتفاع تكاليف نقل العائلة التي تمتلك دراجة نارية فقط، ولا يمكن أن تسد غرض زيارات العيد.
ولا يفكر عمار في زيارة بعض أقاربه المهجرين في الشمال السوري، البعيدين عنه مسافات طويلة، خاصة في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي، إذ تترتب على الزيارة تكاليف نقل لا طاقة للعائلة بتحملها، حسب قوله.
من جهته الشاب محمد لا يرغب بمغادرة المخيم قرب بلدة كللي خلال العيد، فمعظم أقاربه يقطنون فيه، عدا عن بعضهم الآخر قرب بلدة الجديدة بريف جسر الشغور جنوبي إدلب، وهي مسافة بعيدة تحتاج إلى سيارة وتكاليف نقل “باهظة”.
ويأتي عيد الفطر هذا العام وسط معاناة السوريين من وضع اقتصادي ومعيشي متردٍّ، فاقمته كارثة الزلزال الأخير، الذي أفقد الآلاف منهم أعمالهم، وأجبر مئات العائلات في مختلف المحافظات على اللجوء إلى مراكز الإيواء المؤقتة، حيث تغيب الكثير من المتطلبات المعيشية الأساسية، أبرزها الخصوصية والنظافة.
وتشهد الأسواق ارتفاعًا في أسعار معظم المواد أبرزها الغذائية مع توقعات بارتفاعها أكثر، ويستهلك الغذاء فقط، أكثر من 60% من الدخل الشهري للأسرة، ويبلغ متوسط تكلفة وجبة الطعام نحو 25 ألف ليرة سورية، بحسب تقرير نشرته صحيفة “تشرين” الحكومية في 20 من آذار الماضي.
وبلغ متوسط الراتب الشهري في سوريا خلال عام 2022، نحو 146 ألف ليرة سورية (حوالي 19 دولارًا)، و50% من الموظفين معدل رواتبهم 146 ألفًا أو أقل، بحسب موقع “Salary explorer” المختص بأرقام سلم الرواتب.
ويعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، وأكثر من 13 مليون شخص داخل سوريا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، منهم ما يقرب من ستة ملايين طفل.
ويعتمد معظم المقيمين في مختلف المحافظات السورية على الحوالات المالية القادمة من الخارج، خاصة بعد تدهور القيمة الشرائية لليرة السورية وارتفاع الأسعار بشكل كبير.
وبحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص برصد أسعار العملات الأجنبية، يصل سعر مبيع الدولار الواحد، اليوم الاثنين، إلى 7675 ليرة سورية، وسعر شرائه إلى 7600 ليرة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :