عنب بلدي – اعزاز
ما إن تغيب مشكلة التيار الكهربائي في مناطق سيطرة “الحكومة السورية المؤقتة” في أرياف حلب حتى تعود مجددًا، سواء برفع أو تخفيض قيمة السعر للشرائح المنزلية أو الصناعية والتجارية.
وتشهد أسعار الاشتراك الشهري حالة عدم استقرار، تمثّلت بارتفاع مستمر قابلته مظاهرات واحتجاجات، أو ما يتخللها من انخفاض طفيف يقابَل بالتذمر وعدم الرضا من قبل الأهالي الذين يرون أن السعر لا يتناسب مع الوضع الاقتصادي والمعيشي.
شركات خاصة تعمل بعقود مع المجالس المحلية، وتؤمّن الكهرباء وتستجرها من تركيا في تجربة أمّنت وصول التيار وطوت مرحلة الاشتراك بـ”الأمبيرات”، لكنها لم ترضِ الأهالي ولا المجالس المحلية خلال الأشهر والسنوات الماضية.
تخفيضان خلال شهر
أعلنت شركة “Ak Energy” لتوريد وتوزيع الكهرباء، العاملة في الشمال السوري، خفض قيمة الاشتراكات الكهربائية اعتبارًا من 10 من نيسان الحالي.
مسؤول قسم العلاقات في الشركة، محمد عيد المدني، قال لعنب بلدي، إن الشركة خفّضت سعر الاشتراك المنزلي لكل كيلوواط من 3.45 إلى 3.20 ليرة تركية، وسعر الاشتراك الصناعي والتجاري من 4.45 إلى أربع ليرات تركية.
وأوضح أن سبب خفض السعر هو تخفيضه من قبل المصدر المتمثّل بوزارة الطاقة التركية، وبالنسبة لرفع أو تخفيض الأسعار فالأمر متعلق بالمصدر أولًا، لافتًا إلى أن الشركة مرنة في تعاملها، وتتابع أي تحديث على الأسعار من قبل المصدر.
وفي 5 من آذار الماضي، أعلنت شركة “Ak Energy” خفض قيمة الاشتراكات، وذلك بعد تلويح من المجلس المحلي في اعزاز بفسخ عقوده معها في حال لم تعدّل أسعار الاشتراكات.
وانخفض حينها سعر الكيلوواط من الكهرباء المنزلية من 3.85 إلى 3.45 ليرة تركية، والتجارية والصناعية من 5.25 إلى 4.45 ليرة تركية.
وتعود ملكية شركة “Ak Energy” للسوري إبراهيم خليل مع ثلاثة أتراك، وأُسست في ولاية كلّس التركية، وتمد مناطق اعزاز والباب والراعي وبزاعة وقباسين وجرابلس وتل أبيض ورأس العين بالتيار الكهربائي.
وتُعرّف شركة “Ak Energy” عن نفسها عبر موقعها الإلكتروني، أنها الشركة الأولى في المنطقة التي تميزت بامتلاك جميع الرخص لتوليد الطاقة الكهربائية، والتوزيع والتزويد إلى المشتركين في مناطق الشمال السوري، وفقًا للترخيص الممنوح لها من قبل الحكومة التركية والمجالس المحلية.
وبدأت الشركة أعمالها في 1 من حزيران 2017، وفقًا للترخيص رقم “9123455” الممنوح من غرفة الصناعة والتجارة في ولاية غازي عينتاب التركية، بحسب الموقع.
انخفاض لا يلبي المطالب
يشتكي السكان في ريف حلب من ارتفاع أسعار الكهرباء، مقارنة بالوضع الاقتصادي المتردّي الذي تشهده مناطق شمال غربي سوريا، إذ تحتاج العائلة إلى ما يعادل أجرة عمل عشرة أيام لتسديد تكاليف الكهرباء شهريًا.
وشهدت مدن وبلدات في أرياف حلب احتجاجات على رفع سعر الكهرباء، وتكررت على مدار الأشهر الماضية، أسفر بعضها عن خسائر بشرية وأضرار واسعة في الممتلكات، كالمظاهرة التي حدثت بمدينة عفرين بداية حزيران 2022، وأسفرت عن حرق المتظاهرين مبنى شركة الكهرباء العاملة في المنطقة، ومبنى المجلس المحلي أيضًا.
ياسر أمين، موظف في منظمة إغاثية بمدينة اعزاز، اعتبر أن تخفيض “قروش قليلة” من سعر اشتراك الكهرباء بمنزلة “الضحك على الناس”، ولا يتناسب مع الواقع المعيشي، ولا مع حجم رفع أسعار التيار سابقًا، إذ كان الارتفاع بالليرات.
وقال ياسر، إن التخفيض الجديد يخفف عنه شهريًا من 30 إلى 50 ليرة فقط من قيمة الاشتراك الكلي، إذ يدفع حوالي 550 ليرة تركية شهريًا، قابلة للزيادة والنقصان حسب استهلاك عائلته المكوّنة من خمسة أفراد.
بدوره، علي محمود النهار، مالك محل مواد غذائية في اعزاز، اعتبر أن تخفيض سعر الاشتراك مطلب جميع السكان وهو أمر جيد، لكن السعر لا يزال مرتفعًا مقارنة بأسعار الكهرباء خلال السنوات السابقة، التي كانت تتراوح بين ليرتين و2.5 ليرة تركية لكل كيلوواط.
وقال لعنب بلدي، إن محله يستهلك شهريًا 600 كيلوواط، ويدفع بموجب الأسعار الجديدة 2400 ليرة تركية، ويستهلك في منزله 250 كيلوواطًا شهريًا، ويدفع 800 ليرة تركية.
وذكر أن هذه المدفوعات لا تتناسب مع المعيشة بالنسبة له كصاحب محل ولأي شخص يعمل ضمن مؤسسة أو مهنة أو مياومة، فهناك التزامات أخرى من مصروف مواد غذائية ومياه وإنترنت وإيجار منزل للبعض، مطالبًا بتخفيض السعر بشكل أكبر.
تبلغ أدنى قيمة لراتب الموظف في القطاع العام بالمنطقة 1140 ليرة تركية، وتُمنح لكل من المؤذنين وعمال النظافة العازبين، بينما يحصل المتزوجون على راتب قيمته 1235 ليرة تركية.
ويبلغ راتب المعلمين 1750 ليرة تركية للعازبين و1925 ليرة للمتزوجين، ويتراوح الأجر اليومي لعمال المياومة بين 30 و70 ليرة، بحسب المهنة وساعات العمل.
المجالس تلوّح بفسخ العقود
كشفت المظاهرات بريف حلب عن خلل وضعف دراية وتنسيق في تعاقدات المجالس المحلية مع شركات الكهرباء، وعدم قدرة المجالس على ضبط عمل شركات الكهرباء، وظهر التخبط في ردود فعل متباينة، بينها طلب رفع دعاوى قضائية أو إلغاء العقود، ووصل الأمر إلى إعلان استقالات في بعض الأحيان.
وطالت المجالس المحلية انتقادات وتهم بـ”التواطؤ والفساد وغياب الشفافية والتنسيق مع الشركات ضد الأهالي”، ليتحول الحديث على العلن وعبر معرفات المجالس المحلية برفض قرارات شركات الكهرباء من خفض ساعات التشغيل أو رفع أسعار الاشتراك وحتى تخفيضها بشكل طفيف، وعدم التزام الشركات بالعقود.
وخلال شهر واحد، أصدر المجلس المحلي في مدينة اعزاز تعميمين موجهين لشركة “Ak Energy”، مطالبًا بتعديل أسعارها أو فسخ العقود المبرمة بين الطرفين، ورغم تخفيض الشركة أسعارها مرتين، ذكر المجلس أن الأسعار لا تتوافق مع العقود المبرمة.
وطرح المجلس المحلي في أحدث تعميم له، في 10 من نيسان الحالي، خيارَين أمام الشركة، الأول توحيد سعر الاشتراك لجميع الفئات والشرائح بـ2.63 ليرة تركية لكل كيلوواط، والثاني اعتماد سعر 2.37 ليرة تركية للاشتراك المنزلي والمؤسسات الحكومية، و3.76 ليرة للاشتراك التجاري، وأربع ليرات للاشتراك الصناعي.
وأمهل المجلس شركة الكهرباء مدة 24 ساعة لتطبيق هذه الأسعار، وفي حال المخالفة تعتبر جميع العقود الموقعة بين الطرفين مفسوخة، ويتم تحميل الشركة جميع المسؤوليات الجزائية والمدنية جراء ذلك.
وفي كانون الثاني الماضي، رفع “محلي اعزاز” دعوى بفسخ العقد مع شركة “AK ENERGY” بعد قرارها تخفيض ساعات التشغيل، وذكر أن قطع التيار يؤدي إلى ضرر كبير بأعمال المواطنين، وعمل المؤسسات العامة، محذرًا الشركة من احتقان شعبي كبير.
وكانت الدعوى المقدّمة من المجلس حينها ضد شركة الكهرباء لدى المحاكم التركية والسورية السابعة من نوعها، بسبب إجراءات تخفيض ساعات التشغيل والتسعير التي لا تتوافق مع شروط العقد المبرمة.
حلول وتوصيات
في حزيران 2022، نشر مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” ورقة بحثية رصدت المشكلات المرتبطة بملف قطاع الكهرباء في الشمال السوري، وذكرت أن الغاية من تلك العقود هي زيادة السويّة الاقتصادية لمناطق الشمال السوري.
وجاء في الورقة أن أسعار الكهرباء خلال الأعوام الثلاثة الماضية زادت الأعباء المعيشية على السكان وقطاع الصناعة، وفاقت في بعض الحالات تسعيرة الكيلوواط الأسعار في تركيا.
وأوصت الورقة البحثية بتشكيل مظلة إدارية واحدة تمثّل جميع المجالس المحلية في المنطقة، وتتمتع بإدارة “تكنوقراط” (كفاءات) تضم أشخاصًا بخلفية إدارية وقانونية واستثمارية.
وتشرف هذه المظلة على إدارة الاستثمارات في المنطقة ككل من خلال طرح العروض والمناقصات والبت بها، وأخذ العرض الأفضل الذي يراعي المصلحة العامة، ومن شأن العمل على هذه المظلة إظهار المنطقة ككتلة إدارية موحدة لديها جبهة عمل تفاوض باسمها، وتُعنى بجميع الشؤون القانونية والاستثمارية.
شارك في إعداد هذا التقرير مراسل عنب بلدي في اعزاز ديان جنباز