عنب بلدي – خاص
ما إن انطلق جنيف 3 رسميًا على لسان المبعوث الدولي ووسيط الأمم المتحدة ستيفان ديمستورا، حتى أعلن عن تعليقه لغاية 25 شباط الجاري، بعد “تعرض (المبعوث الدولي) لضغوطات إقليمية ودولية”، حسب ما رشح من مصادر كانت تواكب اجتماعات الوفود في بيت الأمم المتحدة.
كثيرة هي العقبات التي اعترضت انطلاق هذا المؤتمر، والذي اعتبره ديمستورا “الحل الأخير” وحذر من فشله، فيما اعتبره السوريون، على اختلاف انتماءاتهم السياسية، ضوءًا في آخر النفق المظلم.
فبعد خمسة أيام من وصول الوفود إلى جنيف، علقت أعمال المؤتمر، ومعها تأجلت المفاوضات غير المباشرة بين وفد الهيئة العليا للمفاوضات ووفد النظام السوري، حيث استقرت الرؤية الدولية النهائية على هذين الوفدين كممثلين أساسيين لأطراف الصراع، وتمت تنحية وفد روسيا جانبًا، والذي يضم معارضين من موسكو والداخل، أصرت هي على أن يكونوا وفدًا ثالثًا، وهو ما ووجه بالرفض من الجميع.
ديمستورا: تأجيل وليس فشل
خرج ديمستورا إلى الصحفيين ليعلن التأجيل، ويكررها مرتين “تأجيل” وليس “فشل”، بعدما تعذر على الرجل المضي قدمًا وسط تمترس كل طرف عند مطالبه، والتي يرفض الطرفان تسميتها “شروطًا مسبقة”، لأن قرار مجلس الأمن 2254 يطلب من الأطراف الدخول في مفاوضات دون شروط مسبقة.
أصر النظام على التهرب من الاستحقاقات الواردة في بيان مجلس الأمن، وماطل في تطبيق المادتين 12 و13 في القرار حول رفع الحصار عن المدن وإيقاف القصف وإدخال المساعدات الإنسانية، وترافق ذلك مع تصعيد ناري من الجو وعلى الأرض، لاستغلال المفاوضاوت وتحقيق تقدم يحسب للنظام، ويستخدم ورقة ضغط توضع على الطاولة.
سيطر النظام على قرى عديدة في ريف حلب وتمكن من فتح طريق إلى نبل والزهراء بغطاء جوي روسي، لكن المفاجأة أن وفد المعارضة لم يستكن وخالف التوقعات.
وكانت مواقف منسق الهيئة رياض حجاب “صلبة”، ووقف عند مطالب المعارضة مستفيدًا من الدعم الشعبي ومن أصدقاء الشعب السوري، واجتمعت الهيئة مع ديمستورا مرة واحدة وانتظرت منه ردًا على مطالبها المتعلقة بالمادتين 12 و 13 من القرار الأممي، وهذا ما لم يحصل، وعليه أعلن وفد الهيئة أنه سيغادر جنيف ولن يعود حتى تتحقق المطالب.
ديمستورا يستنجد بالدول الكبرى
لا يمكن الجزم بعد بأن جنيف 3 وصل إلى طريق مسدود، فالمبعوث الأممي يحاول لملمة أوراقه مستعينًا بالصلاحيات الممنوحة له، والتوجه إلى واشنطن وموسكو الراعيين الأساسيين للمباحثات، مستعدًا للاستفادة من مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن في 11 شباط الجاري. ويتوقع أن يجتمع وزيرا الخارجية الأمريكي جون كيري والروسي سيرغي لافروف ودبلوماسيون بارزون آخرون من المجموعة الدولية لدعم سوريا خلال المؤتمر، وفق ما ذكرت وكالة أنباء رويترز.
وقال ديمستورا إنه سيطلب اجتماع المجموعة الدولية لدعم سوريا في أسرع وقت ممكن، “آمل أن يتم هذا في ميونيخ وسأطلب اجتماع مجلس الأمن والعودة للاجتماعات في 25 شباط”. وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أيضا إنه “يرى فرصة لإجراء مفاوضات في مؤتمر ميونيخ”.
تبادل اتهامات بالفشل وتعليق من طرف ثالث
منذ اليوم الأول للمفاوضات، شكك وفد النظام السوري بجدية المعارضة بالدخول فيها، وأطلق مصطلحات مثل “معارضات” وعدم معرفة الوفد المقابل، وكذلك المطالبة بتسليم لائحة بأسمائهم، وكل هذا من أجل إضفاء نوع من “التشويش” على الموضوع الرئيسي، والهروب من الالتزامات الأساسية للنظام ومن خلفه روسيا.
واتهم الجعفري “مجموعة الرياض” بالسعي إلى إفشال المفاوضات عبر طرح شروط مسبقة لبدئها، وقال إن وفد الرياض أراد الانسحاب من المحادثات لهذا علقها ديمستورا، وهو تصرف “غير مسؤول وغير جدي وغير ملتزم”.
واتهم الجعفري “وفد الرياض” أنه أتى إلى جنيف بقرار سعودي قطري تركي لإفشال المحادثات.
الرد على موقف الجعفري ووفده، جاء في مؤتمر صحفي لمنسق الهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، مع الناطق الرسمي سالم مسلط، وقال حجاب للصحفيين إن الوفد لن يعود إلى جنيف ما لم يتم إحراز تقدم في المجالات الإنسانية في سوريا.
وأضاف أن إعلان المبعوث الأممي تأجيل المباحثات يعتبر فرصة للمجتمع الدولي من أجل الضغط على النظام وحلفائه للالتزام أولًا بتنفيذ المتطلبات الإنسانية للشعب السوري من خلال فك الحصار وإطلاق سراح المعتقلين ووقف القصف وإدخال المساعدات الإنسانية.
واتهم حجاب الحكومة السورية بالعمل على إفشال هذه المباحثات، كما اتهم روسيا والجيش السوري بتكثيف العمليات العسكرية والغارات الجوية.
من جانب آخر، نشر المعارض السوري هيثم مناع، الرئيس المشارك لمجلس سوريا الديموقراطية (مسد)، بيانًا على فيسبوك للرأي العام بيّن فيه سبب تعليق المفاوضات وعلق على سبب إبعادهم عنها، وجاء في البيان “من واجبنا كمجلس ديموقراطي يتعامل مع المجتمع السوري بشفافية وأمانة، أن نشير إلى أن انطلاقة المسار التفاوضي افتقدت للمنهجية والتناسق والوضوح”.
وذكر البيان أن المفاوضات “بدأت في ظل خلل كبير في أداء مجلس الأمن والسيد الأمين العام للأمم المتحدة المسؤولين مباشرة عن تفعيل المواد 10،11،12،13 من قرار مجلس الأمن المتعلقة بإجراءات بناء الثقة أولًا، والتدخلات المباشرة وغير المباشرة للطرفين الروسي والأمريكي في تفاصيل الخطوات الإجرائية، والاضطراب الذي شاب مواقف وتصرفات المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا، مع غياب استراتيجية عمل واضحة وحتى تصور أولي للأولويات المطلوب تناولها”.
واتهم البيان المبعوث الدولي بالتقصير، وقال “يمكن القول إن نقاط التركيز التي استحوذت جهود المبعوث الدولي والطرفين الروسي والأمريكي لم تتعد الحصول على أسماء الوفود المشاركة والاستماع الأولي لطرفين من أطراف المفاوضات، مع ممارسة الضغط على وفدنا لقبول ما فرضه الطرف الروسي من قائمة أولية، وحذف خمسة أسماء كردية، والعقيد طلال سلو منها، بطلب إقليمي، قبل أي دخول لصالة المفاوضات المخصصة للوفد الثالث”.
“أسف روسي” ورد سعودي
تأسّفت موسكو على تعليق مباحثات جنيف، وحمّلت “وفد الرياض” مسؤولية إفشال المفاوضات، معتبرةً أن الذرائع لتبرير موقف المعارضة السورية “غير مجدية”.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف لوكالة “تاس” الروسية، إن موسكو تعتبر موقف “معارضة الرياض” محاولة لعرقلة عملية المفاوضات، “بل وإفشالها في الواقع”، مؤكدًا أن تعليق المفاوضات السورية السورية في جنيف لن يؤثر على جهود روسيا لمكافحة الإرهاب في سوريا.
فيما حمل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير النظام السوري مسؤولية فشل المفاوضات، وقال “إن تعليق مفاوضات جنيف بين المعارضة السورية والنظام يعود إلى عدم جدية النظام في التجاوب مع المبعوث الأممي وعدم التجاوب مع طلب إدخال مساعدات إنسانية إلى سورية وفك الحصار على المدن”. واعتبر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير “أن هجوم الجيش السوري على ريف حلب ألحق ضررًا بالمحادثات في جنيف، وبات جليًا على نحو متزايد في الأيام الماضية إلى أي مدى تأثرت محادثات جنيف جراء هجوم الجيش السوري بريف حلب”.
وبينما يستمر ديمستورا بحشد الأطراف الدولية استعدادًا للجولة الجديدة من المفاوضات التي حددها في 25 شباط الجاري، يستمر النظام السوري والميليشيات الموالية وبغطاء جوي روسي بالهجوم على مناطق سيطرة المعارضة في حلب ودرعا وأرياف حمص وحماة، في وقت أكد فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه لا يجد مبررًا لوقف القصف على “الإرهابيين”.