عنب بلدي – لجين مراد
“عمو أنا عايشة أنا عايشة”، عبارة الطفلة التي لن ينساها البشر لأجل غير مسمى، ومثلها مئات الصور لوجوه شاحبة تحاول النجاة من مجزرة الكيماوي، وأخرى لضحايا اختنقوا بهواء تحوّل إلى سم بلحظات، وصارت هويتهم أرقامًا.
وفي حين لم تترك الحرب يومًا للسوريين دون ذكريات دموية، خلّف شهر نيسان من عامي 2017 و2018 ذكريات من نوع من آخر، ذكريات لموت دون دم تخنق حتى الناجين، وتتركهم في مواجهة خوف دائم من أن تختنق الحقيقة.
ولم يكن هذان التاريخان إلا جزءًا من سلسلة طويلة من المجازر التي استخدم فيها النظام السوري السلاح الكيماوي ضد المدنيين، إذ وثّقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” 222 هجومًا كيماويًا في سوريا، منذ أول استخدام موثّق في قاعدة بيانات “الشبكة” للسلاح الكيماوي في كانون الأول 2012 حتى 30 من تشرين الثاني 2020.
في دوما.. النظام مدان مجددًا
بعد تحقيقات استمرت لنحو خمس سنوات، ومطالبات دولية بتحديد هوية المسؤول عن هجوم الكيماوي في دوما، حمّلت منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية”، بتقريرها الصادر في كانون الثاني الماضي، النظام السوري مسؤولية الهجوم.
واستند التقرير إلى 70 عيّنة بيئية وطبية- حيوية، و66 إفادة من قبل شهود عيان، وبيانات أخرى جرى التحقق منها، مثل تحليل الطب الشرعي، وصور الأقمار الصناعية، ونمذجة تشتت الغاز، ومحاكاة مسار المقذوفات، حيث فحص الأدلة فريق التحقيق وتحديد الهوية، ومحللون وخبراء خارجيون مستقلون، وأفضى إلى وجود “أسباب معقولة” لتحديد مسؤولية القوات الجوية التابعة للنظام السوري عن الهجوم.
وخلص التقرير إلى أن “قوات النمر” (الفرقة 25 قوات خاصة) بقيادة سهيل الحسن، وبحضور جميل الحسن، ودعم روسي، مسؤولة عن هجوم الكيماوي في دوما.
انتظار طويل
رغم وجود مؤشرات عدة ذكرتها بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” في تقارير سابقة تثبت ضلوع النظام السوري بالهجوم، طال انتظار مئات الناجين وذوي الضحايا صدور إدانة صريحة لسنوات طويلة.
ومن أبرز المؤشرات على ضلوع النظام بتلك المجزرة، تقرير صدر عن المنظمة في آذار 2019، أكد إلقاء أسطوانتين من “الكلور الجزيئي” من الجو على مدينة دوما، تلاه تقرير آخر وثّق تلاعب النظام بالأدلة من خلال نقل أسطوانتي الغاز اللتين وُجدتا في موقع المجزرة، متجاهلًا تحذيرات المنظمة من الاقتراب من الأدلة دون إذن خطي.
عنب بلدي تواصلت مع المنظمة للاستفسار عن العراقيل التي واجهتها لجان التحقيق، وأسباب تأخر صدور تقرير الإدانة، لكنها لم تلقَ ردًا حتى لحظة نشر هذا التقرير.
الطبيب السوري والناشط في المجال الإنساني والعامل السابق في مجال المساعدات والمناصرة محمد كتوب، أرجع في حديث إلى عنب بلدي تأخر صدور تقرير الإدانة إلى العراقيل التي وضعها النظام السوري بوجه المنظمة، وعلى رأسها تدمير أسطوانتي الغاز وترهيب الشهود، بالإضافة إلى تزوير المعلومات.
دفع ذلك المنظمة إلى التشديد على التحقق من جميع المعلومات حول الهجوم، من خلال تقديم تقرير قادر على الرد على أي شكوك حيال المعلومات الواردة فيه، وفق ما قاله كتوب.
ويتفق نائب رئيس “رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية”، ثائر حجازي، مع كتوب، إذ اعتبر أن النظام السوري وحليفه الروسي بذلا مجهودًا كبيرًا لعرقلة صدور التقرير، وهو ما زاد من تعقيد عمل اللجنة، بحسب ما قاله حجازي لعنب بلدي.
“يجب أن نأخذ بعين الاعتبار عمليات التشويش وتزوير الشهود الممنهجة التي قام بها النظام وحليفه الروسي، بالإضافة إلى منع المنظمة من زيارة موقع الحادثة، وطمس الأدلة الذي أجبر المنظمة على التعامل مع كمية معلومات هائلة، لفهم الأسباب المنطقية لتأخر صدور التقرير”.
طارق حوكان مدير برنامج التقاضي الاستراتيجي في “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”. |
تقارير متتالية.. المُدان دون محاسبة
لا يُعد تقرير “حظر الأسلحة” الأحدث حول كيماوي دوما الأول من نوعه، إذ حمّلت عديد من التقارير السابقة النظام السوري مسؤولية هجمات أخرى، لكنّ تلك الإدانات لم تكن كفيلة بدفع المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات جدّية في مسار العدالة والمحاسبة على استخدام سلاح محرم دوليًا.
انتهاكات لاتفاقية المنظمة التي تتعهد كل دولة طرف فيها بـ”ألا تقوم باستحداث أو إنتاج الأسلحة الكيماوية أو حيازتها بطريقة أو بأخرى، أو تخزينها أو الاحتفاظ بها، أو نقل الأسلحة الكيماوية بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أي كان، بالإضافة إلى عدم استعمالها”، جعلت محاسبة النظام السوري مطلبًا لآلاف الضحايا وعشرات المنظمات الدولية.
وفي نيسان 2021، حددت منظمة “حظر الأسلحة الكيميائية” النظام السوري كمنفذ للهجوم بالأسلحة الكيماوية على مدينة سراقب بريف إدلب في 4 من شباط 2018.
وفي تقرير “حظر الأسلحة” الصادر في نيسان 2021، حمّلت المنظمة النظام السوري مسؤولية إطلاق مادة الكلور السامة على مدينة سراقب بريف إدلب في 4 من شباط 2018، باستخدام مروحية عسكرية للقوات الجوية التابعة للنظام السوري، ما أسفر عن إصابة 12 شخصًا.
وبموجب آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية”، التي تهدف لتحديد هوية “المجرم” المسؤول عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، صدر تقرير في 2017، حمّل النظام السوري مسؤولية استخدام غاز السارين في مدينة خان شيخون بريف إدلب، في 4 من نيسان 2017، إضافة إلى ثلاث هجمات بغاز الكلور، حصلت ما بين عامي 2014 و2015 وثّقتها بستة تقارير سابقة.
آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” |
أُنشئت في 7 من آب 2015، بعد أن أجمعت الدول الأعضاء في مجلس الأمن على تشكيل آلية مهمتها التحقيق بهجمات الكيماوي في سوريا، وتحديد هوية المسؤول عنها.
وعملت اللجنة على التحقيق بتسع هجمات وقعت في مختلف مناطق سوريا، وخلصت إلى أن النظام السوري مسؤول عن أربع هجمات، بينما حمّلت تنظيم “الدولة الإسلامية” مسؤولية هجوم واحد، ولم تستطع تحديد هوية الجهة المسؤولة عن بقية الهجمات.
وفي خطوة لـ”خنق الحقيقة”، أوقف مجلس الأمن تفويض اللجنة في تشرين الثاني عام 2017، بعد أن استخدمت روسيا “الفيتو” مرتين خلال 24 ساعة، في جلسات عقدها مجلس الأمن أواخر عام 2017 لتجديد عمل لجنة التحقيق ردًا على تقرير حمّل النظام السوري مسؤولة هجوم خان شيخون.
تلا ذلك تقرير صادر عن “حظر الأسلحة” في 8 من نيسان 2020، توصل إلى أن النظام السوري استخدم السلاح الكيماوي في بلدة اللطامنة بريف حماة الشمالي، في 24 و25 و30 من آذار 2017، إذ أفاد التقرير أن طائرة عسكرية لـ”اللواء 50″ من الفرقة الجوية “22” في قوات النظام، أقلعت الساعة السادسة من صباح 24 من آذار 2017، من قاعدة “الشعيرات” الجوية جنوبي حمص لتقصف اللطامنة بقنبلة تحتوي على غاز السارين، ما أدى إلى إصابة ما لا يقل عن 16 شخصًا.
مدير برنامج التقاضي الاستراتيجي في “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، طارق حوكان، قال لعنب بلدي، إن التقرير الأحدث حول ضربة الكيماوي في دوما يختلف عن التقارير السابقة، إذ إنه اعتمد على نتائج زيارة فريق بعثة تقصي الحقائق التابع للمنظمة التي زارت موقع الحادثة بعد الضربة بأيام قليلة، وهي من حوادث استخدام الكيماوي القليلة التي حصل فيها وصول مباشر إلى موقع الحادثة.
في المقابل، اعتمدت معظم التحقيقات والتقارير السابقة بشكل كامل على ما تنقله الفرق المحلية من عيّنات.
كما يورد التقرير تفاصيل كثيرة تدعم مصداقيته، إذ يذكر مناقشات دارت بين ضباط مطار “الضمير” حول استخدام الذخائر الكيماوية، وتفاصيل تنفيذ الضربة وتنسيقها، ويسمي الضابط الذي طلب الذخائر الكيماوية وأصدر الأمر المباشر بتنفيذ الضربة، وفق ما قاله حوكان.
المحاسبة حبيسة البيانات.. ما الجدوى؟
عقب كل حديث أو تحقيق حول مجازر الكيماوي في سوريا، تتعالى أصوات المنددين بهذا الانتهاك، وتتوالى بيانات الدول المتوعدة بمحاسبة المسؤولين عن الهجمات، بينما تغيب الخطوات الحقيقية على طريق العدالة والمساءلة، وتظل المحاسبة حبيسة بيانات صارت اعتيادية.
وردًا على تحميل النظام السوري مسؤولية كيماوي دوما، أصدرت عديد من الدول الغربية إلى جانب تركيا وقطر، بيانات تظهر دعمها لمحاسبة النظام السوري، وترفض “خرق القانون الدولي” من قبله.
ورغم المطالبات والتوقعات بأن يكون التقرير خطوة للحد من إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب، والبحث عن سبل لمحاسبة النظام السوري، اقتصرت ردود الفعل الدولية على تلك البيانات، ولم يكن التقرير كفيلًا بإيقاف مسارات التطبيع.
وفي حين لم يصدر عن مجلس الأمن قرار يقود إلى المحاسبة، ردت بعض الدول خلال السنوات الماضية على استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي بفرض عقوبات على أفراد وكيانات على صلة ببرنامج الأسلحة الكيماوية في سوريا.
نائب رئيس “رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية”، ثائر حجازي، يرى أن غياب الأثر الفوري والملموس للتقرير في مسار المحاسبة، لا يعني غياب أثره بالمطلق، إذ إن التقرير دليل بيد السوريين، وكفيل بدحض رواية النظام حول تلك المجزرة وغيرها.
وقال حجازي، إن التقرير الأحدث وما سبقه من تقارير تدين النظام السوري، أداة على السوريين رفعها بوجه خطوات التطبيع.
“من خلال هذا التقرير، يستطيع الناجون أن يقولوا للعالم إنهم تعرضوا لأقسى أنواع التعذيب والانتهاكات من قبل النظام ذاته الذي تسارع الدول لتطبيع العلاقات معه، دون أن يستطيع النظام السوري إسكاتهم”.
ثائر حجازي نائب رئيس “رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية” |
من جهته، المحامي ومستشار القانون وحقوق الإنسان أويس الدبش، قال لعنب بلدي، إن أثر تقرير “حظر الأسلحة” حول دوما مرتبط بإبقاء ملف العدالة على طاولة المجتمع الدولي، وغير مرتبط بالوقت الراهن بالمحاسبة.
في المقابل، يرى مدير برنامج التقاضي الاستراتيجي في “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، طارق حوكان، أنه نتيجة لما تتمتع به منظمة “حظر الأسلحة” من مصداقية، كونها منظمة توافق عليها المجتمع الدولي ومنحها الدور الأول بالتحقيق في حالات استخدام السلاح الكيماوي، تعمد كل الهيئات التحقيقية التابعة للأجهزة القضائية للاستناد إلى تقارير المنظمة.
وتعتبر تقارير المنظمة أدلة رئيسة في التحقيقات والمحاكمات، وفق ما قاله حوكان، لافتًا إلى أن هذا التقرير سيكون جزءًا مهمًا من أي ملف قضائي سيتم العمل عليه حول ضربة دوما 2018.
وأضاف أن التقرير يشكّل انتصارًا حقيقيًا للضحايا والشهود الذين تعرضوا للترهيب من قبل النظام وروسيا.
أدلة وشهادات في أروقة المحاكم الأوروبية
في محاولة للوصول إلى العدالة المنتظرة، حملت مجموعة من المنظمات السورية ملف الجريمة إلى المحاكم الأوروبية، لتبدأ القضية أولى خطواتها باتجاه محاسبة المسؤولين عن مقتل مئات السوريين خنقًا باستخدام أسلحة محرمة دوليًا.
وفي 7 من تشرين الأول 2020، قدمت “مبادرة العدالة” و”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” و”مبادرة الأرشيف السوري” ضمن مشروع “Mnemonic” لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، شكوى جنائية إلى المدعي العام الاتحادي الألماني ضد مسؤولين سوريين، بشأن استخدام غاز السارين في عدة مدن سورية.
وعادت المنظمات الثلاث، في آذار 2012، لتقديم شكوى مماثلة أمام قضاة التحقيق في فرنسا، تضمنت شهادات مستفيضة لعديد من الناجين من هجمات الكيماوي التي شنها النظام السوري على مدينة دوما والغوطة الشرقية في آب عام 2013، لتكون الشكوى الجنائية الأولى التي تُقدم ضد بشار الأسد في فرنسا حول قضية الأسلحة الكيماوية.
تلا ذلك بشهر واحد، تقديم شكوى أخرى بالسويد لمحاسبة النظام السوري على استخدامه غاز السارين في هجومين، الأول على غوطة دمشق الشرقية عام 2013، والثاني على خان شيخون عام 2017.
مدير برنامج التقاضي الاستراتيجي في “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، طارق حوكان، قال إن الشكاوى الجنائية المقدمة في السويد وألمانيا تستند إلى “الولاية القضائية العالمية”، لافتًا إلى أن الادعاء العام في الدولتين بدأ تحقيقاته في هذه الملفات، التي تتعلق بضربتي الغوطة عام 2013 وخان شيخون 2017.
تعد “الولاية القضائية” إحدى الأدوات الأساسية لضمان منع وقوع انتهاكات القانون الدولي الإنساني، والمعاقبة عليها في حال ارتكابها من خلال فرض العقوبات الجنائية |
وتنص اتفاقيات “جنيف” لعام 1949 على أن الدول الأطراف ملزمة بتعقّب المشتبه بارتكابهم مخالفات جسيمة (جرائم حرب)، بغض النظر عن جنسياتهم ومكان ارتكاب الجريمة المزعومة، وتقديمهم إلى محاكمها أو تسليمهم إلى دولة أخرى طرف في الاتفاقيات لمحاكمتهم.
ويستكمل قاضي التحقيق الفرنسي المختص بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إجراءات التحقيق الهيكلي الذي يتعلق بضربة الغوطة عام 2013، استنادًا الى الاختصاص القضائي خارج الإقليم، بناء على شكوى تقدم بها المركز بوصفه شخصية اعتبارية مسجلة في فرنسا متضررة من الضربة وضحية مزدوجة الجنسية.
الأثر محدود
لا تتيح “الولاية القضائية العالمية” خيار محاسبة أشخاص لديهم حصانة دبلوماسية، إذ تجري تلك المحاكمات في محاكم أوروبية محلية.
وتُمارس الدول ولايتها القضائية على أساس مبدأ الجنسية (للجاني أو الضحية)، أو على مبدأ “الولاية القضائية العالمية خارج الحدود الإقليمية”، وهذا المبدأ يمكّن من محاكمة الجاني بغض النظر عن جنسيته أو جنسية ضحاياه، بشروط معيّنة مثل الوجود أو الإقامة في دولة المقاضاة.
المحامي ومستشار القانون وحقوق الإنسان أويس الدبش، أرجع عدم قدرة المحاكم الأوروبية على محاسبة النظام السوري إلى كونها محاكم وطنية وقدرتها محدودة، إذ إن محاسبة أشخاص لديهم حصانة دبلوماسية يعتبر تعديًا على السيادة الوطنية للدول.
وحول احتمالية محاسبة بعض المسؤولين عن هجمات الكيماوي قال الدبش، إنه في حال كان المسؤولون ضباطًا موجودين على الأراضي الفرنسية يمكن مقاضاتهم.
في المقابل، إذا كان المتهمون خارج الأراضي الفرنسية فإن محاسبتهم تتطلب أن يسلّموا أنفسهم للقضاء أو أن يسلّمهم النظام السوري، والخياران غير منطقيين في الوقت الراهن.
“على المنظمات السورية أن تكون واضحة حيال ما يمكن أن تصل إليه جهودها لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات للحفاظ على ثقة المجتمع السوري بعمل المنظمات”.
أويس الدبش المحامي ومستشار القانون وحقوق الإنسان |
من جانبه، يرى نائب رئيس “رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية”، ثائر حجازي، أن الشكاوى تسهم بأن يكون ملف الدعوى مكتملًا لحين صدور لائحة اتهام بحق بعض الأشخاص، لكن وجود المشتبه بهم خارج الأراضي الأوروبية يجعل زمن الوصول إلى العدالة طويلًا.
وتلعب الشكاوى دورًا مهمًا بالمناصرة وإثبات أن النظام السوري استخدم سلاحًا محرمًا دوليًا ضد المدنيين، وفق ما قاله حجازي.
طمس وتلاعب بالأدلة.. سيناريو الإنكار مستمر
“تمثيلية مفبركة”، واحدة من بين عشرات الصفات التي أطلقها النظام السوري وحليفه الروسي للهجوم على التقارير والمقاطع المصوّرة بشأن هجمات الكيماوي، لينكر مسؤوليته عما حدث.
ومن أبرز محاولات الإنكار التي اعتبرها الغرب “مهزلة فاضحة“، جلبُ ناجين من المجزرة لتقديم رواية النظام في مؤتمر صحفي عُقد بمدينة لاهاي في نيسان 2018، قبيل صدور تقرير منظمة “حظر الأسلحة” المرتقب حينها.
شهادات استغل فيها النظام السوري وحليفه الروسي مدنيين أُجبروا على إجراء “تسوية”، لعرض “كواليس الكيماوي” الذي ادّعى الإعلام الرسمي أنه يوثّق حقيقة ما جرى في دوما ويظهر خفايا القضية.
وفي سيناريو مكرر، عقد النظام مؤتمرًا صحفيًا عقب تقرير المنظمة الصادر في كانون الثاني الماضي، أعاد فيه جلب شهود نقلوا روايته حول “الهجوم المفبرك”.
كما كرر مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير بسام صباغ، خلال جلسة لمجلس الأمن، إنكار الهجوم، ورفض تقرير المنظمة، معتبرًا أن إنشاء “فريق التحقيق وتحديد الهوية”، “شكّل منعطفًا خطيرًا في تاريخ المنظمة، وعكس حالة التسييس، وزجّ المنظمة بمتاهة سياسية قوّضت مصداقيتها”.
في المقابل، دحض التقرير روايات النظام وحليفه الروسي حول ما جرى في دوما، معتمدًا على أدلة وبراهين تُثبت عدم واقعية رواية النظام.
ويتميز التقرير بكونه أشار بشكل مباشر إلى مسؤولية روسيا عن المشاركة ودعم هجوم الكيماوي في دوما، ما دفعها للمشاركة بإنكار مسؤوليتها ووصف التقرير بـ”المسيّس”، متهمة منظمة “حظر الأسلحة” بالتستر على حقيقة ما جرى في دوما من خلال اتهام النظام السوري بذلك.
إدانة إنسانية أم سياسية؟
اتهامات وجهها النظام السوري وحليفه الروسي للمنظمة وتقريرها، معتبرَين أنه تقرير “مسيّس” ويفتقر إلى الأدلة المنطقية، في محاولة لربط التقرير بتوجه غربي لإدانة النظام السوري والضغط على حليفه الروسي في الوقت الراهن، خصوصًا في ظل ما يشهده ملف الحرب الروسية على أوكرانيا.
المستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، حازم الغبرا، قال لعنب بلدي، إن “حظر الأسلحة” تعمل بشكل مستقل، ولا توجد سيطرة غربية على عملها.
وأضاف أن الغرب أدان النظام منذ وقوع الهجوم، وأكد أنه الطرف الوحيد القادر على ارتكاب مجزرة الكيماوي، بينما جاء تقرير المنظمة ليثبت بالأدلة أن النظام السوري مسؤول عن ذلك الهجوم.
وبخلاف الأنباء المتداولة حول صدور التقرير بدفع غربي للضغط على النظام، يرى الغبرا أن التقرير جاء في وقت يغيب فيه تركيز الغرب على الملف السوري، ما يجعل إدانة النظام بوابة لإعادة إحياء هذا الملف والتركيز عليه بشكل أكبر.
الناجون صوت الحقيقة
حمل الناجون من هجمات الكيماوي مسؤولية توثيق حقيقة ما حدث، ونقل أصوات الضحايا إلى العالم من خلال توثيق شهاداتهم لدى منظمة “حظر الأسلحة” ومختلف المنظمات الحقوقية السورية، ليستطيعوا الرد على رواية النظام وتقديم أدلة غير قابلة للدحض.
نائب رئيس “رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية”، ثائر حجازي، قال إن عديدًا من الناجين من المجزرة تعرّضوا للترهيب والتهديد بالاعتقال، لمنعهم من نقل الحقيقة إلى العالم، كما أن بعض الناشطين الموجودين خارج سوريا تعرضوا للتهديد بعائلاتهم المقيمة في سوريا.
وأضاف حجازي أن الناجين ما زالوا قادرين على تقديم معلومات مهمة تخدم مسار العدالة، لافتًا إلى أن الرابطة مستعدة لمساعدة الأشخاص الراغبين بتقديم شهاداتهم أو الذين يملكون أدلة ملموسة للوصول إلى المحاكم الأوروبية.
“الدور في كشف الحقيقة كان للشهود الشجعان، الذين تحمّلوا كل الترهيب والضغط، وقدموا شهاداتهم وتعاونوا مع لجان التحقيق، وبعضهم تحدث للإعلام لنقل الحقيقة حول هجمات الكيماوي”.
محمد كتوب طبيب سوري ناشط في المجال الإنساني |