فادي القاضي
أشبع السوريون مبعوث الأمم المتحدة الى سوريا، السيد ستيفان دي ميستورا، تشخيصًا ونقدًا وتحليلًا سلبيًا وهجومًا لدرجة أن مُتابعًا خارجيًا بات يعتقد أن سبب الأزمة الحقيقي، بما فيها صراعٌ مسلحٌ امتد عبر السنوات الأربع الماضية، هو شخص المبعوث الأممي نفسه.
وأصبح دارجًا في الأسابيع الماضية، ملاحظة تداول صور الرجل على نطاق واسع وهو يقف باحترام وخشوع أمام ضريح علي بن أبي طالب في النجف في أعقاب انتهاء مهمته الأممية في العراق، وصور أخرى لزيارته بعض المواقع ذات القيمة الدينية لدى الشيعة. وأصبح من السهل على مُتداولي هذه الصور عبر مواقع التوصل الاجتماعي تفسير “انحياز” المبعوث الأممي، طبعًا بحسب مروجي الصور، “مع نظام الأسد” و “لإجهاض المعارضة” أو “لتكريس الأسد في حكم سوريا”، وغير ذلك.
ومن الضروري جدًا وضع بعض الأمور في سياقها الدقيق. لا أميل شخصيًا إلى تكتيكات المبعوث الأممي في إدارة الحوار مع الأطراف المتنازعة، ولا خطابه الذي أجده بائسًا وعاجزًا إلى درجة العبث، ومنه على سبيل المثال الرسالة التي وجهها إلى الشعب السوري عشية انطلاق محادثات جنيف، وفشل طاقمه في إدراك أن إرسالها، على الأقل بالمعنى التقني، باللغة الإنجليزية، يعني توجهًا إلى جمهور آخر غير الجمهور السوري، ومنها كذلك ما قاله يوم الأربعاء الموافق للثالث من شباط الحالي بأن “فشل المحادثات هذه المرة يعني أن ليس هناك أي أمل لسوريا”. وبشكل عام، لا أميلُ اطلاقًا إلى النزعة المحكومة بضرورة تحقيق “النجاح” في ملفات ومواضيع تتعلق بمصائر ملايين البشر، وهو ما أجد أن المبعوث الأممي قد وضع نفسه أسيرًا لها، من دون أن يعني ذلك أنه “انتهازي”، مثلًا.
ومن الأمور التي بحاجة إلى الدقة، أن دي ميستورا “مُكلفٌ” من قبل نظام دولي منقسم على نفسه، ومتخبط إلى درجة كارثية، لإنجاز حل سياسي للأزمة في سوريا. لم يطلب أحدٌ من الرجل، أو نص في إطار تكليفه، على أن يسعى إلى إيجاد سبل لتحقيق العدالة والمحاسبة على الجرائم الجسيمة المرتكبة ضد الإنسانية، أو جلب الجناة إلى العدالة الدولية. ومن الأمور التي تحتاج أيضًا للضبط، تلك المتعلقة بخطاب المعارضة السورية نفسها. هل كان واضحًا وبما لا يحتمل التأويل ما الذي كانت تطالب المعارضة به، قبل وأثناء محادثات جنيف؟ هل لدى السوريين بشكل عام مطلب أساسي، يتجاوز مجرد فكرة الإطاحة بنظام بشار الأسد؟ ليس لدي أي دليل ملموس على أن السوريين فعلوا ذلك.
وفي الأثناء، أعتقد أن على السوريين التفكير جديًا بالمحادثات باعتبارها وسيلةً لتحقيق أو تمرير أو تغيير شيء محدد، وأنها ليست الغاية ولم تكن أبدًا الغاية، ولن تكون الغاية، مع تزايد قلقي على أن تلك “الغاية” لم تعد واضحة على الإطلاق.