قرصنة حسابات للنظام السوري.. مؤامرة أم خداع وضعف حماية

شخص يخترق قناة "تلجرام (تعبيرية/ تعديل عنب بلدي)

camera iconشخص يخترق قناة "تلجرام (تعبيرية/ تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

اخترق مجهولون مؤخرًا أربعة حسابات رسمية تابعة لحكومة النظام السوري على “تلجرام”، الأول باسم “رئاسة مجلس الوزراء”، والثاني “إذاعة الجمهورية العربية السورية”، والثالث باسم “إذاعة دمشق”، والرابع لـ”وزارة الدفاع”، وسبقتها قنوات عديدة خلال الأشهر الماضية.

وحذر مركز أمن معلومات تابع للنظام من هجمات “التصيد والتهكير”، وأرجع مسؤولون في الحكومة أسباب الهجمات الإلكترونية إلى سياق “الحرب والمؤامرة”.

قنوات وحسابات ذات طابع رسمي في حكومة النظام تم اختراقها، بعضها لا يزال نشطًا وتُنشر فيه شعارات موالية لتنظيم “الدولة الإسلامية”، ما فتح الباب أمام تساؤلات عن قدرة النظام على إغلاقها أو استرجاعها، خاصة أنه برع منذ اندلاع الثورة السورية بتشكيل ترسانة إعلامية وجيوش إلكترونية رديفة تنقل روايته وتحارب معارضيه.

اختراق حسابات لا يتوقف

أحدث الاختراقات التي أُعلن عنها، ما قالته وزارة الدفاع في 9 من نيسان الحالي، عن تعرض أحد الحسابات الخاصة بالموقع الإلكتروني للوزارة على تطبيق “تلجرام” للاختراق.

وأعلنت الوزارة إلغاء الحساب المخترَق وإيقاف الحسابات والقنوات الأخرى الخاصة بالوزارة على “تلجرام”، دون الإعلان عن الجهة المنفذة للاختراق، وحذرت من أي حساب “مزيف” على “تلجرام” أو أي تطبيق آخر ينتحل صفة الارتباط بوزارة الدفاع.

وفي 31 من آذار الماضي، اخترق مجهولون القناة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء على “تلجرام”، ونشروا بيانات موالية لتنظيم “الدولة الإسلامية”، وحذفوا جميع أخبار القناة، واستبدلوا بها منشورات وشعارات وتسجيلات موالية للتنظيم.

وجاء في أحد المنشورات أن المخترقين حصلوا على أرقام ومواقع وعناوين وزراء وشخصيات برتب عسكرية من ألوية وعمداء، وتوعّدوا باغتيالهم بعمليات من قبل “الذئاب المنفردة”.

ونشر المخترقون رقم وزير الإعلام، بطرس حلاق، للتأكيد على صدق كلامهم، وسخروا من مدير المكتب الإعلامي في رئاسة مجلس الوزراء، باسل نيوف، وزميله منذر، موجهين إليهما الشكر لدورهما في تسهيل مهمة قرصنة القناة.

واخترق مجهولون قناتي “إذاعة دمشق” و”إذاعة الجمهورية العربية السورية” على “تلجرام”، ونشروا منشورات مشابهة أيضًا موالية للتنظيم، ولا تزال هذه القنوات نشطة ومستمرة في النشر.

مدير المكتب الإعلامي في رئاسة مجلس الوزراء، باسل نيوف، قال عبر “فيس بوك“، إن حسابه في “تلجرام” تم “تهكيره”، مخطرًا أصدقاءه بعدم علاقته بأي شيء يصل إليهم منه، طالبًا منهم حذف أي محادثات جرت سابقًا، واختيار خيار الحذف لدى الطرفين، أو حذف حسابه من قائمة الأصدقاء لديهم.

تحذيرات و”مؤامرة”

حذر مركز “أمن المعلومات في الهيئة الوطنية لخدمات الشبكة” التابع لحكومة النظام من انتشار هجمات “تصيّد احتيالي” من مهاجمين ينتحلون صفة شركة “تلجرام”، ويطلبون من المستخدمين إعادة تأكيد الحساب أو تحديثه أو الخروج منه.

وذكر المركز، في 3 من نيسان الحالي، أن هذه العملية تنتهي بالطلب من الشخص المستهدَف إرسال رمز التفعيل إلى المستهدِف (المهاجم) الذي يستغل ذلك في سرقة الحساب بعد حصوله على رمز التفعيل.

وأوصى المركز بضرورة عدم الاستجابة لهذه الرسائل، وعدم إرسال “كود” تفعيل الحساب لأي شخص، وأن الشركة ليست بحاجة لأي “كود” للتفعيل، داعيًا إلى تفعيل ميزة حماية الحساب عبر التصديق الثنائي وتعيين كلمة مرور للحساب، والاستعانة بشخص مختص عند الحاجة وقبل تنفيذ أي إجراء على الحساب.

وقال مدير المكتب الإعلامي لرئاسة حكومة النظام، باسل نيوف، إن الحرب “السيبرانية” ومحاولات اختراق مواقع صفحات لجهات حكومية سورية هي في سياق ما وصفها بـ”الحرب الإرهابية” المستمرة على سوريا منذ 12 عامًا، وفي سياق ما يتعرض له الشعب السوري من “حصار خانق وتضييق”.

وذكر نيوف أن الجهات التي تنفذ ذلك معروفة، مشيرًا إلى أن إسرائيل وراء هذه الحملة، وفق ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية.

وعن تبني تنظيم “الدولة” لعملية الاختراق قال نيوف للوكالة، إنه من صنيعة “الغرب الإمبريالي”، مضيفًا أن أمريكا تستخدم كل ما لديها من “أدوات عسكرية واقتصادية وحرب سيبرانية وتكنولوجية، ولن تستطيع تحقيق أي شيء يذكر”.

خداع وضعف حماية وغياب خبرة

مستشار الأمن الرقمي بمؤسسة “سيكدف” المتخصصة بتقديم الحلول البرمجية، مهران عيون، قال لعنب بلدي، إن عملية الإغلاق أو الاسترجاع هي عملية معقدة وخاصة أنها قنوات حكومية.

وأضاف أنها قنوات غير موثقة لدى شركة “تلجرام” ليتم اعتبارها رسمية، بينما يشكّل وجود عقوبات على النظام السوري عائقًا أمام عملية الاسترجاع أو الإغلاق.

وأرجع عيون أسباب معظم هذه الاختراقات التي تتم على منصات التواصل الاجتماعي بشكل رئيس إلى خداع القائمين على هذه الحسابات والقنوات من خلال “الهندسة الاجتماعية”، إذ تتم سرقة القنوات من خلال نشر روابط خبيثة تسرق معلومات المستخدمين، وبالتالي يصبح للمهاجم القدرة الكاملة على التحكم بالحساب، وهذا ما يفسر وصول المهاجمين إلى المعلومات الخاصة بالقائمين على هذه القنوات.

تعرّض حسابات أو صفحات كهذه للاختراق، وفق مستشار الأمن الرقمي، يكون بمعظمه ناتجًا عن ضعف الحماية من جهة المستخدم وليس من المنصة ذاتها، كأن يتم استهدافها من خلال “الهندسة الاجتماعية” والروابط الاحتيالية.

ولفت عيون إلى أنه يجب على المهاجمين إيجاد ثغرات في المنصة بحد ذاتها ليسيطروا على الحسابات، وهذا قليل الحدوث، إذ يتطلب خبرة تقنية وتجهيزات كبيرة تعجز عنها معظم حكومات المنطقة العربية.

وأوضح عيون أنه لا يمكن الإغلاق إلا إذا نشرت القنوات معلومات تخالف سياسة النشر والاستخدام لدى هذه المنصات، فعندما تقوم هذه الصفحات بالتعريف عن نفسها على أنها حساب ساخر ولا تنشر محتوى يتعلق بالترويج لـ”الإرهاب” أو الاستغلال الجنسي أو استغلال الأطفال، وكلما زاد عدد متابعيها والتفاعل والمشاركة في الصفحة أصبح من المستبعد إغلاقها، ولكن هذا لا يلغي إغلاقها بحال نشرت محتوى مخالفًا.

وأشار عيون إلى أن عددًا من هذه الصفحات التي تنشر محتوى ساخرًا سياسيًا أو اجتماعيًا، أصبحت لديها خبرة كبيرة في طريقة النشر وأسلوب صياغة الأخبار، حتى أصبح من الصعب وقوعها في فخ المخالفة وبالتالي تعرضها للتبليغات.

قراصنة للحفاظ على بقاء النظام

برع النظام السوري في سياسة” التضليل الإعلامي” خاصة بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، وارتفاع حدة الاحتجاجات، حين أنشأ جيوشًا إلكترونية لدعمه إعلاميًا والمبالغة في تمجيده، واستهداف مواقع معارضة له، واختراقها وإسكات ناشطي الداخل.

أبرز هذه الصفحات كانت “الجيش السوري الإلكتروني”، وهي مجموعة افتراضية استهدفت بعملياتها المواقع المعارضة للنظام، ونُسب إليها اختراق موقع تابع لمشاة البحرية الأمريكية عام 2013.

المحاضرة في العلوم السياسية والباحثة غير المقيمة في برنامج سوريا بمعهد “الشرق الأوسط” الدكتورة دارا كوندويت، نشرت، في 27 من آذار الماضي، مقالًا بعنوان “الاستبداد الرقمي وانتقال الحكم الاستبدادي: فحص قراصنة سوريا الوطنيين”.

وجاء في المقال أن وجود قراصنة “وطنيين شبه مستقلين” يثير تساؤلات حول وظيفتهم لأنه لا يمكن لأي فاعل مجاور للأمن البقاء على قيد الحياة دون موافقة ضمنية على الأقل من النظام، وناقشت كيفية تأثير تفويض وظائف “الأمن السيبراني” إلى قراصنة وطنيين على استقرار النظام وعلى أجندات البقاء.

وذكرت الباحثة أن الصلة بين النظام السوري و”مجتمع القرصنة الوطني” (المؤيد له)، توفر فرصة رئيسة لمراقبة التحول الرقمي في سياق الاستبداد الرقمي، مشيرة إلى أن النظام تلاعب بعملية التفويض في بعض الأحيان لأخذ مسافة بعيدة عن المتسللين من خلال إفساح المجال “لكسب الشرعية وبناء قشرة خارجية من الموافقة المدنية”.

وفي منعطفات أخرى، كان النظام يقترب من المتسللين لممارسة سيطرة أكبر أو لتحقيق أهداف قسرية، ويبدو أنه يعكس عملية نقل السلطة بأكملها، وفق الباحثة التي أشارت إلى أن ظهور قراصنة موالين في سوريا كان علامة على أكثر من مجرد انتقال استراتيجي للسيطرة كما لوحظ سابقًا في الأنظمة الاستبدادية.

اقرأ أيضًا: تكميم الأفواه بـ”القانون”.. الأسد يعيد ضبط خيوط الإعلام في سوريا

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة