خطيب بدلة
مئات الألوف، بل الملايين الذين يؤيدون الشيخ إياد القنيبي، لا يهمهم أنه، في الأصل، صيدلي، وأن له، كما يقولون، أبحاثًا في الصيدلة وإنجازات. هم، بصريح العبارة، لا يشترون العلوم الحياتية كلها، قَشّة لَفة، بنصف فرنك سوري مبخوش، وأما إذا تجرأ كاتب غلبان، مثلي، وانتقده، فأقل ما يقوله بعض أولئك المتابعين لذلك الكاتب: أين أنت من البروفيسور في الصيدلة إياد؟ وبعضهم الآخر يكتب: أين أنت من حذاء القنيبي؟
أزعم، وأنا أخوكم، أنني أول مَن اكتشف ذلك السر الخطير، وهو أن انتقال بروفيسور في الطب، أو الهندسة، أو الصيدلة، أو طب الأسنان، إلى المشيخة، عمل مربح، بل ينتمي إلى الاستثمارات ذات المردود الهائل، التي لا تحتاج إلى رأسمال، سوى أن يحفظ الداعية من القرآن والأحاديث ما يحض على الكراهية فقط، متجنبًا ما يحض على التسامح والتآخي. وإنه لمن الغباء، على صعيد الاستثمار الاقتصادي، بل من الجنون، أن يحدث العكسُ، أي أن يغادر أحد الناس المشيخة إلى إحدى المهن العلمية التي تفيد الوطن والشعب!
شيخ القرية المسكين، الفقير، كان أقل هؤلاء القوم حظًا من الرفاهية، فهو يعيش على تنكة زيت تأتيه تبرعًا من صاحب حقل زيتون متدين، وعدل من القمح أو من البطاطا، وبضعة قطرميزات من الدبيركة، ومعونات مالية قليلة، بالإضافة إلى الراتب الذي يتقاضاه من مديرية الأوقاف، ولكن، في مدينة كبرى مثل دمشق، أو حلب، أو عَمّان، أو الإسكندرية، أو القاهرة، يكون الرزق، كما يقولون، دوكمه، ولكي يطمئنّ قلبك، عزيزي القارئ، لصحة المعلومات التي أقدمها لك، أفيدك أن الكاسيت الذي كان يسجله الشيخ متولي الشعراوي، أو عبد الحميد الكشك، كان يباع منه في مصر مليون نسخة، في الحد الأدنى، يتقاسم أرباحَها الشيخ مع شركة التوزيع، والدكتور مصطفى محمود، الذي كان في الستينيات ملحدًا، عاد إلى الإسلام مع بداية الصحوة الإسلامية التي صرفت عليها المملكة العربية السعودية مليارات الدولارات، وسلمه الرئيسُ المؤمن محمد أنور السادات مفاتيح التلفزيون المصري، مع حرية تقديم البرنامج الذي يشاء، فما كان منه إلا أن أخذ يطوع العلوم التطبيقية لمصلحة الدين، ويثبت أن أي اختراع علمي حديث، له جذر في الدين الإسلامي، ولك أن تتخيل كم أصبح هذا الرجل محترمًا، ينال ما يشاء، بعدما كان، على أيام الإلحاد، منبوذًا، حصته من المسبات والتحاشيك وافرة.
ومن بعد أولئك المشايخ ظهر عمرو خالد، وراح يستفيد من تطور التقنية التي يخترعها الكفار، فصار يسجل أحاديثه على “سي دي”، أو “دي في دي”، وللأمانة عمرو هذا كان يتجنب في أحاديثه بث الكراهية التي برع فيها الشعراوي، مثلًا، ولكنه اشترك معهم في جمع الملايين من الجنيهات، ومما هو متداول على “يوتيوب” اليوم أن الشيخ محمد حسين يعقوب تزوج 22 امرأة حتى الآن، وفي رصيده مليارات الجنيهات.
وعلى ذكر “يوتيوب”، فإن أرباح مشايخ العهد المنصرم لا تقاس بأرباح الإعلانات التي يوزعها “يوتيوب” على هؤلاء المشايخ الذين يتابعهم ملايين الناس، لا لشيء إلا لأنهم مشايخ!