في الحديقة المحيطة بجامعي “أيا صوفيا” و”السلطان أحمد” في مدينة اسطنبول التركية، وقبل موعد الإفطار في شهر رمضان، تكتظ المقاعد بالناس الراغبين بمشاركة طعام الإفطار مع أشخاص آخرين بعيدًا عن عزلة منازلهم.
في الأيام الأخيرة من رمضان، لم تمنع الأمطار وسوء الأحوال الجوية، سكان المدينة من الالتزام بموعد الإفطار الجماعي في الحديقة، ومن بينهم أتراك وعرب، وآخرون من السياح.
حتى لا أفطر وحيدًا
في آخر أيام شهر رمضان، تجمع الصائمون رغم الأمطار الغزيرة التي تزامنت مع موعد الإفطار الجماعي الذي اعتادوا عليه في الحديقة نفسها طوال الشهر.
تحت الأشجار والمظلات البلاسيتيكية الشفافة، وبمحاذاة الجدران، تفترش عائلات وشبان أرض الحديقة، منهم من جلب طعامه الذي أعده في المنزل مسبقًا، وآخرون ممن فضلوا شراء طعام الإفطار من المطاعم المحيطة.
محمد، شاب حلبي يعيش في اسطنبول وحيدًا، في سكن شبابي، كان من بين الجالسين إلى جانب صديقه بمحاذاة جدار أحد المطاعم، ينتظر أذان المغرب وبجانبه حقيبة بلاستيكية تحوي دجاجًا مشويًا ابتاعه من مطعم قريب.
وبجوارهما تجلس عائلة سورية من ستة أفراد، على قطعة من القماش البلاستيكي بشكل دائري، تتوسطهم أصناف من الطعام والشراب أعدوها في المنزل، وجلبوها معهم للإفطار في الحديقة المفتوحة.
اعتاد محمد على تناول الطعام وحيدًا أو مع أحد زملاء السكن، خلال السنوات الماضية التي قضاها في اسطنبول، بحسب ما قاله لعنب بلدي، ويرى في جلسات الإفطار الجماعي مؤخرًا كالتي تجري في حديقة جامع “آياصوفيا”، ملاذًا من قلة العلاقات الاجتماعية، التي يعاني منها في اسطنبول.
وأضاف أن ساعات العمل الطويل التي يقضيها في اسطنبول، تجعل من تكوين علاقات جديدة أمرًا صعبًا، باستثناء بعض المعارف هناك وهناك، إذ تبقى الأماكن المزدحمة الأفضل لتناول طعام الإفطار.
اقرأ أيضًا: رمضان اسطنبول.. شبّان سوريون يروون طقوسهم بعيدًا عن العائلة
اختصارًا للمسافة
بينما يبحث الناس عن مكان يقيهم المطر، تصطف مجموعات أخرى في طوابير أمام خيام نظمها “الهلال الأحمر التركي” لتوزيع الطعام على الصائمين مجانًا.
ورغم أن طوابير الناس كانت طويلة، فضل البعض الانتظار، ومنهم من تجاوز موعد الإفطار منتظرًا الحصول على وجبته.
مراكز التوزيع التي تقدم حساء ساخنًا، وبعضًا من الأرز والفاصولياء، يرى فيها البعض خيارًا جيدًا، رغم أن قسمًا كبيرًا من المجتمعين في المكان، فضل اصطحاب طعامه من الخارج.
التقينا عبد المعين، على مقربة من إحدى هذه الخيام، لم يرى في انتظاره دوره لاستلام الطعام مشكلة، ولم يفضل جلب طعام من الخارج، لأن الانتظار لن يطور أكثر من عشر دقائق، وهي المدة الزمنية التي يقضيها منتظرًا طلبيته في المطعم، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
يأتي عبد المعين مع أصدقائه بشكل شبه يومي إلى الحديقة التي تعتبر من أشهر مناطق اسطنبول، ليقضي فيها الساعة التي تعقب ميعاد الإفطار.
وقال لعنب بلدي إن الغرض من مجيئه إلى المنطقة ليست الإفطار بحد ذاته، إنما أعداد الناس الكبيرة التي تذكره بازدحام مدينته حمص، إلى جانب صلاة التراويح التي يفضل قضاءها في جامع “آياصوفيا” الشهير.
وأضاف أن الأجواء الماطرة منعت التجمعات الاعتيادية في المنطقة، إذ تتجمع أعداد كبيرة من الناس بشكل يومي في حديقة الجامع، لدرجة غياب أي مساحة للجلوس لمن يأتي متأخرًا.
حتى السحور
مع مرور الوقت، ينتهي الناس من الطعام، ويوضبون أغراضهم استعدادًا لصلاة التراويح في الجامع، وفي خلال لحظات قليلة تتشكل طوابير طويلة على مداخل الجامع استعدادًا للدخول، بينما يقفز آخرون إلى عربات الذرة المنتشرة أمام الجامع للحصول على بعضها.
وتحافظ ساحة جامع “آياصوفيا” على ازدحامها خلال فترة الليل وحتى الفجر في هذا التوقيت من العام، إذ تقضي بعض العائلات فترة ما بعد الإفطار في المنطقة، أو في الحديقة المحاذية لمنطقة السلطان أحمد.
ولطالما كانت عادات السهر في شهر رمضان بهذا المكان على وجه الخصوص، من عادات الأتراك، والتي صارت أمرًا محببًا للسوريين مؤخرًا، بحسب ما قاله البعض ممن قابلتهم عنب بلدي في المكان.
وتعتبر الأيام التي يعقبها يوم عطلة (السبت والأحد) من الأكثر ازدحامًا في ساحة “آياصوفيا”، إذ تبقى العائلات مستيقظة، منها من يعد الطعام، وآخرون يمارسون أنشطة ترفيهية كلعب الورق (الشدة)، أو طاولة الزهر.
وتعتبر المساكن المشتركة (السكن الشبابي) للشباب أو للعائلات في تركيا ملاذًا للسوريين، خاصة العمال أو الواصلين حديثًا، فهي بديل رخيص عن المنازل، خصوصًا لمن لا يملكون مالًا كافيًا لاستئجار منزل، ومع ازدياد أعداد السوريين في البلاد، تتعرض بعض هذه المنازل للتفتيش من قبل الشرطة التركية بحثًا عن مهاجرين غير شرعيين، بحسب وسائل إعلام تركية.
وأسهمت حالة النزوح واللجوء القسري بالنسبة لشريحة من اللاجئين السوريين الواصلين إلى تركيا، بإعادة هيكلة حياتهم الاجتماعية، خصوصًا مع انقسام بعض العائلات في دول مختلفة، أو ممن بقوا في سوريا حتى اليوم.
ويقيم في تركيا ثلاثة ملايين و419 ألفًا و328 لاجئًا سوريًا تحت قانون “الحماية المؤقتة”، وفق أحدث إحصائية للمديرية العامة لإدارة الهجرة التركية، حتى 20 من نيسان الحالي، وتتصدّر اسطنبول قائمة المدن التي تضم أكبر عدد من السوريين في تركيا، بـ531 ألفًا و816 لاجئًا سوريًا.