عنب بلدي ترصد حال العائلات والسوق بمناطق مختلفة
أطفال سوريون محرومون من ملابس العيد
عنب بلدي – خاص
تكتفي هيام منذ أيام بالتجول في أسواق الملابس والنظر إليها بشيء من الحسرة، والعودة إلى منزلها بأيدٍ فارغة بعد عجزها عن إيجاد ملابس لأطفالها الأربعة بأسعار تناسب ميزانيتها “المتواضعة”.
وفي حديث إلى عنب بلدي، قالت هيام مدور (39 عامًا)، وهي ربة منزل وأم لأربعة أطفال تقيم في إدلب شمالي سوريا، إنها كانت تنوي شراء قطعة ملابس لكل طفل، “علّها تضفي بهجة العيد على قلوب صغارها”، لكن أسعار الملابس هذا العام باهظة جدًا ومرتفعة بشكل كبير عن الأعوام السابقة بشكل لا يسمح للأهالي بشرائها.
يعمل زوج هيام في أحد مطاعم المنطقة، ويحاول منذ عدة أشهر جمع مبلغ معيّن لشراء ملابس العيد لأطفاله، لكن الغلاء غير المتوقع غيّر مخططات العائلة.
ورصدت عنب بلدي حالة ركود في الأسواق شمال غربي سوريا، وعزوفًا عن شراء الألبسة هذا العيد، نتيجة ارتفاع الأسعار لمستويات غير مسبوقة.
40 دولارًا للطفل
جابر العيد (46 عامًا)، يعمل حدّادًا ويقيم في إدلب، ويعول أسرة مكوّنة من خمسة أطفال، قال لعنب بلدي، إنه بعد تجول لساعات في محال الألبسة لم يستطع شراء أي ملابس جديدة لأطفاله بسبب ارتفاع الأسعار.
وبحسب جابر، تكلّف كسوة الطفل من الملابس البسيطة هذا العام 35 إلى 40 دولارًا، بمعدل ارتفاع يصل إلى 30% عن عام 2022، مضيفًا أنه وفق هذه الأسعار، يحتاج إلى نحو 150 إلى 200 دولار أمريكي لكسوة أطفاله الخمسة، وهو مبلغ يعجز عن تحمّله، بحسب قوله.
الارتفاع “عالمي”
أرجع عدد من تجار الملابس في إدلب قابلتهم عنب بلدي، ارتفاع أسعارها لارتفاع عالمي في أسعار القماش، وارتفاع تكاليف الشحن، بالإضافة إلى توقف عديد من معامل وورشات صناعة الألبسة في تركيا، بسبب الزلزال الذي ضرب المنطقة في شباط الماضي.
أحمد المحمود، وهو تاجر ألبسة وصاحب محل ملابس في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إن مواسم بيع ملابس الأطفال مختلفة قليلًا عن الألبسة النسائية والرجالية، إذ يعتمد التجار بشكل رئيس على مواسم قبل الأعياد وقبل انطلاق المدارس لبيع بضاعتهم.
وأكد أحمد المحمود أن حركة الأسواق هذا العام أسوأ من كل الأعوام السابقة، إذ تراجعت نسبة المبيعات بنحو 50% عما كانت عليه في السابق، بسبب ارتفاع أسعار الملابس، وعدم قدرة المواطنين على شراء ملابس لأطفالهم، ما يهدد التجار بخسائر “فادحة” هذا العام، بحسب تعبيره.
وأرجع التاجر ارتفاع أسعار الملابس إلى ارتفاع “عالمي” في أسعار الأقمشة، إذ ارتفعت أسعارها هذا العام بنسبة 30% عن العام الماضي، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج.
تاجر الألبسة علي أحمد (48 عامًا) المقيم في إدلب، أشار إلى سبب إضافي لارتفاع الأسعار الملابس، وهو ارتفاع تكاليف شحن البضائع من مناطق النظام أو تركيا باتجاه الشمال السوري، إذ ارتفعت بنسبة 35% عن العام الماضي.
وعن صعوبات استيراد الملابس قال أحمد، بالنسبة للبضائع التركية كانت تُستورد من المعامل التركية في الجنوب التركي، حيث توقفت هذه المعامل عن الإنتاج بسبب الزلزال، أما اليوم فتُستورد البضائع من اسطنبول ومناطق أخرى بعيدة نسبيًا، ويستغرق وصول البضاعة من سبعة إلى ثمانية أيام.
أما البضائع المستوردة من حلب فتُنقل إلى لبنان ثم تصل إلى مرسين في تركيا عن الطريق البحر، ثم يتم إدخالها إلى الشمال السوري، وتستغرق هذه العملية مدة تزيد على 20 يومًا، وتكاليف نقل باهظة جدًا، ما أدى إلى تراجع الألبسة الحلبية في أسواق الشمال السوري.
راتب لكل طفل
أسعار الملابس بجميع المناطق في سوريا على اختلاف الجهات المسيطرة، تعتبر مرتفعة بشكل لا يتناسب مع الدخل الشهري، ومتطلبات الحياة اليومية لجميع المواطنين.
أنعام (33 عامًا)، لديها أربعة أطفال تقيم في ريف درعا جنوبي سوريا، قالت لعنب بلدي، إن تكلفة شراء الملابس لكل طفل من أطفالها تصل إلى 150 ألف ليرة سورية بالحد الأدنى.
ولشراء الملابس لأطفالها الأربعة، وقضاء حاجيات العيد، اضطر زوج أنعام لبيع خروف يملكه بمبلغ مليون ليرة سورية.
بينما تنتظر إيمان، مدرّسة تقيم في ريف درعا، المنحة المالية (150 ألف ليرة سورية)، بالإضافة إلى راتبها (120 ألف ليرة) لشراء ملابس العيد لأطفالها.
يبلغ متوسط الراتب الشهري في سوريا نحو 146 ألف ليرة سورية، بحسب موقع “Salary explorer” المختص بأرقام سلم الرواتب والأجور حول العالم.
يشير الموقع إلى أن 50% من الموظفين بلغ معدل رواتبهم 146 ألف ليرة أو أقل، بينما يكسب النصف الآخر أكثر من 146 ألف ليرة.
تجار في مناطق مختلفة من مناطق سيطرة النظام السوري، أرجعوا أسباب ارتفاع أسعار الألبسة هذا العام لعدة عوامل، بحسب صحيفة “الوطن“، إذ إن ارتفاع أسعارها في حلب يعود إلى الورشات المصنعة لها، والتي يقع معظمها في أحياء شرق المدينة التي تضررت جراء الزلزال، وخرج قسم كبير منها عن العمل بفعل الأضرار التي لحقت بها أو كونها غير آمنة على حياة العمال، ما تسبب بقلة العرض كثيرًا.
وفي معظم المحافظات، يعاني تجار الألبسة ارتفاعًا مستمرًا في أسعار حوامل الطاقة، وارتفاعًا في تكاليف الإنتاج، يسهم برفع أسعار منتجاتهم، فضلًا عن التزامهم برواتب العمال أو الضرائب، وغيرها من الأعباء، بحسب صحيفة “تشرين” الحكومية.
عدد من أصحاب محال الملابس قالوا لصحيفة “الوطن”، إن إقبال الناس على شراء الملابس هذا العيد “خفيف جدًا” لكنه ليس معدومًا، إنما تقتصر حركة الشراء على الأهالي الذين تردهم حوالات مالية من خارج سوريا.
وحلّت سوريا في المركز الـ18 من أصل 117 بلدًا في مؤشر معدل فقر العاملين، بحسب تصنيف “منظمة العمل الدولية” لعام 2022، كما صُنفت إنتاجية العمل في سوريا بالمركز 149 من أصل 185 بلدًا، ما يشير إلى ضعف الإنتاجية.
“البالة” خيار
هنادي (46 عامًا) تقيم في القحطانية بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، أم لخمسة أطفال وتعمل مدرّسة للمرحلة الابتدائية، قالت لعنب بلدي، إن تكلفة شراء ملابس العيد للطفل الواحد تصل إلى 150 ألف ليرة سورية بالحد الأدنى، وهو ما لا تستطيع تأمينه.
وأضافت هنادي أن أسواق “البالة” المستعملة أصبحت منذ سنوات خيارًا بديلًا للملابس الجديدة، إذ تعد أسعارها أقل بمستويات عن أسعار الملابس الجديدة.
ويشهد المستوى العام للأسعار ارتفاعات متكررة شبه يومية في عموم المحافظات السورية، تطال سلعًا ومواد أساسية وغذائية، تضاعف انعدام القدرة الشرائية للمواطنين.
ويلجأ معظم السوريين إلى الاعتماد على أكثر من مصدر لمحاولة الموازنة بين الدخل والمصاريف، وأبرز تلك المصادر الحوالات المالية من مغتربين خارج سوريا، والاعتماد على أعمال ثانية، بينما تستغني عائلات عن أساسيات في حياتها لخفض معدل إنفاقها.
شارك في إعداد التقرير مراسل عنب بلدي في إدلب أنس الخولي
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :