“تحرير الشام” و”فيلق الشام”.. أكبر من خلاف وأقل من مواجهة
عنب بلدي – حسن إبراهيم
حرّك هجوم شنته “هيئة تحرير الشام”، صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، على “نقاط رباط” جنوبي إدلب يسيطر عليها فصيل “فيلق الشام”، الحديث عن خلافات تكررت مؤخرًا بين الفصيلين، أعادت إلى الأذهان هجمات سابقة شنتها “تحرير الشام” على فصائل متعددة أقصتها وأبعدتها عن الساحة العسكرية.
هجوم أو اقتحام ربما بات حدثًا طبيعيًا واعتياديًا في حالة الفصائل شمال غربي سوريا، لكن أن تكون “تحرير الشام” طرفًا فيه، فلا بد أن يترافق بحديث من عسكريين وناشطين عن رغبتها بتوسيع فارق القوة مع الفصائل الأخرى، وبسط نفوذها على مساحات أوسع، وفرض سلطتها بذريعة “توحيد القوى وإنهاء حالة الفصائلية”، فتاريخها شاهد على الاقتتالات التي خاضتها.
هجوم نفذته “تحرير الشام” واعتقلت فيه عناصر من “الفيلق”، سبقته عمليات مشابهة تجاه الأخير خلال الأشهر الماضية، ما فتح الباب أمام تساؤلات عن تكرار هذه العمليات والغاية منها وأبعادها، خاصة أنها بين “تحرير الشام” المدرَجة على لوائح “الإرهاب” و”فيلق الشام” المدعوم والمقرب من تركيا.
“اعتقال مسيئين”
في 12 من نيسان الحالي، قال “فيلق الشام” عبر بيان، إن “الهيئة” اقتحمت عددًا من “نقاط رباطه” في محور بلدة البارة بريف إدلب الجنوبي، وأخرجت مقاتلي “الفيلق” بقوة السلاح، وسيطرت على تلك النقاط.
من جهتها، أصدرت “تحرير الشام” بيانًا حصلت عنب بلدي على نسخة منه عبر مكتب “الهيئة” الإعلامي، أرجعت فيه أسباب الهجوم إلى الاستجابة لتكرار الشكاوى من أهالي بلدة البارة بحق عناصر يتبعون لـ”فيلق الشام” نتيجة ممارساتهم التي “لا تمت للثورة بصلة”، وتعاملهم “غير الأخلاقي مع الأهالي وإيذائهم لهم وإهمالهم لرباطهم وحماية أهلهم”، وأمور أخرى قالت إنها ستذكرها لاحقًا.
وجاء في بيان “تحرير الشام”، أنها اعتقلت بعض العناصر “المسيئين”، دون تحديد عددهم، وذكرت أن بيان “الفيلق” لا يحل المشكلة ولا يواجه الحقيقة، وطلبت من قيادة “الفيلق” العمل على حل الإشكاليات وضبط سلوك عناصرها وتحمّل مسؤولياتهم كاملة.
إخلاء “مكتب شرعي” و”نقاط رباط”
في 13 من تشرين الثاني 2022، طوّقت عشرات السيارات والعناصر في “تحرير الشام” مبنى “المكتب الشرعي” لـ”فيلق الشام” في مدينة إدلب، وأغلقت المنطقة بالكامل، رغم أن جميع من في المقر لا يتجاوزون عشرة أشخاص ما بين شرعيين مناوبين وطلاب جامعات “ألجأهم الفقر للإقامة”، وفق ما نشره مسؤول “المكتب الشرعي” في “الفيلق”، الشيخ عمر حذيفة.
وقال إن المبنى هو من “أسهُم غنائم فيلق الشام” يوم تم توزيع الغنائم على مكوّنات “جيش الفتح” في أعقاب السيطرة على مدينة إدلب، وإنه مبنى متهالك آيل للسقوط رممه “الفيلق” وجهّزه، وكانت الذريعة، وفق حذيفة، أن حكومة “الإنقاذ”، المظلة السياسية لـ”تحرير الشام”، تحتاج إلى جميع المباني الحكومية لاستخدامها في إدارة المحافظة.
وقال حذيفة، إن هناك كثيرًا من المباني الضخمة والحديثة مشغولة من قبل “تحرير الشام” في إدلب، وهي أصلح للحكومة من هذا المبنى المتهالك، الذي هو من بقايا الاحتلال الفرنسي، ولا يمكن تفسير “الإصرار الغريب” على تحصيل هذا المبنى بالذات من قبل “تحرير الشام” إلا لكونه يتبع للهيئة الشرعية لـ”الفيلق”.
حين تصدّرت قضية فتح المعابر الداخلية الواجهة الإعلامية في أيلول 2022، هاجمت مجموعات من “تحرير الشام” نقاطًا عسكرية لـ”فيلق الشام”، على خلفية خلاف بين الطرفين حول تبادل نقاط الرباط قرب معبر “ترنبة- سراقب”، في 29 من الشهر نفسه.
مسؤول المكتب الإعلامي في “فيلق الشام”، سيف أبو عمر، قال حينها لعنب بلدي، إن “تحرير الشام” هاجمت عدة نقاط لـ”الفيلق” بالرشاشات، ما أسفر عن عدة إصابات في صفوف مقاتليها.
سياسية مرسومة ورسائل لأنقرة
ظهرت “تحرير الشام” لأول مرة في سوريا نهاية 2012، تحت مسمى “جبهة النصرة لأهل الشام”، وهي فصيل تميّز بخروجه من رحم “القاعدة”، أبرز الفصائل “الجهادية” على الساحة العالمية، وأعلنت لاحقًا انفصالها عن أي تنظيم، واعتبرت نفسها قوة سورية محلية.
تسيطر “تحرير الشام” عسكريًا وأمنيًا على محافظة إدلب وجزء من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية، وسهل الغاب شمال غربي حماة، وعملت على بسط سيطرتها من خلال حلّ بعض الفصائل وإزاحتها، ومصادرة أسلحتها، أو إجبارها على التماشي مع سياستها، ثم اتجهت لتفكيك الجماعات “الجهادية” التي يطغى المقاتلون الأجانب على تشكيلاتها العسكرية.
العقيد السابق في قوات النظام عبد الجبار العكيدي، يرى أن تحركات “هيئة تحرير الشام” تجاه “نقاط الرباط” التابعة لـ”فيلق الشام”، هي استمرار لسياستها التي اتبعتها منذ 2014، في “البغي” على الفصائل والسيطرة على سلاحها، سواء باسم “جبهة النصرة” أو بالمسمى الحالي.
وقال العكيدي في حديث إلى عنب بلدي، إن هجوم “تحرير الشام” على الفصائل وتجريدها من السلاح والمقار دائمًا ما ترافق بتقدم لقوات النظام سابقًا، وكان بمنزلة تمهيد لتقدم النظام على منطقة معيّنة، وأعطى مثالًا بإقصاء “الهيئة” وتفكيكها لـ”جبهة ثوار سوريا” و”حركة حزم” و”حركة أحرار الشام”، الذي تبعته سيطرة النظام على مساحات واسعة.
ولفت العكيدي، وهو مؤسس وقائد “المجلس العسكري الثوري” في حلب سابقًا، إلى أن سياسة “تحرير الشام” كانت توهم الفصائل بأنها صديقة لهم ولا يوجد خلافات، ثم تتجه إلى إلقاء التهم عليها مثل “التعاون مع الأمريكيين، الفسق، التدخين، التعامل مع تركيا، إدخال قوات أجنبية، وغيرها من الذرائع”، وباتت “الهيئة” تمارس الأفعال التي اتهمت بها الفصائل سابقًا، وفق العكيدي.
ورجّح العكيدي أن يحمل هجوم “الهيئة” على نقاط “فيلق الشام” رسائل من “تحرير الشام” إلى تركيا، إذ يعتبر “الفيلق” فصيلًا محسوبًا على أنقرة ومقربًا منها، ومفاد الرسائل أنه في حالة عدم اعتبار “تحرير الشام” جزءًا من أي “تسوية” مقبلة أو من أي ترتيب وحل للمنطقة، فهي قادرة على “المشاغبة وخلق المشكلات، ووضع العصي في العجلات”.
انتقادات متأخرة
اتخذ “فيلق الشام” مواقف حيادية في اقتتالات الفصائل شمالي سوريا، أبرزها موقفه الحيادي من سلسلة اقتتال داخلي قادته “هيئة تحرير الشام” (“النصرة”، و”جبهة فتح الشام” سابقًا) مع عديد من الفصائل العسكرية منها “حركة أحرار الشام”.
ومع كل اقتتال، كانت تأخذ عدة فصائل موقف الحياد وتحجم عن التدخل أو التوسط في بعض الحالات، وهو ما يرافقه اتهامات بالتواطؤ والعمالة وتسهيل مرور الأرتال من طرفي الاقتتال.
اعتبر العكيدي أن سياسة “البغي” على الفصائل تتحمل مسؤوليتها الأطراف التي ساندت “الهيئة” أو حتى التي بقيت تشاهد الاقتتال دون تحرك فعلي لوقف الاشتباكات، وباتت تنتظر دورها حتى تقصيها “تحرير الشام” وتفككها.
وعقب إخراج “الهيئة” “الفيلق” من مكتبه الشرعي، ذكّر مسؤول المكتب في “الفيلق”، عمر حذيفة، عبر منشور في 1 من كانون الأول 2022، بـ”بغي” “تحرير الشام” على عدة فصائل سابقًا، وتضييقها على “المرابطين” على جبهات إدلب وحلب الجنوبي، واعتقالها أكثر من 300 شخص حينها، وتفريغ 23 “نقطة رباط” بليلة واحدة.
وتساءل حذيفة، “هل من يقوم بذلك حريص على جبهات وثغور وأمن المنطقة والحفاظ على (بيضة المسلمين) كما يدّعي؟”، مضيفًا أن “تحرير الشام” كسرت “هذه البيضة كلّها” بعدما قتلت وشرّدت المئات من “المجاهدين”، لافتًا إلى أن الواقع كفيل بإثبات كل شيء، و”سينكشف الزيف والعوار والخداع والخيانة”.
ولا تزال “هيئة تحرير الشام” مصنّفة على لوائح “الإرهاب”، وتضع روسيا الفصيل ذريعة للتقدم في شمال غربي سوريا، ولا يزال “أبو محمد الجولاني”، وهو القائد العام لـ”تحرير الشام”، مُدرجًا ضمن المطلوبين لأمريكا، وبمكافأة تصل إلى عشرة ملايين دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات عنه.
ولم يفلح الفصيل بالهروب من التصنيف، بعد تغيير المسمى إلى “هيئة تحرير الشام”، إذ أصرت واشنطن، في 15 من أيار 2017، على وضعه على قوائم “الإرهاب”، في حين ترى “الهيئة” أن التصنيفات الغربية “تفتقد إلى الحقيقة”، ولم تكن مبنية على “حقائق أو أدلة ملموسة”.
ما “فيلق الشام”؟
شُكّل فصيل “فيلق الشام” في 10 من آذار 2014، من 19 فصيلًا وجماعة إسلامية معارضة في سوريا، وعملت هذه المجموعات على مساحات واسعة من الأراضي السورية ابتداء من محافظة حلب شمالًا وصولًا إلى العاصمة دمشق.
يتبع “فيلق الشام” حاليًا لـ”الجبهة الوطنية للتحرير” التابعة لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، والمنضوية في غرفة عمليات “الفتح المبين” مع “تحرير الشام”، وتملك نقاطًا عسكرية في عديد من مناطق إدلب وحلب.
ويعتبر من أبرز الفصائل المقربة من تركيا، وفي تشرين الأول 2015، اعتبر معهد “دراسة الحروب” أن “فيلق الشام” واحد من “سماسرة السلطة” في سوريا، ويتلقى دعمه خارجيًا من تركيا أولًا ثم قطر، يليها “الإخوان المسلمون”.
وصنّفته الدراسة على أنه فصيل “سياسي إسلامي” يقاتل النظام السوري، بالإضافة إلى قتاله ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :